لماذا يحب المغاربة الشيخ “أبو النعيم”؟؟؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
ملأ الدنيا صراخا لكن في الإصلاح..، عباراته كانت تخرج مِن فيه كأنها المنجنيق..، لكن لا يطلقها إلا إذا استيقن أن حرمات الدين تنتهك، يرعد ويزبد عندما يُمس دينه، أمضى زينة شبابه في الدعوة والتعليم والدرس والخطابة والوعظ والإرشاد حتى ابيضت لحيته، انتقد وخاصم من رأى فيهم خصوما للدين، سجن واستنطق وتوبع، خرج من السجن الصغير قبل أربعة أشهر بعد أن أمضى في زنزانته سنة كاملة، ليخرج البارحة من السجن الكبير الدنيا الفانية الغرورة، فهكذا كان يراها لاعتقاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر”.
قال له مدير السجن: “أُرسل لك الحلاق ليهذّب لحيتك؟” فرد عليه رحمه الله: “لا أريد أن أدفن بها هكذا، وألقى ربي”، واستطرد: “إني أشم رائحة القبر”. وكذلك كان، فقد صدق في فعله وقوله وثبت وصبر حتى خرج من دنيا النفاق والكذب إلى دار الحق والصدق، حيث لا ينفع ذكاء ولا مراوغة ولا خطة ولا مكر.
من شهد جنازة الشيخ عبد الحميد أبو النعيم ورأى العدد الهائل من المغاربة الذين أصروا على تشييع جنازته، رغم كل ما التف بمراسيم الجنازة من عوامل تشتت الجمع، وتحول دون وصول الكثير إلى المصحة أو مقبرة الغفران حيث ووري جثمانه الثرى، يوقن أن الشيخ كان ذو مكانة في قلوب الناس، ومحبة تجعلهم يوقرونه ويحترمونه ويحبونه.
فيا ترى ما الذي يجعلهم يرتبطون بشيخ حاول مناوئوه أن يصِموه بالتطرف والغلظة، وتعرض لحملات تشويه واستهداف، حتى امتحن بسنة سجنا نافذا؟؟
ما الذي يجعل الناس تبكي عليه؟
ما الذي يجعل الناس تحس بأنه رحمه الله تعالى يمثلهم؟؟
معلوم أن الشيخ عبد الحميد لم تكن له جماعة يرأسها، ولا حزب هو قائده، لم يكن له منصب يجعل من الناس تلتمس جاهه، ولا مال يجعل الخلق يطمعون فيه.
فلماذا كل تلك الحفاوة في حياته، وكل هذه الدموع والأشجان والأسف عند فراقه؟؟
يمكننا أن نلخص الأسباب في ما يلي:
الشيخ أبو النعيم رحمه الله كما وصفه الزميل الصحفي حميد المهداوي عندما قال: “بداخلي أشعر بتقدير كبير له.. لسبب واحد ووحيد هو إيمانه بأفكاره والدفاع المستميت عنها حتى قضى مدة من الحبس بسببها…المهم عاش واقفا ومات واقفا.. المهم لم يتملق لأحد ولا تزلف لجهة ما.. ولا باع ضميره الديني كما باعه كثير من زملائه.”اهـ.
إن ما جعل الناس تُكِنّ التقدير والاحترام والحب للشيخ عبد الحميد هو اتصافه بقيم الإسلام وأخلاق المؤمن وشيم الرجال.
رجل كان متواضعا لله، صادقا في لهجته، مترفعا عن حطام الدنيا، قويا ضد ما يراه باطلا ينتهك شريعة الإسلام ومقومات الهوية.
الشيخ عبد الحميد كان قوي العبارة يقذف بالنقد في وجه كل من ينتهك حرمة الدين وشريعته، كان يتنفس الغيرة على الإسلام، كان مهووسا ببيان الحق.
