لنساهم جميعا في مكافحة الفساد

لنساهم جميعا في مكافحة الفساد
هوية بريس – اسماعيل الحلوتي
مما لا جدال فيه أن الفساد ظاهرة مقلقة ومؤرقة وهي مصدر كل الشرور في المجتمع، باعتبارها العدو الأكبر للتنمية، حيث يأتي الفساد على عدة أشكال سواء عبر الاستخدام السيء للسلطة أو بواسطة ممارسات أخرى لتحقيق أغراض ومكاسب ذاتية والحصول على امتيازات دون موجب حق. إذ يمكن أن يتم في صورة رشوة مثل تلقي مبالغ مالية مقابل تقديم خدمات ومنافع غير مشروعة للآخرين، أو عن طريق اختلاس أو تبديد أموال عامة أو الاستيلاء على ممتلكات الدولة، فضلا عن الغش والمحسوبية، مما يؤدي حتما إلى تدهور الاقتصاد وضعف الخدمات الاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغيرها…
وبالنظر إلى ما لظاهرة الفساد من خطورة على الأفراد والمجتمع، فإن العاهل المغربي محمد السادس لم يفتأ منذ توليه الحكم ينبه إليها في عديد المناسبات، إذ قال يوم 30 يوليوز 2016 بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش: “وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد، لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات، ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أكثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القانون. فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين. والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة”
فالأمم المتحدة نفسها سبق لها أن اعتمدت في 31 أكتوبر 2003، من خلال الجمعية العامة اتفاقية لمكافحة الفساد، حيث أنها دعت الأمين العام إلى تكليف مكتبها المعني بالمخدرات والجريمة بتولي مهام أمانة مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية، بعد أن اختارت التاسع دجنبر من كل سنة يوما عالميا لمكافحة هذه الآفة، وذلك قصد إشاعة الوعي بين شعوب العالم حول الفساد وآثاره الوخيمة، وعن أهمية الدور المركزي الذي ينبغي للاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في دجنبر 2005، أن تلعبه في محاربته بقوة…
لذلك، ووعيا منه بما يمثله الفساد بمختلف أنواعه من الرشوة إلى الاختلاس، من كلفة مالية باهظة ترهق ميزانية الدولة وتحول دون جلب الاستثمار، حسب ما تتضمنه التقارير الرسمية لعدة مؤسسات وطنية، فإن المغرب لم ينفك يبذل قصارى جهوده في مواجهة تحديات هذه الآفة التي تؤثر على التنمية وجودة الخدمات العمومية. واستطاع خلال السنوات العشر الأخيرة أن يضع منظومة قانونية ومؤسساتية، شملت تعزيز صلاحيات الهيئة الوطنية للنزاهة وتبني اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
فما كان من المغرب إلا أن يسارع إلى جعل اليوم العالمي لمكافحة الفساد، مناسبة لإعادة تقييم الإنجازات ورصد مكامن الخلل والقصور، معتمدا في ذلك على الشفافية، الحكامة الجيدة، الإرادة السياسية والقضاء المستقل، كما أنه لم يتردد في اتخاذ عدة إجراءات في الموضوع، لكنها تظل غير كافية ما لم ينخرط الجميع في تطويق الظاهرة ومحاولة القضاء على مختلف مظاهرها، ونجد من بين هذه الإجراءات: التصريح بالممتلكات، تقوية أدوار المؤسسات الرقابية وفي مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات، تحديث القوانين الجنائية، والحرص الشديد على تطبيقها دون انتقائية وحماية الشهود والمبلغين عن قضايا الفساد.
ترى إلى أي حد استطاع المغرب التصدي للفساد والحد من آثاره؟ للأسف أن هذه الآفة لم تلبث أن تحولت في ظل غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة إلى سرطان ينخر مجتمعنا، وفق ما تشير إليه الصحف والتقارير الرسمية، فقد كشف تقرير صادر عن أقسام الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف برسم سنة 2024 بكل من مدن الدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش، عن أزيد من أربعمائة قرار قضائي يتعلق بقضايا فساد مالي، ويعكس حجم التحدي الذي يواجه القضاء في مجال مكافحة الفساد المالي، ودوره الهام في تعزيز الشفافية والنزاهة الإدارية، والتصدي بقوة القانون لكل أشكال التعدي على المال العام.
وليس هذا فقط، إذ أشارت عدة صحف خلال الشهور الأخيرة إلى صدور قرارات المنع من مغادرة التراب الوطني في حق عديد المنتخبين، ومتابعات قضائية همت أزيد من 40 برلمانيا منهم رؤساء جماعات ونواب ومستشارين من أحزاب الأغلبية والمعارضة وغيرهم من المسؤولين المحليين، وذلك بتهم الفساد والتلاعب في الصفقات العمومية، تبديد أموال عامة، الارتشاء والابتزاز، الاختلاس وتزوير وثائق وغيره، حوكم بعضهم وتجري تحقيقات مع البعض الآخر، حيث سيكمل أغلبهم ولايتهم التشريعية في السجون، بينما ينتظر آخرون ساعة الحسم في ملفاتهم…
إن المعركة ضد الفساد أكبر وأخطر مما يمكن أن نتصور، غير أن بلادنا تستطيع تحت القيادة الحكيمة لعاهلها المفدى محمد السادس الخروج منها منتصرة، إذ يكفي فقط الالتزام بتعليماته السامية وتضافر جهود الجميع: الأسرة والمدرسة ومختلف وسائل الإعلام الوطنية، إلى جانب توفر الإرادة السياسية الحقيقية، باعتبارها معركة الدولة بجميع مؤسساتها والمجتمع بكافة مكوناته.
ولا تفوتنا هنا فرصة الإشادة بمصادقة مجلس النواب على مشاريع قوانين، تهدف إلى تخليق المؤسسة التشريعية، باعتماد مقتضيات تمنع المفسدين والمشبوهين من الترشح للانتخابات القادمة، وهي خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، ومن شأنها الإسهام في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، تعكس إرادة الناخبين وتفرز أشخاصا أكفاء، وقادرين على الاضطلاع بمهامهم بحس وطني صادق وروح المسؤولية.



