لماذا يغضب المُلحد من المؤمن بينما لا يُلام المؤمن إن غضب من الإلحاد؟
هوية بريس – احسان الفقيه
لماذا يغضب المُلحد من المؤمن، بينما لا يُلام المؤمن إن غضب من الإلحاد؟
أتفهم جيدا نُفور المؤمن من المُلحد الذي يجتهد في بثّ إلحاده في الناس والترويج له؛ لأن المؤمن يراه -وبعين يقِظة- يعبث بأعمق ما في الوجود:
بتصوّر الإنسان عن خالق الكون،
وبمبادئ الحق والخير والعدل والجمال،
وبالمعنى الذي تنتظم به حياة الإنسان منذ أن وطئت قدمه هذه الأرض..
فغضبُ المؤمن هنا مفهوم؛ إذ يشعر أنّ الآخر يحارب الأساس الذي تقوم عليه حياته وضميره وأخلاقه ومسؤوليته…
لكن الذي لا يُفهم، ولا يجد له العقل العادل تفسيرا: غضب الملحد من المؤمن الجاد، الذي يدعو إلى الإيمان، وإلى الأمانة، وإلى تحمل المسؤولية، وإلى بناء حياة مُنضبطة قابلة للفهم والتوازن والمحاسبة.
فما الذي يُهدد الملحد في وجود المؤمن؟
هل يرى في الفوضى قيمة عُليا يجب أن يصونها؟
هل العدمية عنده مُقدسة إلى ذلك الحد الذي يخشى زوالها؟
هل الصُدف العمياء ثروة معرفية يخاف عليها؟
هل المادة الصمّاء ميراث رُوحي يحرص عليه؟
هل غياب الغاية معنى كوني يجب الدفاع عنه؟
هل اللا معنى مشروع حضاري يخشى انهياره إذا انتشر الإيمان؟
إن كان لا يؤمن بميزان، فلماذا يغضب إذا حمل الآخر ميزانه؟
وإن كان لا يرى اتجاها، فلماذا يخاصم من وجد لنفسه اتجاها؟
وإن كان يؤمن انّ الحياة بلا غاية، فلماذا تضيق روحه بمن وجد غايته؟
المفارقة الأخلاقية هنا صارخة:
المؤمن -مهما اشتد إيمانه- لا يغضب من المُلحد لأنه يهدد مصلحته الدنيوية، بل لأنه يراه يُقوّض نظاما قيميا يرى فيه رحمة للعالمين.
أما غضب الملحد من المؤمن، فلا تفسير منطقي له إلا واحدا من اثنين:
إما انّ الإيمان يوقظ في داخله أسئلة يهرب منها، فيغضب ممن يثيرها..
وإما انّ صورة الإنسان التي يُقدمها الإيمان تفضح هشاشة البناء الوجودي الذي يقف عليه المُلحد!
ولذا قال تولستوي:
“ليس اخطر على الإنسان من فكرة صحيحة لا يريد ان يعترف بها”.
ويقول ديستويفسكي في “الإخوة كارامازوف”:
“من يؤمن بلا شيء، يخاف من كل شيء” !!
فهل يخاف الملحد حقا من فقدان الفوضى؟
أم يخاف من قوة المعنى؟
أم يخاف من الظل الثقيل لسؤال لا مهرب منه:
لماذا نحن هنا؟
ومن الذي وهب هذا الكون هندسته العميقة، ونظامه، وتوازنه، ودهشته؟
المؤمن لا يهدد الملحد، بل يهدد الفراغ الذي يحيط به…
والفراغ دائما هش، يتهشم عند أول نفَس للمعنى.
