لهذه الأسباب أنا معجب بشخصية السيد بنكيران
شريف السليماني
هوية بريس – الجمعة 22 يناير 2016
هذه المقالة ليست تقييما لحكومة السيد بنكيران ولا حكما عيها بالسلب أو بالإيجاب، وإنما هي محاولة للوقوف على بعض عناصر القوة ومقومات النجاح لدى شخصية رئيس الحكومة في جانبها السياسي كما أراها، بناء على استقراء خطاباته واستحضار مواقفه لأنني لا أعرف الرجل عن قرب ولا أنتمي كذلك لحزبه! ولعل البعض يتساءل عن الدافع وراء كتابة هذه المقالة فأقول: لقد لاحظت في الآونة الأخيرة شراسة وحدة بل وتجاوزا في التهجم على شخص السيد بنكيران وتبخيسه حقه. ومن العدل والحكمة في ظل مثل هذه الظروف أن لا ننسى مناقب الرجل. ومع أنني لا أسكن في المغرب منذ ثمانية عشر عاما، إلا أن المغرب لا زال يسكنني! وإذا كان البعض يعاني مسا وتلبسا من الجن، فقد يكون تلبّس بي وطني! وتلبّست بي همومه وقضاياه.
فمن منطلق حبي للوطن وغيرتي عليه وعلى الرجال الذين يسوسونه ويخدمونه أقول: تختلف وتكاد تتناقض مواقف الناس من الشخصيات العامة حسب خلفيات هؤلاء الناس السياسية والإيديولوجية وحسب الزوايا التي يقيّمون من خلالها هذه الشخصيات. وتفتقد هذه المواقف في الغالب إلى العدل والتجرد. لأن معظم الناس مع الأسف يبنون مواقفهم على مبدإ “من وافقني قدّيس ومن خالفني إبليس!”.
فبعيدا عن المغالاة والإجحاف أرى أن من عناصر القوة ومقومات النجاح لدى شخص السيد عبد الإله بنكيران ما يلي:
أولا: الصدق، فالرجل لا يقول إلا ما يؤمن به وما يعتقده
وهذا لا يعني بالضرورة أن نتفق معه على أن ما يعتقده هو الصواب. لكن من خلال ثقته في نفسه أثناء حديثه، ومن خلال نبرة صوته وملامح وجهه كذلك، يترك الرجل انطباعا لدى من يستمع إليه (بتجرد ودون خلفية) أنه فعلا يقول ما يؤمنه به ويعتقده. نعم، إن طريقة الكلام قد تنبئ عن مكنون طوية المتكلم. وإذا كان المنافقون يعرفون بلحن القول كما بين القرآن، فإن الصادقين يعرفون أيضا بطريقة كلامهم. وقد استطاع السيد بنكيران فعلا أن يترك انطباعا لدى الكثير من المغاربة على أنه صادق اللسان والنية.
ثانيا: الجرأة والشجاعة في قول ما يراه وما يؤمن به
قد يكون الإنسان صادقا ولا يقول إلا ما يعتقده، لكنه تفاديا لردود الأفعال أو لظروف واعتبارات ما، لا يقول كل هذا الذي يؤمن به. أما السيد بنكيران فإنه يقول ما يراه حقا ولا يبالي في الغالب بردات الأفعال! فحينما سئل مرة عن علاقته بالقصر وما إن كان فعلا يتنازل عن صلاحياته للملك قال: “أنا لم آت لأتصارع مع الملك، وإذا أرد المغاربة رئيس حكومة يتصارع على السلطة مع الملك فليبحثوا عن شخص غيري. أنا أتيت لأتعاون معه على خدمة البلد”! وقال مرة أخرى في لقاء صحفي:” إن الملك هو المسؤول الأول والحاكم الفعلي للبلاد” وفي لقائه الأخير أمام مجلس المستشارين وفي معرض حديثه عن مشكل الطلبة الأساتذة قال:” أنا لم آت لأرضي الناس، أنا أفعل ما أرى أن فيه مصلحة البلاد، وإن أدى ذلك إلى سقوط الحكومة والحزب”! وأمثال هذه الألفاظ والعبارات كثيرة في تصريحات وخطابات السيد بنكيران، مما يدل على أن الرجل يتمتع بقدر كبير من القوة والجرأة تجعله لا يلتفت كثيرا إلى ردات الافعال.
