ماذا بعد هولوكوست المستشفى؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
مجزرة تلو مجزرة، ومحرقة تلو محرقة، والأنظمة في كافة الدول الإسلامية عاجزة عن مواجهة العدو الغاصب، ليس لأنها لا قوة لها، ولكن لأنها مرتبطة مصلحيا باللوبيات الصهيونية الدولية، ربطت نفسها معها في قضاياها، سمحت لتلك اللوبيات باختراق بنيات مجتمعاتها، حتى صرنا نسمع قبيل هولوكوست المستشفى في المغرب من يقول “كلنا إسرائيليون” وهو يعلم ألا أحد سيحاسبه.
فماذا ينتظر المسلمون بعد “هولوكوست” المستشفى؟
وما الذي بقي للشعوب أن تفعله إذا كانت الحكومات عاجزة تمام العجز عن مسايرة إرادة الشعوب ورفع المعاناة عنها؟
هل سننتظر من أمريكا مثلا أن تأخذ حقنا من الكيان الذي ظل يفتك ويقتل وينهب طيلة 75 سنة؟
أم سننتظر مجلس أمنهم أن يوقف هذا الخوف الفاتك بقلوب أطفالنا ونسائنا في كل ربوع المعمورة؟
لقد أتممنا 22 سنة من التقتيل والتفجير في شعوبنا سقطت خلالها جيوش الأمة وتغيرت خريطتها السياسية، ولا زلنا نعاني في أغلب الدول من عدم الاستقرار والنهب، وكل ذلك جرى تحت عنوان كبير هو الحرب الدولية على الإرهاب.
فلماذا رغم التكلفة العالية التي دفعناها من دمائنا وحريتنا وسيادتنا وثقافتنا وديننا، لا نزال نعيش تحت الإرهاب الصهيوني المعربد والمؤيد من دول الغرب كافة؟
إننا في حاجة لمن يقول الحقيقة فقط، ويوضح للشعوب ما جرى.
لقد قام الغرب بإنجاز أكبر عملية لتنقية الأجواء من أجل أن تصفي دولة الاحتلال الصهيونية القضية دون مقاومة، فدعونا نفتح أعيننا على الحقائق:
لقد تمت تصفية كل أعداء الصهيونية العالمية والإمبريالية الغربية سواء المنظمات التي تتبنى العمل المسلح، أو الدول الكبرى التي كانت تظهر العداء وتدعي الممانعة، فجيوش سوريا والعراق واليمن وليبيا تم سحقها وتفكيكها، وجيوش مصر والأردن والمغرب معطلة بفعل التطبيع وغيره، أما جيوش الجزيرة العربية رغم قوتها المادية فهي لن تستطيع التحرك لأنها تعيش تحت مراقبة القواعد العسكرية الأمريكية، ولأنها تستمد كباقي الدول العربية سلاحها وتكنولوجياتها من العدو.
هذا الوضع جعل الكيان الصهيوني يأمن العقوبة فصار يقيم لأهلنا الفلسطينيين المجازر والمحارق كان آخرها هولوكوست المستشفى.
لكن العمل كل العمل اليوم في جانب الشعوب، فقد ظن الغرب أن الشعوب الإسلامية قد تمت هزيمتها النفسية نهائيا، وأنها لن تجد القوة في تحريك بنياتها لصد عدوانه، وحتى لو تحركت فهو يعتمد على وكلائه في المنطقة للقيام بتقتيل شعوبهم لو فكرت في الزحف نحو الداخل الصهيوني.
إن الشعوب اليوم يجب أن تشتغل على الأمور التالية:
– الضغط على حكوماتها من أجل إسقاط التطبيع بشكل كامل، خصوصا وأن النظام الدولي الجديد يتشكل الآن، فإن لم تكن دولنا حرة في هذه اللحظة من التاريخ، واستغلت ما يجري من إرهاب لتتحرر، فستعيش بقية هذا القرن تحت الحذاء الغربي أي المعسكر الأمريكي-الصهيوني أو الشرقي الصيني-الروسي.
