المعبود بحق تبارك وتعالى له وحده الدعوة الصادقة إلى توحيده وإخلاص العبادة له وإفراده بالطاعة، وهى دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فلا معبود بحق سواه، ولا إله غيره، وأما ما سواه من الأوثان والأصنام فلا تجيب دعوة أحد ولا تشعر بأحد ولا تفرّج كرب مكروب، ومثلهم مثل العطشان المشرف على الهلاك الذي يمد يده إلى الماء من بعيد، ليصل إلى فمه الماء فلا يصل، فعبّاد الأصنام محرومون من نفعها كحرمان العطشان نفع الماء البعيد، وما طلب الكفار من أصنامهم إلا في غاية من البعد عن الصواب، وضلال عن الهدى، لأن المشرك أعمى القلب مطموس الفطرة.
ومن عجيب ما ذكره القرآن في ذلك: استجابة الله تعالى دعاء المشركين، إذا جرت بهم الفلك في البحر، وهاجت عليهم الريح، وأحاط بهم الموج من كل مكان، فيدعون الله في تلك اللحظات بصدق وإخلاص، فيستجيب لهم، وإن غيروا بعد ذلك وبدلوا، يقول الله تعالى: “هو الذي يسيركم في البر والبحر، حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين، فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق“.
وإنما أنجاهم واستجاب لهم، لأنهم (دعوا الله مخلصين له الدين) فقد رجعوا في تلك اللحظة إلى الفطرة، وسقطت الآلهة المزيفة، ولم يبق لديهم إلا الله يدعونه بإخلاص ويتجهون إليه.
نعم هكذا كان المشركون إذا بلغت بهم الأزمات مبلغها تلاشى من قلوبهم كل أحد سوى الله، وحينها يدعون الله مخلصين له الدين.. وهذا هو السر في إجابة دعائهم مع كونهم في الأصل مشركين.. ومن عرف ذلك أدرك السبب في عدم استجابة دعاء كثير من المسلمين، لاسيما في حال الرخاء، فإنهم يدعون الله، ولكن قلوبهم متعلقة بغير الله، فتجده يدعو الله بالشفاء وقلبه متعلق بالطبيب، ويدعو الله بالرزق وقلبه متعلق بالأغنياء، ويدعو الله بالتيسير وقلبه متعلق بالمسؤول.. ولا يكاد يسلم القلب من تعلق بغير الله، وهذا هو الذي يفسد عليه دعاءه، حتى إذا يئس من كل أحد سوى الله خلص قلبه، فكان ذلك سببا -بإذن الله- لاستجابة دعائه، ولذلك يستجيب الله للمضطر ﻷنه -غالبا- لا يرجو إلا الله.. وكل أدرى بقلبه.. فإن كنت تدعو الله ولم يستجب لك فخلص قلبك من التعلق بالأسباب، ثم ترقب الإجابة من رب اﻷسباب.