لو كان “السرطان” رجلا لقتلته
هوية بريس – سعيد الغماز
المرض هو جزء من حياة البشر. فكما تقوم الحياة على ثنائية الخير والشر، الملائكة والشياطين…تتوزع صحة الإنسان هي الأخرى بين الصحة والمرض، بين الشعور بالراحة الجسدية وعناء العِلَل والآلام. يمرض الإنسان ويتناول الدواء ليتعافى ويعود للحياة من جديد. قد يحتاج الجسد لفترة نقاهة في حالة إجراء عملية جراحية، لكنها فترة قصيرة من الألم وتعود الحياة للجسد… لكن مرض السرطان حين يتحكم في الجسد ويتسيد الأعضاء، فإن الإنسان يدخل في نفق آخر عنوانه الألم والتألم دون معرفة طول النفق ولا إلى أين يؤدي، إلى مزيد من الألم، أم إلى النهاية المحتومة على جميع البشر.
مرض السرطان يوصف بالمرض الخبيث، وهو أكثر من خبيث بل هو الخبث بعينه. ومن دخل نفق السرطان نقول عنه إنه يصارع المرض، ومن قضى بسبب السرطان ننعيه بمقولة “بعد صراع مرير مع المرض”. قد نسمع كل هذه التعابير التي تحاول تقريبنا من مأساة اسمها “السرطان”، لكننا لن، ولن نعرف حجم مأساتها إلا حينما يدخل نفق مرض السرطان قريب من العائلة أو عزيز على القلب.
السرطان ليس مرضا، وإنما هو نفق تسكنه كل معاني الخبث لأنه يزرع الألم في جسد المريض، ويزرع الرعب في أقاربه ومحبيه. وإذا كان المريض من الأخيار الطيبين، الذين لا يكاد ينقضي ثناء المعارف ومديح الأصدقاء في شخص جمع الخير كله ولا يعرف للشر ولا للخلاف طريقا… فإن الأقارب تختلط في ذهنهم الأفكار، وتتناسل في مخيلتهم الكثير من الأسئلة: كيف يكون مصير الطيبوبة والخلق الحميد هذا الكم من الألم؟ الموت مصير حتمي لا يميز بين الأفراد…لكن، ألا تستحق الطيبوبة وحسن الخلق ميتة طيبة بدون ألم؟
السرطان ليس مرضا، لأنه يُلغي كل شيء في ذات البشر، ويتحكم في كل صغيرة وكبيرة ليجعل الألم يسري في الجسد كسيران الدم في العروق. وحين يتحكم في الجسد فإنه لا يرحم، وكأنه كائن همجي شرس مفترس، لا يراعي لضحيته لا طيبوبتها ولا سمو أخلاقها ولا إجماع الناس حول حبها وتقديرها لها…نعم، حين يتحكم السرطان في الجسد، فإنه يسلب منك كل شيء…يسلب قدرتك على شرب الماء فتصبح عاجزا عن امتصاص جرعة ماء الحياة…يسلب منك قدرتك على الأكل فتكتفي بالمشروبات السائلة إن سمح لك الكائن المفترس ببعض الجرعات…يأكل المرض من لحمك ليتركك هيكلا عظميا على قيد الحياة، فيصير الأطباء في حيرة من أمرهم لأن جسدك صار غير قادر على تحمل الدواء. فالحبوب يرفضها الجسد لأن المعدة أصبحت لا تتحملها، والإِبَر أصبحت مستعصية لأن العروق سيطر عليها المرض وأصبحت غير قادرة على الاشتغال، وإجراء الفحوصات عن طريق الراديو أو السكانير أو الراديوثيغابي…كلها فحوصات يمنعها عنك المرض الخبيث لكي لا تعرف حجم الدمار الذي قام به في جسدك العليل. بل أكثر من ذلك، يصل خبث المرض إلى سلب حريتك في الحركة بل وحتى قدرتك على الوقوف أو المشي…يسلب منك كل شيء جميل في الحياة…إنه فعلا كائن همجي شرس ومفترس.
السرطان مرض خبيث، لا يُراعي لا للطيِّب ولا للصديق. حين يُصيب أعز الناس على قلبك، فإنك تدخل في نفق الآلام والمعاناة، وتتمنى لو كان المرض رجلا فتتمكن من قتله، لشدة خبثه وشراسة افتراسه وحبه في نشر الألم والمعاناة. لكننا نحمد الله على نعمة الإيمان التي تجعل من الألم والصبر عليه، زيادة في الأجر والحسنات، وتُقوي فينا القدرة على التحمل والنظر للحياة بتفاؤل المؤمن بأن الدار الآخرة هي دار البقاء… وما الحياة الدنيا إلا فترة عبور نحو الآخرة.
أصاب السرطان عزيزا على قلبي، فأدركتُ حجم المعاناة التي يتسبب فيها المرض الخبيث، فكانت هذه الخواطر على شكل مقال، قد تكون مواساتا لمن يعاني هو الآخر من إصابة عزيز عليه، احتل السرطان جسده فتسبب في آلام المريض ومعاناة الأقرباء.
فاللهم ارزقنا القوة اللازمة لمواجهة نفق المرض الخبيث، واستر عاقبة الجميع.