ليس أولئك من حفظة القرآن ولا من طلبته إنما هؤلاء هم..
هوية بريس – محمد بوقنطار
تصوّر أنك جالس مع أبنائك وزوجك في مطعم راقٍ، يرفل جميعكم في ثوب الصحة والسلامة، وحسن المظهر، وبهاء الطلعة، ثم فجأة يقف على رأسك ثلاثة فتية رابعهم كيسهم يحمله أكبرهم سنًّا وأشدهم عودا على ظهره، يلبسون أسمالا قد رسم على ثوبها ـ الأبيض الأصل البني الاستثناء ـ الدرن لوحات سريالية تحسبها لأول وهلة أشباحا مُقرفة الخيالات، تعلو وجوهم الغبرة والقترة، قد بدل وغيّر استجداء الناس الحسن الطبيعي فيهم إلى قُبح وذمامة، يتأبطون ألواحا في دلالة رامزة إلى أنّهم من طلبة القرآن الكريم، تكاد تقسم بالله أن الذي اختارهم لتمثيل هذا دور هو مخرج سينمائي محترف، يمدّون أيديهم يتسوّلون الناس ولا يسألونهم إلحافا لغاية في نفس يعقوبهم…
يا الله أي جرعة مدخونة حُقنت بها أيّها الغافل المسكين، وأي نظرة أخذتها على حين غرة، وتسلّلت إلى عمقك لواذا عن حملة كتاب الله الأطهار، الأبرار، الأكارم، الفضلاء، الأشراف، أهل الله وخاصته؟؟؟
أتراك بعدها ما دمت حيًّا تسمح في طيب رغبة أن تلحق أبناءك وبناتك بكتاب الحي ليلبسوك تاج الوقار يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟؟؟
لقد شاء الله لي في دائرة الفضل والاصطفاء أن حظيت بامتياز نعماء حضور الحفل الختامي لكتاب “فاطمة بنت عبد الكريم” رحمها الله وتقبل من ابنها البار الصالح وقفه وصدقته الجارية بالعلم النافع، فرأيت ما يرد البصر، ويغمر الفؤاد في نشوة من السعادة الحقيقية، الطافحة بمعاني الحياة الطيبة، رأيت ركنا ركينا من صورة المغرب الحقيقي في مدينة سلا الجديدة العامرة بأهلها الطيبين المباركين، مغرب الحفاظ، وثغر العلم والمعرفة ومملكة الجهاد بالسيف والكلمة، رأيت جيلا يمثل أمل الأمة، رأيت زرعا قد استوى على سوق النضج، رأيت البهاء والجلاء يعلو وجوه هذه الثلة الخيّرة، رأيت بريقا يلمع من عيون لطالما أجهدها السهر، ورفعت قدر هممها العالية مكرهة مكابدة المتشابه اللفظي من كتاب رب الأرباب، رأيت هيبة ووقارا في صغير لم يجاوز الثامنة من عمره قد ختم القرآن وهو ابن سبع ونيف شهر، رأيت طاقات ذهنية قد جمع الله لها مع القرآن التفوّق المادي والتميّز المعرفي والعلم الدنيوي، لقد كان المتخرجون عشرين نفرا، قد أحصيتهم الواحد تلو الآخر يدفعني للعدِّ الفضول والشغف ونهم التفرس، ثم طفقت سائلا متأكدًّا من عددهم وعدّتهم شيخهم “حسن بنكرين” حفظه الله وتقبل منه، فأخبرني أن من أولئك العشرين إماما راتبا، وحلوانيا، وسبعة مهندسين، وطبيبا قد ناب عنه السيد الوالد، ومحاسبين، وطالبًا في الأقسام التحضيرية، وطلبة في مدارس عليا للمعلوميات…
فأين هؤلاء الأخيار الأكابر من أولئك الأتراب الأصاغر الذين أرادوا بقصد أو بغيره، وارتضوا عن عمد وعن سواه إرسال رسائل بصرية تحيل على التأسيس لقاعدة أن التديّن والالتزام وحفظ القرآن والحديث الشريف هي مرادفات للتسفل في أدنى الدركات على سلم الرخاء المغشوش، كما أنّها وسائل متى ما تدثرت بثوبها فستسافر بك على بريد السرعة إلى حيث الفقر المدقع، والعوز المفجع، والعيش عالة على الآخرين، والركون إلى الذيل والتخلف عن المقدمة والنزول من مقصورة القيادة والريادة، التي لها ناسها وأهلها من الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
فَشَكَر الله لكم جميعا وأشتاتا جميل الصنيع، وأصيل البديع، وتقبّل الله منكم أيّها القائمون على هذا الثغر العظيم، فقد ربح البيع الذي اشتراه منكم السميع العليم، وجنبنا الله وإياكم كيد الكائدين ومكر الماكرين وصيد المتربصين.