ماذا تبقى للمغرب ليطوي ملف الصحراء؟

02 أغسطس 2024 09:43
البحرين تصدم عصابات البوليساريو والجنرالات وتقف مع المغرب

هوية بريس – بلال التليدي

كما كان متوقعا، فقد حسمت باريس الموقف تجاه قضية الصحراء، واختارت التوقيت الرمزي الذي يسعد المغرب (الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش)، وأعلنت بعبارات دالة دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي، وللسيادة المغربية على الصحراء، وأنهت بذلك كثيرا من الجدل حول آفاق سياسة التوازن الفرنسية تجاه المغرب والجزائر، وطوت شهورا من الجمود والتوتر بين البلدين.

الموقف الفرنسي كما تم بناؤه مع الزمن، بدءا من طي صفحة الجمود، والتعهد بتطور الموقف تجاه الصحراء بشكل متدرج، ثم الإعلان عن بذل استثمارات فرنسية مهمة في الصحراء، قصد في الواقع أن يحصل قدر من التفهم الجزائري، ولذلك، عملت باريس على إحاطة الطرف الجزائري بتطور الموقف الفرنسي، وذلك منذ شهر يونيو الماضي، كما اعترف بذلك وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، فأخبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس تبون بالموقف الفرنسي الجديد من الصحراء عندما كان متجها إلى مدينة باري الإيطالية للمشاركة في قمة مجموعة السبع.

هذا المتغير المهم الذي يدعم المكتسبات الدبلوماسية التي راكمها المغرب خلال السنوات الأخيرة، يعزز التساؤل عن أثره في مسلسل التسوية لنزاع الصحراء، وما إذا كان سيدفع في اتجاه الطي النهائي لهذا الملف؟

الجزائر، وخلافا لما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، اختارت أن تصدر بيانا تنديديا بالموقف الفرنسي، وذلك قبل أن تعلن باريس رسميا عنه، لكن الرباط لم تأبه بمضمون هذا البيان، والتزمت هدوءها المعهود، ولم تكشف عن أي جديد بخصوص الموقف الفرنسي حتى تلقى الملك الرسالة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وزير الخارجية الجزائري، علق في ندوة صحافية على تغير الموقف الفرنسي، وقدم أربع ملاحظات، كلها في الواقع تؤول لملاحظة واحدة هي أن هذا موقف باريس الجديد لا يخدم مسار التسوية، ولا يغير الوضعية القانونية للقضية، فاختارت الجزائر أن ترد على باريس من خلال تخفيض حجم التمثيلية الدبلوماسية (سحب السفير ليس لأجل التشاور) وتوعد باريس بعواقب قرارها وما يمكن أن يجره من تداعيات خطيرة!

في الواقع ثمة مفارقة كبيرة بين لغتي باريس والجزائر، فرسالة ماكرون تقول بأن مخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية «يشكل من الآن فصاعدا الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل مستدام ومتفاوض بشأنه طبقا لقرارات مجلس الأمن» بينما الجزائر لا تزال تتمسك بأطروحتها التقليدية التي تعتبر الصحراء «تصفية استعمار»!

من الواضح أن الدبلوماسية الجزائرية بهذا الموقف الفرنسي الجديد تواجه نكسة دبلوماسية جديدة، تجهز على المكتسبات التي تحققت منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في اغسطس2022، وتدفع لتبخر الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري لباريس.

في التقدير المغربي، لم يبق هناك شيء كثير لطي ملف الصحراء، فلم يعد هناك سوى مسار واحد يتطلب كثيرا من الجهد الدبلوماسي هو إبقاء روسيا على الحياد، أو على الأقل، جرها لمربع عدم الاعتراض على أن يكون مقترح الحكم الذاتي هو المرجعية الحصرية للحل السياسي.

