مؤسسات الدولة في مواجهة النص القرآني القطعي

16 ديسمبر 2024 00:01

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

انتشر مؤخرا خبر إعلان وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال جلسة بمجلس النواب، أن المغرب سيصوت لأول مرة بالموافقة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام. واعتبر هذا الإعلان خطوة تاريخية في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن هذا القرار يثير جدلا واسعا بين مختلف أطياف المجتمع، خاصة في ظل تعارضه مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تُعد مرجعية دستورية وأساسا أخلاقيا للدولة وللشعب المغربي. فالقانون الجنائي المغربي ينص على عقوبة الإعدام في حالات محددة منها:

– جرائم تمس الأمن العام للدولة مثل الخيانة العظمى، التجسس، ومحاولة تغيير النظام الدستوري، وارتكاب أعمال تهدد استقرار الدولة.

– الجرائم الإرهابية التي تُسبب القتل أو خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

– الجرائم ضد الأفراد كالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

◆ النصوص القطعية وحجيتها

بعض الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام تُعد من باب التعزير، وهو خاضع لاجتهاد السلطة التشريعية وفق الظروف والمصلحة العامة وهذا يمكن تغييره وفق مبدأ العدل والرحمة، إلا أن هناك جرائم أخرى حددتها الشريعة الإسلامية بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، لا تقبل التأويل أو التغيير. ومن أبرزها:

1. القتل العمد:

قال الله تعالى: “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” (سورة النساء:93).

2. جريمة الحرابة (الإفساد في الأرض):

قال الله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ…” (سورة المائدة:33).

فقتل القاتل المتعمد وقاطع السبيل المفسد في الأرض ليس مجرد عقوبة؛ بل وسيلة لتحقيق العدالة وردع الجريمة، وضمان أمن المجتمع واستقراره.

◆ الحق في الحياة بين التقديس والعدالة

يدَّعي بعض المعارضين لعقوبة الإعدام أن الحق في الحياة مقدس ولا يجوز المساس به مهما كانت الجرائم المرتكبة. لكن هذا الطرح يتجاهل أن الجاني نفسه قد سلب الضحية حقها المقدس في الحياة. فكيف يُترك دون جزاء؟

القصاص، في جوهره، ليس مجرد انتقام، بل هو عدالة وقائية. فمن يُدرك أن القتل سيؤدي به إلى عقوبة الإعدام، سيحجم عن ارتكاب الجريمة، مما يحفظ حياة الأبرياء. كما أن تطبيق القصاص يُشفي غليل ذوي الضحية ويعيد إليهم الإحساس بالعدل.

◆ تحديات أمام مؤسسات الدولة

إن مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة إمارة المؤمنين والمجلس العلمي الأعلى، تواجه مسؤولية عظيمة في التوفيق بين الالتزام بالنصوص الشرعية القطعية، التي تُعد جزءا لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، وبين متطلبات الانخراط في النظام الحقوقي العالمي.

لكن أي محاولة لتغيير هذه الأحكام القطعية استجابة للضغوط الدولية يُعد انتقاصا من سيادة النص القرآني وإعراضا عنه، وهو ما يُفضي إلى الإيمان ببعض القرآن والكفر ببعضه الآخر، كما حذَّر الله تعالى في قوله:

(أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡض فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰ⁠لِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡی فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) (سورة البقرة:85).

عقوبة الإعدام ليست مسألة عادية يمكن الحسم فيها عبر القوانين الوضعية وحدها، بل هي قضية جوهرية تتعلق بأصل العدالة الإلهية التي جاءت لتحقيق التوازن في المجتمع. وأي تجاهل لهذا البعد الديني يهدد بنزع الشرعية الأخلاقية والدستورية عن قرارات الدولة ويتسبب في زعزة الأمن الروحي لعموم الشعب المغربي المسلم، ويفتح الباب أمام الفوضى والظلم.

القصاص ليس فقط عدلا للضحية، بل هو نظام وقائي لحماية المجتمع، ينسجم مع تقدير الإسلام لقدسية النفس البشرية، ويحقق الموازنة بين الحقوق والواجبات، دون إفراط أو تفريط؛ “وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰة یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ” (سورة البقرة:179).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M