ثالثا: القدرة على اتخاذ القرارات وإن كانت صعبة “غير شعبية”
السيد بنكيران لا يمتلك الجرأة على قول ما يؤمن به فحسب، وإنما يمتلك الجرأة والقوة أيضا في فعل ذلك! ولعلنا نتذكر جميعا السخط الذي أثاره قرار الزيادة في المحروقات، والسخط الذي أثاره تدخل قوات الأمن مؤخرا لفض اعتصامات الطلبة الاساتذة ورفع سن التقاعد وإصلاح صندوق المقاصّة وغيرهما من القرارات والتدابير التي توصف بكونها غير شعبية، ومن شأنها أن تخلف سخطا عارما لدى فئات كثيرة من الشعب، ومع ذلك اتخذها السيد بنكيران وأعلن تحمل مسؤوليته كاملة فيها ولم يتهرب أو يلق المسؤولية على جهة أخرى!
رابعا: احترامه لقيم العمل المشترك مما يوفر جوا من الراحة لمن يشتغل معه
ويتمثل ذلك في كيفية تعامل السيد بنكيران مع شركائه في الحزب من جهة، ومع شركائه في الحكومة من جهة أخرى. فالذي ينظر في حال الأحزاب السياسية المغربية وفي حال رؤسائها، يجد أنها كلها أصابتها حمّى الخلافات بل والانشقاقات. وكل أو معظم رؤساء هذه الأحزاب لهم خصوم وأعداء من داخل أحزابهم يشككون في شرعيتهم وأهليتهم. مما قد يهدد وحدة ومستقبل هذه الأحزاب! أما السيد بنكيران فإلى حد الآن لم ينشق عنه مجموعة ولا فرد من قيادات حزبه. كما لم يشكك أحد منهم في شرعيته ولا أهليته. وبالتالي لا يزال الرجل يحظى بثقة كل قيادات الحزب ويمسك بخيوطه. طبعا، لا شك أن لقيم الحزب ومبادئه دورا في ذلك. لكن الفضل يعود بالدرجة الأولى إلى قيادات الحزب وعلى رأسها بنكيران، باعتباره رئيس الحزب الذي استطاع الحفاظ على وحدته وحمايته مما أصاب غيره من الأحزاب.
أما من جهة وفائه لقيم التحالف مع شركائه في الحكومة، فقد ظهر ذلك جليا في موقفه المساند للحسين الوردي إثر أزمته مع الطلبة الأطباء، وظهر نفس الأمر مؤخرا في مساندته لوزير الداخلية في تدخله لفض اعتصامات وتظاهرات الطلبة الاساتذة رغم أنه لم يخبر من قبل بتفاصيل التدخل. ورغم الضجة التي أثارها هذا التدخل ولا زال، فإن بنكيران لم يتخل عن وزير الداخلية في حكومته ولم يفضل مصلحة الحزب على مصلحة التحالف الحكومي. وقد اتضح حرص بنكيران أيضا على الوفاء لقيم التحالفات في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، حيث قدم حزبه الكثير من التنازلات لحساب حلفائه الذين لم يف بعضهم لهذه القيم! ويكفي لتأكيد ما أقول أننا لم نسمع وزيرا في الحكومة التي يرأسها بنكيران يشتكي مثلا من سوء إدارة بنكيران للحكومة أو من طريقة تعامله مع الوزراء رغم خلافات الفريق الحكومي الإيديولوجية والسياسية، ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها الحكومة ولا تزال. قد يقول البعض إن مغادرة وزراء حزب الاستقلال دليل على فشل عبد الإله بنكيران في إدارة حكومته، لكن قبل أن يستنتج أحد هذا الاستنتاج عليه أن يسأل السيد محمد الوفا الوزير الاستقلالي السابق لماذا لم يغادر الحكومة؟
خامسا: القدرة الخارقة على الخطابة وفن الإقناع
قد تخون السيد بنكيران الألفاظ والعبارات في بعض الأحيان، نظرا لطبيعته العفوية والأسلوب الهزلي الذي يغلب عليه والذي قد يضعه في مواقف صعبة إلى حد ما. لكن الرجل ورغم هذا كله، يوصل من خلال خطاباته “كل” الرسائل التي يريد أن يوصلها وإلى “جميع” الاطراف بالمباشر وغير المباشر! بل لاحظت أن الرجل وأثناء خطاباته يجيب على كل الأسئلة والاستفسارات والاعتراضات التي طرحت وحتى التي قد تدور في خلد المستمع! وحينما أستمع إليه وهو يخطب يذكرني بأسلوب الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله في الكتابة (ولعله قرأ له كثيرا)، حيث كان كلما كتب أخذ بالاعتبار كل الاعتراضات التي قد يبديها القارئ أو المخالف على ما يكتبه. لذلك يكثر في كتبه رحمه الله” فإن قيل…أقول…” هكذا يفعل بنكيران في خطاباتها، فبقدر ما يحاول تبرير وتصويب موقفه، يحاول كذلك أن يبين خطأ معارضيه، والرد على كل الاعتراضات والمواقف المخالفة. وبهذا الأسلوب يلامس خطابه عقول الناس بعد ما لامس قلوبهم باطمئنانهم إلى صدقه!