– الضغط الكامل حتى يتحرك العالم الإسلامي من أجل توسيع العضوية في مجلس الأمن من خلال تبني الاقتراح التركي الذي يحمل شعار: “العالم أكبر من خمسة”، فكيف يقاد عالم بمنظمة ليس في رأسها من يمثل مليارا و800 مليون فرد هم عدد المسلمين في هذا الكوكب، فمجلس الأمن هو المتستر الأول عن الجرائم التي تقترفها دول الغرب، وهذا مفهوم تاريخيا لأن الدول التي كانت تقود الحملات التوسعية إبان القرنين التاسع عشر والعشرين هي نفسها من أنشأت عصبة الأمم وورثتها منظمة الأمم المتحدة، وذلك لتدبير العالم وفق الرؤية الغربية المبنية على أسس الاستعمار الجديد الذي قَرُب من إتمام عقده التاسع، والذي يعتمد مقاربة السلام والأمن لكن للشعوب البيضاء فقط، أما باقي العالم فلا يزال يعيش نفس الاستغلال والخوف والنهب، لكن بأيدي جيوش الاستعمار الجديد، فإذا كانت الجيوش الامبريالية قد قامت بالحروب من أجل تأمين النشاط الاقتصادي للشركات الكبرى، فجيوش الاستعمار الجديد التي تشتغل جماعيا من خلال الأمم المتحدة على الضعفاء، تقوم بنفس الدور، تسهل نهب الشركات الكبرى لخيرات الشعوب، ومَن مانع منها تم وصف زعمائه بالإرهاب.
– أن تتحرك الجاليات المسلمة الكبيرة في الدول الغربية لإسقاط القوانين المجرمة لمعاداة السامية، والتي تكمم الأفواه، وتمنع النخبة المثقفة من انتقاد تصرفات وجرائم الكيان الصهيوني، فالعقل الحر في الغرب منذ عقود وهو يعيش تحت الاضطهاد إذا فكر في انتقادات مجازر أو ادعاءات الكيان الصهيوني، وما وقع لروجيه جارودي وغيره من النخب الغربية، يدلنا أن الصهاينة كبلوا العقول بالقوانين التي صدرت عن البرلمانات الغربية ليَأمنوا العقوبة ويضعفوا المعارضة ويشلوا الإعلام المستقل.
فحتى البحوث التاريخية التي تفند المزاهم والأكاذيب الصهيونية يمنع الحديث عنها في المجلات العلمية المحكمة.
فهل يمكن أن نعتمد على الدول التي تدعي الديمقراطية في إنصافنا في ملفاتنا الكبرى كملف الصحراء وملف فلسطين وملف الأقصى والقدس، وملفات أخرى كملف كشمير وروهينغا.. وباقي القضايا التي يقتل فيها المسلمون وحدهم، ويبادون في تواطؤ كامل مع الدول التي تملك القرار في مجلس الأمن.
– أن تعيد فهم بعض الأمور وترتيبها وفق معتقداتها وفقهها الإسلامي وهذا دور النخب الحرة ومن هذه الأمور:
1- الكف عن اتهام حماس بالتطرف والعبثية، وعدم الاكتراث بالتصنيف الغربي لها كمنظمة إرهابية، واعتبارها وغيرها من الفصائل من اليوم جيشا للمقاومة واجب الدعم.
2- أخذ الموقف الصارم من الادعاءات التي تشيطن الإسلاميين، فلم يعد في معسكر مناهضة أمريكا والكيان الصهيوني الغاصب سوى الإسلاميين وبعض نخب اليسار العروبي كأفراد وجمعيات وليس كأحزاب ومنظمات، فأغلبنا اليوم فَهِم أن الانقلابات المضادة التي كانت ترعاها الإمارات بأمر من أمريكا والكيان الغاصب كان دورها الأكبر هو تفكيك التيارات الإسلامية من أجل تهيئة المجال في وجه الآلة الصهيونية لاكتساح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي المنطقة الجغرافية المعتمدة في خريطة الشرق الأوسط الكبير، والمتماهية مع خريطة إسرائيل الكبرى المرفوعة على جدار الكنيست الإسرائيلي منذ تأسيس الكيان الغاصب.
