لن تبلغ الأمة إلا بشرط “الأسوة المخصوصة”
هوية بريس – د.ميمون نكاز
“العلم” “وراثة”، أصوله الأثرية ثلاثة: “القول” و”الفعل” و”الحركة”، وإن شئت فقل: “العلم” و”القدوة” و”الموقف”، يجمعها أصل كلي هو “الأُسْوة”، كما تشترك مفردة أو مجموعة في معنى “البيان”، إذ يحصل البيان من أهل العلم بالقول والفعل والموقف بشرط “الكفاية” في كل واحد منها أو في مجموعها، فبها تتعاقب “آثار أهل العلم في الأمة”، وباجتماعها في “العالِم الوارث” يكتمل أثره، وبأقدار انتقاصه منها ينقص قدره، و”أسوة أهل العلم” من “أسوة النبوة”، والوحي الشريف إنما حدثنا عن أسوة النبوة الحسنة في سياق نازلة الأحزاب من سورة الأحزاب…
حضور النبي صلى الله عليه وسلم في عمق النازلة قائدا لأمته في تحدي الأحزاب، هو مناط الاقتداء والتأسي، كما هو ظاهر من سياق آيات سورة الأحزاب، لا كما يرهقنا بعض “شَغَبَةِ العلم” من الاستشهاد بها في مفردات الاستنان وفي منازعات الفقهاء في جزئيات العبادات والأفعال والأخلاق…
كَأَنِّي بالوحي الشريف يريد أن يقول لأهل العلم: إنما “أسوةُ العلم” في “الحركة الميدانية” وفي “حضور النوازل الفعلية العامة للأمة”، وفي “المواقف المشهودة” فيها، لا في كثرة القيل والقال… لذلك كان للأسوة النبوية -أقصد الموقف الحضوري في غزوة الأحزاب- أثر في موقف المؤمنين من تحدي الأحزاب: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیراً، وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُوا۟ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّاۤ إِیمَـٰنا وَتَسۡلِیما﴾ [الأحزاب 21-22]…
ذلك هو أثر العلم الحقيقي في الأمة، أما ما دونه فهو دونه، لن يبلغ بالأمة ما بلغت به من قبل في وجودها الحضاري، إننا -حتى لا يشاغب مشاغب- لا ننكر نفعه ولا أثره ولا ضرورته في ما دون هذا المقام في مطالب التأسي المختلفة، ولكنا نزعم أنه من دون المواقف المشهودة الحية- به لن تبلغ به الأمة…