لماذا لم يستطع المسلمون جعل مجزرة نيوزيلاندا قضية رأي عام دولي؟؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
بعد سقوط البرجين في أمريكا لم يبق أحد في العالم إلا وسمع بالحادث، وربما حتى الشعوب البدائية في أدغال إفريقيا وفي غابات الأمازون سمعوا بتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، وغدا الشيخ أشهر من ممثلي هوليود الذين يُصنعون صناعة خاصة حتى يؤثروا في المشاهدين، بل أصبح وجه الشيخ مألوفا معروفا بعمامته البيضاء عند النساء الأميات اللائي لا يفرقن بين بوش والقذافي ساعتها.
وعندما أراد الأمريكان غزو العراق لم يعد أحد يجهل دموية صدام حسين وخطره على العالم، وأيقن الجميع أنه يمتلك أسلحة دمار شامل تعادل أو تفوق ما تملكه روسيا، وأصبحت جزئيات حياته معلومة عند سكان الكوكب الأرضي بقاراته الخمس.
كان ذلك كذلك فقط لأن الآلة الإعلامية الغربية الجبارة تحركت وقامت بدورها امتثالا للاستراتيجية الحربية التي يمليها الأمن القومي الغربي.
لكن لا أحد في نفس الوقت يعرف شيئا عن أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها دولة الاحتلال الصهيوني.
ولما كانت داعش الصنيعة تقتل شاذا جنسيا وترميه من أعلى مكان في دولتها الوهمية، أو عندما حرقت الطيار الأردني الكساسبة وسط القفص الحديدي في فيافي سوريا وصلت الصورة والصوت إلى العالم كله فسمع ورأى.
لكن بالمقابل لا نرى الإشعاع الكبير والهيمنة الإعلامية والذيوع المطبق للمجازر التي تشيب لها رؤوس الأجنة قبل أن تولد، والتي ترتكب اليوم في حق شعب الإيغور في الصين صاحبة حق الفيتو والعضو الدائم في مجلس الأمن الذي يفترض فيه أن يرعى الأمن للضعفاء، وكذا محرقات روهينغا المتواصلة في ميانمار، ولا ما اقترفته فرنسا في مالي، ولا فضائع أمريكا في أفغانستان والعراق والصومال، ولا الإبادات التي تجري في اليمن وسوريا والعراق سابقا، لم يسمع بفظاعتها سوى من عاشها من المسلمين أو من يبحث عن أخبارها في مصادرها، أما سكان العالم المتحضر فلا يرون دما إلا إذا كان مسفوكا من جسم الرجل الأبيض.
الأمر نفسه يحصل اليوم مع مجزرة مسجدي نيوزلاندا، فإذا قارناها بحادثة شارلي إبدو مثلا، نجد أن الإعلام الدولي تعامل مع الأولى على أنها خبر فظيع، كما يتعامل مع أخبار الزلازل والحرائق تدوم قوتها 3 أيام ثم تخبو شرارتها، وتنمحي صورها بشكل تدريجي سريع، فلا تَعلق فظاعتها بالمخيال العام لسكان العالم، حتى لا تشكل قناعات جديدة، ولا تُوجه مواقف معينة، وإنما تثير الحزن والاشمئزاز فقط.
أما قضية “شارلي إبدو” ومثيلاتها فترفعها الآلة الصحفية إلى مقام قضية الرأي العام الدولي، حتى تخدم بها الأهداف المعلنة والمضمرة، وتتوسل بها إلى المزيد من القوة، فلا تبقى حَادثتها مجرد حدث عابر، بل تقف الساعة عن الدوران، ويتحرك زعماء العالم في مسيرات وتعقد الندوات وتنجز الأشرطة الوثائقية والتحقيقات الصحفية في أدق أخبار منفذي العملية، وتتناول التقارير الأمنية والاستخباراتية كل جزئية بالتفصيل، ويتعرف الجميع في هذا الكون على هوية مقترفي العمل الدموي وأهدافهم ووسائل تنفيذ جرمهم الإرهابي وآثار أعمالهم، وتشتغل كل الحقول المعرفية والآليات التكنولوجية والدوائر الفكرية والسياسية والإعلامية والأمنية والشعبية، وتكبِّر المشاهد الدموية، وتطول مدة التفاعل مع الحدث بحيث يتم كشف الجديد كل يوم حتى يستمر عنصر التشويق ليكبر حجم التأثير حتى ينتقل الحدث من واقعة مؤلمة خاصة ببلاد معينة، إلى قضية من قضايا الرأي العام الدولي، توظف في سياق يخدم مشاريع معينة لدول ما.
