مادة الفيزياء.. أسباب التفوق في هذه المادة والإشكالات التي تواجه التلاميذ المتعثرين

هوية بريس – مهدي محمد
طيلة خمسة عشر عامًا، وأنا بصفتي أستاذًا للفيزياء والكيمياء أتساءل وأبحث عن أسباب التفوق في هذه المادة وعن الإشكالات التي تواجه التلاميذ المتعثرين.
وبعد سنوات من الملاحظة والتجربة، تبيّن لي أن أغلب الإشكالات في المواد العلمية هي إشكالات لغوية أولًا وبقدر كبير، ثم إشكالات تقنية مرتبطة بالرياضيات.
فالتلميذ القوي لغويًا هو -في الغالب- التلميذ النموذجي الذي يستمتع بالتعلّم ويستمتع معه أساتذته.
—
اللغة تساعدك على التصور.
والتصور هو مربط الفرس.
——
عندما تقول للتلميذ:
تغير الطاقة الحركية لجسم صلب ما بين لحظتين يساوي مجموع أشغال القوى الخارجية المطبقة على هذا الجسم بين هاتين اللحظتين.
هذه المبرهنة جزء من درس واحد فقط، ومع ذلك تأمّل كم عدد المفاهيم التي تحتويها:
1- التغير: تغير مقدار هو الفارق بين قيمته النهائية وقيمته البدئية
2- الطاقة الحركية وهي الطاقة التي يمتلكها كل جسم في حركة. وتتعلق هذه الطاقة بكتلته وبسرعته. وبدون تفصيل أطول حول “مفهوم الطاقة” لأن المنشور سيطول…
3- شغل قوة هو مقدار الطاقة التي تنقلها قوة مطبقة إلى جسم أو تنتزعها منه أثناء تأثيرها عليه عبر إزاحة او دوران.
فهو يقيس الأثر الفعلي للقوة على حركة الجسم.
4- القوة الخارجية هي القوة التي يؤثر بها جسم لا ينتمي للمجموعة المدروسة.
وهناك مفاهيم أخرى تتدخل في التعبيرات الرياضية مثل.
السرعة الخطية والسرعة الزاوية
الكتلة وعزم القصور
عزم قوة وعزم مزدوجة
تغير الأفصول الزاوي
هنا تتجلى أهمية اللغة في توليف هذه المفاهيم وإحداث صور ذهنية متحركة.
أي أن المتعلم ينبغي أن يتصور في ذهنه “أنّ الجسم يتحرك بين موضعين وأثناء حركته يخضع لقوى خارجية تؤثر على حركته. هذه القوى تشتغل إما لمساندته على الحركة فيكون شغلها موجبا أو تعاكسه فيكون شغلها سالبا. ومجموع هذه الاشغال يساوي الفارق بين طاقته في الموضع النهائي وطاقته في الموضع البدئي”.
—
هذا فقط الفهم اللغوي. أما عندما نسقط هذه المبرهنة على وضعية ميكيانيكية محددة ونعوض كل مقدار يتعبيره الرياضي تظهر إشكالات تقنية أخرى:
– هل الحركة تتم بإحتكاك أم بدون إحتكاك.
– تمثيل القوى
– الحساب المثلثي
– الجداء السلمي.
– التناسبية
– الإسقاط
– التحويلات الى الوحدات العالمية
وهذه بدورها تحتاج لغة منضبطة ومهارات رياضية:
—
وهنا يتأكد أن اللغة عامل جوهري في تحصيل المفاهيم العلمية، وأنه يجب أن تكون لغةً يحقق بها المتعلم مع مدرسه أعلى مستويات التواصل؛ يفهمها بمجرد سماعها، ومع ذلك سيواجه صعوبات أخرى.
فكيف إذا كانت لغة التدريس نفسها لغة أجنبية عن المتعلم؟
حينها يضاف إلى الإشكالات السابقة عائق جديد ضخم: كيف سيُحدِث المتعلم التصوّر بلغة لا يتقنها أصلًا؟
ونحن هنا نتحدث فقط عن مبرهنة واحدة في الفيزياء، فكيف بدروس أعقد وأوسع!
—
وزير التعليم قال: كيف للتلميذ أن يفهم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والعلوم وهو لا يفهم الفرنسية.
—
لكن الحل الذي يقترحه -على عكس حلول الدنيا كلها- هو مزيد من الجهود لفرض الفرنسية بدل معالجة الإشكال الحقيقي:
التلميذ لا يفهم الفيزياء لأنه لا يفهم لغته العلمية أولًا، فكيف نطالبه بهضم لغة أجنبية فوق ذلك؟
—
إن اللغة ليست شكلية في التعلم العلمي، بل هي الأداة الأساسية التي تتيح للدماغ أن يبني النماذج الذهنية والتصورات والمفاهيم.
وإذا اختلّ اللسان، اختلّ معه الفهم، مهما كان المدرس عبقريًا والمحتوى علميًا.