ولنتخيل كيف سيكون الوضع لو بقي الرئيس مرسي -رحمه الله- لحد الساعة في حكم مصر، هل كانت دولة الكيان الغاصب لتقدم على تنفيذ هولوكوست المستشفى؟
وهل كان سيغلق المعبر في وجه الجرحى والمعطوبين الفلسطينيين ويشارك في حصارهم دون ماء ولا غذاء ولا دواء؟
وكل ما ذكرناه مما وقع كان تحت عنوان دولي هو محاربة التطرف والإرهاب.
إن على الشعوب والنخب الحرة أن تشتغل على هذه الأمور الثلاثة التالية وبكافة الطرق:
أ- إسقاط التطبيع.
ب- إسقاط القوانين المتعلقة بتجريم معاداة السامية التي تكبل العقل الغربي الحر.
ج- الوقوف في وجه احتكار الغرب لحق الفيتو.
كما على الدول والشعوب والنخب أيضا الاشتغال طويل المدى على التالي:
1- كسر الحصار على غزة وإحراج محمود عباس ليسقط كل الاتفاقات مع الكيان الصهيوني ويطلق المقاومة في وجهه دون تأخير، فكيف يعقل أن يسجن فلسطيني من طرف السلطة الفلسطينية “العباسية” ويضرب وقد يقتل لأنه يريد أن يدافع عن أرضه وعرضه وأمه وأبيه وأخواته.
2- رفع الوعي لدى الشعوب والأجيال الناشئة بالقضية الفلسطينية وملف القدس والأقصى، حتى لا تتوسع دائرة الخونة من أصحاب شعار: “كلنا إسرائيليون” و”المقاومون حيوانات”.
3- دعم مطلق للمقاومة المسلحة بكل الوسائل دون قيد أو شرط.
4- اعتبار القضية الفلسطينية قضية عقدية دينية وطنية، والاشتغال -حقيقة لا ادعاء- على أساس أن فلسطين هي العمق الاستراتيجي لكل الدول الإسلامية، وكيف لا، وكل الدول الغربية تعتبر أن “إسرائيل” تشكل العمق الاستراتيجي لدولهم فتؤيدها بالسلاح والمال وتغطي على جرائمها وتبررها بأنها حق لها في الدفاع عن نفسها، حتى إن بايدن الرئيس الأمريكي صرح أكثر من مرة أنه: “لو لم تكن هناك إسرائيل لاضطررنا لخلقها”.
فكيف بنا نحن عموم المسلمين ودولنا ونخبتنا نتحرج من دعم المقاومة والفلسطينيين، خوفا من مجهولٍ، وهذا الخوف غير الجبلي قد يخدِش في اعتقادنا وإيماننا.
5- المصالحة والإنصاف للإسلاميين والرجوع إلى المشترك الإسلامي الذي شكل الثقافة والاجتماع والعقيدة في الدول الإسلامية، وتجنب الاحتراب الإيديولوجي، حتى يتمكن الغيورون من جمع الصف في مواجهة العدو الصهيوني.
وأخيرا، وبشكل مستعجل جدا يجب على الدول إعطاء التراخيص للمنظمات والجمعيات المؤهلة في فتح صناديق لجمع التبرعات المالية والعينية لإغاثة إخواننا في فلسطين، فما اقترفته دولة الصهاينة هو جريمة ضد الإنسانية، وتقتضي أن نتفاعل معها حتى ولو ولم يكن من قتلوا وحرّقوا من أهلنا في هذا الهولوكوست في فلسطين وفي مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.