في الظاهر، تحرص الجزائر دائما أن تبدو بمظهر الحليف الاستراتيجي لموسكو، لكن السنتين الأخيرتين غيرتا كثيرا من المعطيات في العلاقات الروسية الجزائرية، وذلك ليس بسبب من موسكو، وإنما بسبب من محددات الموقف الجزائري، إذ أضحت العلاقة بموسكو جد معقدة، يحكمها من جهة التحالف الاستراتيجي (اشترت الجزائر 73 في المائة من أسلحتها من موسكو بين عامي 2018 و 2022)، ويحكمها من جهة مقابلة، ما تسميه الجزائر بـ»الحياد وعدم الانحياز» في إدارة مصالحها في محيطها الدولي والإقليمي (العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية)، وتحكمها من جهة ثالثة المصالح الحيوية الجزائرية (تصدير مصادر الطاقة). ونتيجة لذلك، استجابت الجزائر لكثير من الضغوط الغربية، سواء على مستوى إفساد استراتيجية روسيا في خنق أوروبا طاقيا، أو على مستوى تخفيض حجم تزودها من الأسلحة من موسكو خشية من أن تتهم بتمويل الحرب الروسية على أوكرانيا أو على مستوى الإحجام عن تقديم أي إسناد لوجستي روسي للتمدد في دول الساحل جنوب الصحراء.

ثمة مؤشرات تعكس هذا التعقيد في العلاقات الجزائرية الروسية، فمن جهة، لم تقدم موسكو أي دعم للجزائر حتى تحظى بعضوية مجموعة البريكس، مع أن وزير الخارجية الروسي لافروف رحب بانضمام الجزائر للمجموعة عندما تم تقديم طلبها للمجموعة في نوفمبر 2022، ومن جهة أخرى، فإن موقف الجزائر بخصوص الحرب الروسية على أوكرانيا، كان أقل من المنتظر، إذ لم يغادر دائرة الامتناع، في الوقت الذي اختار حلفاء موسكو الاعتراض، ومن جهة ثالثة، فقد استجابت الجزائر للضغط الأمريكي والأوروبي لتقليص نسبة التزود من السلاح الروسي، بعد دعوات في سبتمبر 2022، من لجنة المخابرات الأمريكية بمجلس الشيوخ إلى وزير الخارجية الأمريكي بفرض عقوبات على الجزائر بسبب شرائها أسلحة بقيمة 7 مليارات دولار سنة 2021، وحث 17 عضوا من البرلمان الأوروبي في رسالة مؤرخة في نوفمبر 2022 رئيسة المفوضية الأوربية على إعادة النظر في اتفاقية الشراكة المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر سنة 2005، ونتيجة لهذه الضغوط ألغت الجزائر مناورة درع الصحراء العسكرية بشراكة مع روسيا كانت مقررة بين 16 و 28 نوفمبر 2022، ومن جهة رابعة، فقد رفضت الجزائر أكثر من مرة عن طلبات روسية باستعمال قاعدة المرسى الكبير البحرية.
هذه بعض المؤشرات التي غالبا ما تساق كمؤشر احتفاظ الجزائر بهامش مهم من الحياد وعدم الانحياز، يمكنها من إدارة التوازن في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لكن بالنسبة إلى روسيا، فتظهر هذه المواقف خضوعا صريحا للأجندة الغربية، وإرباكا للاستراتيجية الروسية، التي اضطرت بفعل ذلك تحيين رؤيتها، وذلك في اتجاه عدم التعويل على موقف جزائري استراتيجي داعم، وفي الآن ذاته التفكير في وضع بعض البيض في السلة المغربية.

في المقابل، فإن العلاقات المغربية الروسية أخذت في التطور بنحو مطرد، وذلك منذ زيارة الملك محمد السادس إلى روسيا سنة 2016، وبلغت في السنتين الأخيرتين مستويات متقدمة، إذ أضحى المغرب مستوردا رئيسيا للنفط الروسي خلال سنة 2023، كما اختارت الرباط مبدأ الكرسي الفارغ لتجنب حرج الموقف بخصوص إدانة روسيا أمميا، هذا فضلا عن التعاون في مجال الطاقة النووية (مصادقة الحكومة الروسية في 2022 على اتفاقية التعاون مع المغرب في هذا المجال، تشمل تشييد المغرب لمحطة نووية). هذا دون أن ننسى تعقيدات الموقف الروسي في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وحاجة موسكو إلى تجديد رؤيتها الاستراتيجية في منطقة الساحل جنوب الصحراء في ضوء ما يمكن أن يترتب عن طي صفحة النزاع حول الصحراء.

في المجمل، يبدو أن ملف الصحراء ماض وبسرعة نحو الطي النهائي، وأنه لم يبق من خيارات متاحة للجزائر لعرقلة هذا المسار، سوى اللعب على المستوى الإقليمي، أي الضغط على موريتانيا لمعاكسة مصالح المغرب الحيوية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M