سادسا: الذكاء وسرعة البديهة في الرد
قد يستطيع أي سياسي حضّر نفسه بشكل جيد أن يلقي خطابا رائعا مقنعا، خاصة وأن معظم الساسة يستشيرون أهل التخصص في هذا الفن، بل ربما كتبت لهم الخطابات من ألفها إلى يائها. وبالتالي فلا تستطيع الحكم على قدرة السياسي الخطابية من خلال خطابه المعدّ سلفا! لكن عندما تطرح أسئلة آنية مباشرة، أو عندما تحدث مواقف مفاجئة تستدعي من السياسي ردا ارتجاليا، فثمت تظهر حقيقة إمكاناته الخطابية. وهذا أيضا ما يتميز به بنكيران. إلى درجة أن الكثير من المغاربة يتابعون تدخلاته فقط من أجل الاستمتاع بتلك الردود المقتضبة السريعة والذكية التي يتميز بها والتي تدل على ذكائه وسرعة بديهته، من أمثال :” اللي فيه الفز تيقفز” “راها مقلوبة عندك” “اللي تيرباح شحال من مليون بالسيف يضحك على ألف درهم” “واش حقرتيني”….
سابعا: نظافة اليد
من الطبيعي أن لا يرضى كل المغاربة على بنكيران ولا على طريقة عمله، ومن الطبيعي أن يتهمه البعض بشتى التهم. فهو ليس بدعا من السياسيين ولا بد أن يطاله ما يطالهم. لكن، من الملاحظ أن كل التهم التي توجه إلى السيد بنكيران ومع كثرتها، لم أسمع ولم أقرأ عن تهمة واحدة تمس أمانته ولا نزاهته! فمع كثرة الخصوم ونبشهم في ماضي الرجل وحاضره ووضع كل تصرفاته تحت المجهر ابتغاء الوقوف على زلة من زلاته، لم يستطع أحد أن يوجه للسيد بنكيران تهمة نهب أو رشوة أو اختلاس، فما بالك أن يثبتها في حقه! وذلك ببساطة لأنه لا أحد من المغاربة سيصدق ذلك، أعني التشكيك في نزاهة ونظافة الرجل!
كانت هذه بعض من عناصر القوة ومقومات النجاح لدى شخصية السيد بنكيران، ولا شك أن للرجل مقومات ومهارات أخرى لا يتسع المجال لذكرها. كما أن له أيضا نقط ضعف كغيره من رجال السياسة. لكن لا أرى أن أحدا غيره من رؤساء الأحزاب في الوقت الراهن اجتمعت فيه عناصر القوة هذه كما اجتمعت في رئيس الحكمة الحالي! فهل يستطيع أي اسم من الأسماء المحتملة والمعروفة على الساحة إذا تولى رئاسة الحكمة أن ينجح فيما فشل أو قد يفشل فيه بنكيران؟ لكم واسع النظر…
نحسبه كذلك والله حسيبه. بارك الله فيكم على هذه المقالة الرائعة والمصادقة والتي يستشف منها الرغبة في مصلحة الوطن.