لم يثِقْ ولا يثِقُ أحد بالكيان الصهيوني!

01 يونيو 2024 17:07

هوية بريس- محمد زاوي

هناك من يريد اليوم العزف على وتر “خيبة الثقة في إسرائيل”؛ وكأن المغاربة يثقون في الكيان الصهيوني، وكأنهم أعلنوا ثقتهم العمياء في “إسرائيل” وحاضنتها وحاميتها الإمبريالية. والحقيقة أن الذي يجرّد القضية الفلسطينية من واقعها السياسي الملموس، لا يتوانى في تجريد بقية القضايا من واقعها، بما فيها العلاقات بين الدول.

العلاقات بين الدول قائمة على تبادل المصالح، المنطق فيها هو الربح والخسارة ولا شيء غيرهما؛ ليس بين الدول المتباعدة حضاريا وجغرافيا فحسب، بل بين تلك التي هي أقرب لبعضها جيوسياسيا وحضاريا. العلاقة بين الصين وفيتنام نموذج لذلك، كذلك بين السعودية وقطر، أيضا بين إسبانيا والبرتغال؛ وتتعدد الأمثلة على هذا المنحى في العلاقات الدولية، حيث لا لغة إلا لغة المصالح في عقر دار الخليج، وبين “الشيوعيين” أنفسهم، الخ.

ما تنتظره الدولة من “إسرائيل” يعرفه أصحاب القرار، هذا تدبير سياسي خاص بالدولة؛ وعندما نتحدث عن الدولة فإننا نتحدث عن إكراهاتها ورهاناتها ومصالحها الاستراتيجية، والتي ليست بالضرورة اعتراف كيان من عدمه بمغربية الصحراء. صحيح أن الدولة تثمن الاعترافات الغربية بمغربية الصحراء، ليس لأن تحرير الصحراء المغربية بيدها، ولكن لأنها تعكس تحولا جديدا في الواقع السياسي الدولي تراه الدولة في مصلحة قضيتها الوطنية الأولى.

ماذا على الشعب فعله؟ كيف يتعامل المجتمع مع إكراهات الدولة؟ لا أجد أبلغ من تعبير المرجع الشيعي اللبناني مهدي شمس الدين: “للدول إكراهات وللشعوب اختيارات”. وهذا لا يعني التناقض بينهما بالضرورة، بل قد تتحول اختيارات الشعوب إلى رهان دولة تستثمره لمصلحتها، كما قد تتحول إكراهات الدول إلى اختيارات مجتمعية تراعيها الشعوب في نضالها وحركتها. وهذا من جدل “الدولة في المجتمع، والمجتمع في الدولة”.

وإن القيادات الشعبية المجتمعية، التي تقود الشعوب ولا تنجر منقادة معها في شعبوية من غير تحليل؛ هذه القيادات، قبل أن تدين قرارا أو موقفا صادرا عن الدولة، عليها طرح سؤال وجيه مفاده: ما الموقف المغربي الذي جعل نتنياهو يرفع خريطة المغرب مبتورة بالشكل الذي يكرهه ويرفضه المغاربة جميعا؟! هناك عدة فرضيات يمكن إجمالها في أربع:

-موقف عفوي: وهو أمر مستبعد جدا في السياسة التي تعطي للرموز والحركات والسكنات دلالتها الخاصة، فما بالك بخريطة مبتورة لدولة مثل المغرب، بمكانتها وموقعها الوازن ومواقفها الدقيقة من القضية الفلسطينية وغيرها.

-ممارسة الضغط على الدولة: فربما لا ترضي “إسرائيل” الطريقةُ التي يتعامل بها المغرب مع مستجدات العدوان الصهيوني على قطاع غزة، منذ المواقف الأولى و”إجلاء إسرائيل لطاقمها بمكتب الاتصال”، إلى الموقف الأخير من “محرقة رفح”. وربما هناك مطالب “إسرائيلية” أخرى لا نعلمها، وتأبى “إسرائيل” إلا أن تضغط على المغرب بمختلف الوسائل المتاحة للحصول عليها.

-استفزاز الشعب المغربي: وذلك جزاء انتصاره لحقوق الشعب الفلسطيني، وتضامنه المستمر طيلة ثمانية أشهر مع الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة للاحتلال “الإسرائيلي”. وعلى الأرجح، فقد كان هذا الاستفزاز مقصودا لشعب مُجمِع على التمسك بسيادة دولته على أقاليمها الجنوبية.

-وجود تناقض “إسرائيلي”: وذلك لأن طرفا رجعيا داخل الكيان الصهيوني، وهو اليمين المتطرف المسيطر حاليا على القرار السياسي، لا يخدمه السلام في الوطن العربي، بل يراه بداية لنهاية “إسرائيل”. مهمة هذا الطرف وسياسته عرقلة هذا المسار والعودة إلى نقطة الصفر استعدادا لحرب نهائية، يتحارب فيها الكل ضد الكل، من أجل تشييد “إسرائيل الكبرى”.

تعرف الدولة المغربية هذا التعقيد أكثر من غيرها، بحسب ما يتوفر لديها من معطيات لا تتوفر للمحلل السياسي “المستقل”؛ ولذلك فقد قررت “استئناف علاقاتها بإسرائيل” على مراحل، وخطوة بخطوة. ورغم هذا المستجد، حافظت على علاقتها بالقضية الفلسطينية عبر خطين:

-خط رسمي؛ من خلال رئاسة لجنة القدس، وطمأنة السلطة الفلسطينية، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني واستنكار العدوان عليه كلما اقتضى الأمر ذلك، الخ.

-وخط شعبي؛ من خلال استقبال رئيس خركة “حماس” إسماعيل هنية والوفد المرافق له، والسماح بالمبادرات والوقفات والمسيرات الشعبية الداعمة للشعب الفلسطيني ومقاومته.

لا أحد وثق بالكيان الصهيوني؛ بل نثق بالدولة المغربية وقيادتها السامية، وولاؤنا لهذه الدولة. بخدمتها وخدمة الشعب المغربي نعيش، أما “الكيان” ف”عابر في زمن عابر” كما يقول محمود درويش، تدبير عبوره جزء من السياسة، وفيه سياسات لا سياسة واحدة. الدولة تدبر المخاطر، والشعب يحمي ويحصِّن المجتمع، حفظا لمجتمع الدولة وإبقاء لأمر ونهي الدولة في الناس. لا سلطة للدولة على مجتمع مخترَق، وهذا ما تعرفه الدولة جيدا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M