وهنا يثور السؤال ويتفجر في وجوهنا:
لماذا لم يتظاهر قادة العالم المتحضر مثل ميركل وماكرون وبوتين في مسيرات منددين بالجرائم التي ترتكب في حق شعوبنا، رغم أن قضايانا تندرج في أغلبها في قضايا “الجرائم ضد الإنسانية” و”الإبادات الجماعية”؟؟
لماذا لا تصبح قضايانا رغم فظاعتها الكبيرة وقوة دمويتها من قضايا الرأي العام الدولي؟؟
سنحاول الجواب في النقاط الخمسة التالية:
أولا- لأن الآلة الإعلامية الدولية التي تصنع الرأي العام الدولي ملك للدول الكبار والشركات الكبرى العابرة للقارات، والتي تعمل بينها بالشراكة في الحرب الحضارية على الإسلام والمسلمين، لذا تَسْتغل هذه الآلة الإعلامية الدولية قضايا الإرهاب لخدمة أهدافها الحضارية.
بل هي من تسوق للشعوب الغربية أن الإسلاميين، من أقصى متشدد فيهم إلى أدنى منفتح متعايش منهم، كلهم يشكل مصدر تهديد لمشاريعهم وحضارتهم وضد القيم التي يؤمنون بها.
ولذا اقتضى عملها هذا ألا يتم التفاعل بمتابعة مهنية وقوة في التغطية للمجازر التي يتعرض لها المسلمون، ومنها مجزرة مسجدي نيو زيلاندا، فطبيعي ألا تشارك في وصولها لتكون قضية رأي علم دولي؛ لإدراك من يسيرها أن ذلك سيزيد من تعاطف شعوبهم مع المسلمين ويدفع الناس لاكتشاف الإسلام والدخول فيه، الأمر الذي يخالف مقتضيات صناعة الإرهاب والإسلاموفوبيا.
ثانيا- لأن قادة الغرب لا يتعاطفون مع قضايا الإرهاب التي يكون مقترفوها من اليهود أو النصارى أو البوذيين أو اليمين العنصري ضد المسلمين، أما قادة المسلمين الذين حجوا إلى فرنسا للتنديد بالإرهاب بعد حادثة شارلي إبدو فلا يستطيعون الدعوة في نيوزيلاندا لتنظيم مسيرة للتنديد بالإرهاب رغم أن العملية ذات بعد إرهابي بامتياز وتستحضر الحروب الصليبية والمعارك مع دولة الخلافة العثمانية، بل الفتوحات الإسلامية.
إنهم يعلمون أن مسيرة مشابهة لمسيرة حادثة شارلي إبدو سترفع مجزرة نيوزيلاندا إلى مستوى قضية رأي علم دولي، وسيتبعها كثير من الإجراءات وتعقد بشأنها كثير من الندوات، تسوي بين الإرهاب الذي يتهم به المسلمون والإرهاب اليهودي والمسيحي والبوذي، وهذا من شأنه أن يجعل تهمة الإرهاب مشاعة بين الجميع، فتصير مهلهلة ضعيفة لا تؤدي الفعالية الاستراتيجية المطلوبة في الحرب الحضارية التي يراد فيها أن تَعتبر شعوب العالم المسلمين وحدهم مجرمين إرهابيين.
لقد تمت صناعة الحرب على “الإرهاب” إعلاميا وأمنيا واستخباراتيا وعسكريا وفكريا لكي يعادل مصطلحُ “الإرهاب” مصطلح “الإسلام”، ليصير أتباعه أو كل صورة أو فكرة أو شخص أو قضية ترمز إلى الإسلام أو مؤسسة تدافع عن شريعته متهمة الإرهاب بطريقة أو بأخرى.
فكيف ننتظر من قادة الغرب أن يتفاعلوا مع قضايا المسلمين لتصبح قضايا رأي عام دولي؟؟
قادة الغرب وقادة العرب يمكن فهم منهجهم في التعاطي مع قضايا المسلمين من خلال دراسة زيارة ماكرون رئيس فرنسا لمصر، والذي خصص حيزا كبيرا في كلمته لحرية التعبير وحقوق الإنسان، مظهرا للعالم أنه يدافع عن القيم الديمقراطية، في حين كان يحاول أن يسوغ زيارته للانقلابي السيسي، وعندما أراد التمثيل لانتهاك هذا الأخير لحقوق الإنسان وحرية التعبير مثل باضطهاد مدونين وصحفيين مصريين، في تجاهل كامل لقضية أول رئيس منتخب مسجون لدى السيسي، وكذا مجزرة رابعة، وآلاف السجناء الإسلاميين وأوضاعهم في السجون.
الأمر نفسه يقال بالنسبة لمئات السجناء الإسلاميين منهم المفكرين والدعاة والإعلاميين، لم يتحدث عنهم لا قائد بلاد الأنوار ولا البيت الأبيض ولا الاتحاد الأوربي ولا الأمم المتحدة في حين لم تبق رأس لم تسمع أذناه بالمنشار الذي قطع به ابن سلمان جثة خاشقجي وهو فرد واحد لكن قضيته كانت مربحة ماليا وسياسيا للدول المتحضرة ولذلك رفعت إلى مستوى قضية رأي علم دولي.
