مآسي حوادث المرور بالمغرب
هوية بريس – الصادق بنعلال
شهدت عطلة الصيف الحالية رواجا استثنائيا مقارنة بمثيلاتها السابقة، على مستوى الحركة الاقتصادية والعملية التجارية، خاصة في المدن والقرى ذات الجاذبية السياحية الجبلية والساحلية في ربوع مملكتنا العزيزة. ومعلوم أن المغرب عرف طفرة إيجابية في مجال البنيات التحتية الأساسية، مثل الطرق السيارة والفنادق والمطاعم وفضاءات الاستجمام والترفيه، وباقي المرافق العمومية التي شجعت بشكل جلي السياحة بشقيها الخارجي والداخلي، مما جعل من بلدنا قبلة مفضلة بالنسبة للجميع، للاستمتاع بلحظات مليئة بالسعادة والحبور بين سفوح الجبال الشاهقة والمآثر التاريخية الرفيعة، وسواحل الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي الفاتنة برمالها الذهبية ومياهها الزرقاء الهادئة.
غير أن نقطة سوداء كادت تقضي على هذه الصورة البديعة، تمثلت في كثرة حوادث السير التي أودت بحياة أفراد وأسر بكاملها، والغريب أن جل هذه الحوادث المأساوية وقعت في شوارع شاسعة ومعبدة بشكل ممتاز، الشيء الذي يعني أن المشجب الذي كنا نعلق عليه هذه الخسائر والكوارث المرورية، المتمثل في رداءة الطرق وضيقها، وامتلائها بالحفر وما إلى ذلك، لم يعد مقنعا بالمرة، وأن السبب الحقيقي وراء الدماء التي تسيل في شوارعنا بشكل متواصل، يعود بالدرجة الأولى إلى الإنسان نفسه، الذي يفتقد إلى الشعور بالمسؤولية والوازع الأخلاقي الضروري. صحيح لقد اجتهدت مؤسسات الدولة المعنية بنظام السياقة المهنية في اجتراح حلول متقدمة، لكن للأسف مازلنا ندور في الحلقة المفرغة دون نجاح يذكر.
السياقة ليست مجرد قيادة مركبة بشكل مزاجي موغل في الفردانية، إنها مسؤولية مشتركة وضمير حي منفتح، إنها ثقافة اجتماعية تقوم على التسامح والتنازل الإيجابي والتعاون، كما أنها فن يقوم على احترام قانون السير بحذافيره والمراقبة التقنية الدورية للمركبات، والإيمان بأن وسائل المواصلات أدوات للتنقل السلمي الآمن من مكان إلى آخر، وليست آلات للقتل والدمار وزرع المآسي التي تكلفنا غاليا. إن الحصول على رخصة سياقة يفترض ألا تقتصر على اجتياز “اختبار” نظري وتطبيقي جزئي، بل هو في أمس الحاجة إلى اختبارات من نوع بالغ الأهمية والأولوية، أقلها اختبار القدرات الذهنية والنفسية والاجتماعية، فقد نعثر على سائق يشكو ضروبا من المعاناة والعجز في القدرة على التمكن من أحواله الذاتية الخاصة.. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة المراقبة والمساءلة القانونية المتشددة والعادلة، وسن مواد رادعة لمستهلكي الكحول وكل أنواع المخدرات، والانشغال الأرعن بالهاتف والسياقة الاستعراضية المفرطة في السرعة، المعرقلة لعملية المرور بكيفية سلسة لينة. إن حوادث السير تؤثر على حياة المواطن المغربي بشكل مؤسف ومؤلم، وتعود بالأضرار البالغة على صورة البلد كله، واقتصاده وبعده التنموي الشامل.