فكل تلك الجموع التي صاحبت جثمانه إلى مثواه البرزخي، ومِثلُهم أضعافهم ممن لم يحضر أو منع من الحضور، تربطهم بالشيخ وشائج التقدير لمواقفه في الذب عن حياض الدين، وتشدهم إليه أخلاقه العالية التي كان يتحلى بها مع الناس.
قد يبدو الشيخ لمن لا يعرفه أنه فظ غليظ عنيف، وذلك لقوته في الصدع بما يؤمن به، لكن خلف منظر الأسد الهصور، إنسانا رقيق القلب لين الجانب محبا للناس كريم الخلق، لا يحسد ولا يكره ولا يحقد، علاقاته مع زوجاته وبناته وأولاده ملؤها الحب والحنان، يعفو عمن آذاه وأساء إليه، ولا يستمر في خلافاته مع من يعلم حبهم للدين وللإسلام وإن خالفهم الرأي والنظر.
وهذا السبب هو الذي جعل الناس تحبه وتألفه رغم شدته في الحق وقوة كلامه عند المحاضرة.
إن موت الشيخ عبد الحميد وما رافقه من ثناء الناس عليه، واهتمامهم بتشييع جنازته، تتلخص منه دروس كثيرة في زمن الخوف وعلو الباطل وضعف أصحاب الحق، في زمن التمييع للأخلاق والدين، والتطبيع مع التفاهة والرذيلة واللادين، والتضييع للأمانة والواجب والحقوق.
ومن هذه الدروس نختصر ما يلي:
أولا: على من يريد أن يقود الناس من السياسيين أو العلماء أن يتحلى بالصدق والأمانة والنزاهة، وقول الحق والثبات في الموقف والدفاع عن الهوية والدين، ولو أدى ذلك إلى السجن أو الموت، فالشيخ لم يكن يؤطر الناس في حزب له مناصب أو ميزانيات أو جمعية لها تنظيم وتخطيط وإنما كان يؤطرهم بقيمه وأخلاقه ومواقفه.
ثانيا: مهما عملت مؤسسات التشويه ومشيعو الكذب والافتراءات على إسقاط الرموز فإن ذلك لا يؤثر في قيمتهم وحب الناس لهم، وجنائز العلماء العاملين الصادقين شاهدة على ذلك.
ثالثا: على الدولة والأجهزة أن تعيد النظر في التعامل مع العلماء والدعاة ومن لهم حظوة في نفوس الناس، فتهميشها للمشاهير من الدعاة والعلماء، وعدم الاحتفال بهم أحياء ولا وقت موتهم، يعطي الانطباع عند الناس أن الدولة تحارب الصالحين وتعادي الدين، وهذا من أقبح ما يمكن أن تفرزه سياسة إدارة الدول، فما وقع في جنازة الشيخ وما تداوله الناس من تضييقات أمنية، كله لا يصب في مصلحة بناء علاقة صحية بين الدولة ومواطنيها.
رحمك الله يا شيخ عبد الحميد أبو النعيم وأحلَّك الجنة دار النعيم المقيم، فقد خلفت هذا الواقع البئيس الخسيس واسترحت إن شاء الله تعالى من كل نصب وتعب ووَصَب.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
رحم الله الإمام أحمد حين قال:بيننا وبينكم شهود الأموات
اللهم ارحم شيخنا الفاضل عبد الحميد أبو النعيم رحمة واسعة واغفر له وعافه واعف عنه ووسع مدخله واكرم نزله وبارك و زد في حسناته وتجاوز عن سيئاته واجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النيران وارزقه الفردوس الأعلى من الجنة واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا واخلفه في عقبه خيرا واحفظهم وأكرمهم وأنهم وأصلحهم وجميع المسلمين و المسلمات المؤمنين و المؤمنات يا رب العالمين
لقد عممت يا كاتب المقال حينما طرحت السؤال عن ماهية حب المغاربة لشيخكم. هل قمت بإستثناء غي هدا الشأن. أنا شخصيا لا أحبه و لا أكرهه و ليس بي به شأن.