ثالثا- لن يستطيع المسلمون أن يرفعوا قضية نيوزيلاندا الإرهابية إلى مستوى قضية رأي عام دولي لأن أنظمة البلدان الإسلامية منخرطة في الحرب على “الإرهاب” و”التطرّف” بمفهومهما الغربي ووفق الأجندة الغربية، وكيف تستطيع دولنا الدفاع عن قضايانا القومية ومصالحنا الاقتصادية رهينة لأبناكهم وصناديقهم المالية، ونظرًا للفساد المستشري تبقى اقتصادات الدول العربية في حاجة دائمة إلى القروض والمنح التي توفرها المؤسسات الغربية، هذا ناهيك عن كون جيوشه ومصانعه وإداراته مفتقرة على الدوام إلى التكنولوجيا والأسلحة المنتجة في البلدان الكبرى، ويبقى أهم الأسباب يكمن في اعتمادها شبه الكلي عليها في تحقيق أمنها الإقليمي واستقرارها الوطني ودوام بقائها في مراكز الحكم، فكيف يطمع المسلمون أن يعمل رؤساء دولهم وحكوماتهم على رفع قضاياهم إلى مستوى قضايا الرأي العام الدولي. ويتبع هذه النقطة:
رابعا- لأن الإعلام في البلدان الإسلامية هو مملوك للدولة التي تَحَدثنا عن حالها في النقطة الثالثة، وما كان منه غير رسمي فهو مأجور أو منخرط في خدمة اتجاهات علمانية هي بالأصل متحيزة للغرب وأطروحاته حول التطرّف والإرهاب أو موظفة لخدمة أجندات خارجية، فكيف لهاته المنابر والمؤسسات الإعلامية أن تشارك في جعل قضايا اضطهاد المسلمين وقتلهم من قضايا الرأي العام الدولي، ناهيك أنها ضعيفة المتابعة خارجيا.
خامسا- لأن النخبة الفكرية والسياسية إما غائبة عن الشأن الهوياتي أو مغيبة بفعل التضييق والإقصاء، وما كان منها بارزا فقد تمت صناعته بشكل ما ليلعب دور النخب المزورة التي تتولى يوميا مهمة إخضاع الشعوب الإسلامية للرؤية الغربية للقضايا التي تهم المسلمين، وتشغب على الإسلاميين وتشكك الأجيال في القطعي من دينها، مروجة لبديل تختصره في ما أنتجته الحضارة الغربية من تصورات حول الكون والإنسان والحياة..
إن انسداد الأفق المصاحب للعنف والإرهاب الذي تتعرض لهما الشعوب الإسلامية اليوم، لا محالة يساهم في إنتاج التطرّف والسخط العام الذي يدفع الكثيرين إلى الإيمان فعلا بالإرهاب المضاد وسيلةً لتدبير مرحلة التضييق والاضطهاد، خصوصا بعد الانقلابات المضادة الملتفة على نتائج ما سمي بالربيع العربي.
لذا، على العقلاء من مدبري الشأن العام في الدول الإسلامية ومشخصي مصلحة الأنظمة أن يفكروا في خطة لإرجاع الاعتبار للقوى الحية الغيورة في بلدانهم، والتي يمثلها اليوم أولئك الشباب المفعم بالحياة المتشبث بمقومات هويته ودينه، ولن يتأتى ذلك إلا بالتحلي بالشجاعة لإعادة النظر في تدبير ملف الإرهاب بمقاربة تستهدف مصلحة البلاد لتنميتها وتحريرها من النفوذ الأجنبي، ومصلحة العباد بتوفير الكرامة والحرية وتوزيع عادل للثروات.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
لأن المسلمين صراعاتهم كلها داخلية و بينية…و صراعاتهم كلها على الحكم (داخليا) و على الزعامة (بينيا)…!!!!
لذلك يصول و يجول العدو الحقيقي كيف شاء و متى شاء…!!!!!
سؤال وجيه وهناك عدة أجوبة سريعة حوله ، يظهر عطب الأمة التي فقدت العدل الذي من أجله نزل القرآن والذي من أجله اعتنق الإسلام. # و كيف تريد لمن باع ثالث الحرمين ان ينصر قضية اسلامية ؟ وكيف لمن يدفع الجزية سنويا لأمريكا منذ تأسيس دولته كي تحميه أن ينصرك # حاشا المولى أن يمنح النصر والعزة لهؤلاء الحكام الذين يسرقون أموال شعوبهم المسلمين ويفقرونهم….
جزاك الله خيرا