ماذا تريدون من العلماء…؟
هوية بريس – د. أحمد اللويزة
العلماء هم مصابيح الدجى ومنارات الهدى، جعلهم الله ورثة الأنبياء يواصلون مسيرة الهداية والإرشاد، والناس تبع لهم يهتدون بهديهم ويسلكون طريقهم. وكل أمة لا تسير خلف علمائها الذين هم عقلاؤها ونصحاؤها ومحبو الخير لها تسير في غيابات الضلال والتيه.
أليس الله قد وصى بهم وبالتمسك بهم في السراء والضراء؟ فقال تعالى: “ولو ردوه إلى الله والى الرسول لعلمه الذين يستنبطونه منهم”، ورفع قدرهم في الناس فقال: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” والنصوص ما أكثرها. فالله أنار بصائرهم فهم يرون بنور الله ويفتح الله عليهم ما لا يفتح على غيرهم (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، ويزنون الأمور بميزان الشرع الحاكم على كل شيء، والعوام تبع لهم، ولا يصدرون إلا عن أمرهم ولا يقضون أمرا إلا بعد مشورتهم (فاسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون).
هذا هو الأصل وهذه هي طبيعة الأشياء في واقع العلماء وعلاقة الناس بهم، ولم يزل العلماء كذلك يقودون الأمة ويحددون مسار الساسة والسياسة، كلمتهم مسموعة وأمرهم مطاع ورأيهم لا يتجاوز، ولم يزل الأمر في تنزل إلى اليوم. لكن العلماء دائما في المقدمة مهما كانت الظروف والأحوال، آخر ما يؤثر عنهم قيادتهم لحركات التحرر الوطني في بلدانهم ضد (الاستعمار) الغاشم، فكانوا شوكة في حلوق المستعمرين، فعملوا على تحييد هؤلاء الناس الذي يمثلون جدار الصد والمنع ضد كل دخيل يروم تقويض مقومات الهوية الدينية للأمة الإسلامية والسيطرة على خيراتها، وقد أخذ المستعمر في وطننا المغرب هذا الأمر محمل الجد والأولوية فبدأ بوضع خطة تغيب العلماء من الواجهة، واستمرت هذه الخطة إلى اليوم حيث يتعرضون لأبشع أنواع التحقير والانتقاص والإهانة والتشهير، والنفخ في أدنى خطأ أو خطيئة، ويظهرهم الإعلام الفاجر في صور بئيسة منحطة في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والسكيتشات….، وفي المقابل يرفعون قيمة الحثالات من أهل الفن والغناء والكرة، ويجعلونهم هم النجوم والقدوات للمجتمع.
هذا المجتمع الذي استجاب جزء كبير منه والتقط الإشارة، فسار مع هؤلاء المفسدين أبناء الاستعمار بالتبني على نفس الخط مؤمنا بنفس الفكرة فلم يعد يلتفت إلى العلماء ولا يحتفي بهم، ولا يهتم لشأنهم، وتستهويه حملات تشويههم وإسقاطهم. ولم يعد للعلماء كلمة إلا عند القلة القليلة ممن أكرمها الله بتوقير العلماء فيجلسون بين أيهم معظمين مجلين متعلمين، ويتصلون بهم مستفسرين مستفتين، وحتى هذه الفئة تتعرض هي أيضا إلى الاهانة والتحقير والتبخيس تحت دعوى باطلة من قبيل تسليم العقول إلى تجار الدين، الغارقون في كتب التراث، التي تعيش زمن القرون المتخلفة، وهلم جرا مما يخرج من الأفواه الآسنة التي تعبر عن القلوب الغارقة في الانحراف.
هؤلاء العلماء اليوم حين يتكلمون في أمر العامة تثور ثائرة حراس معبد الخنوع لقوى الاستعمار وينصبون لهم المشانق على صفحات الجرائد ومواقع النت وقنوات الإعلام، طالبين منهم لزوم السكوت، وأن لا يتكلموا في ما ليس من شأنهم، وأنه لا حق لهم في إقحام الدين في الحياة العامة…. مانعين عليهم الإدلاء بالرأي وهم أصحاب مقولة حرية الرأي!!!
لكن الغريب المؤسف المحزن أن يكون العلماء اليوم بين سندان المسئولين الذين همشوا العلماء وأزاحوه عن دفة القيادة، ومطرقة الشعوب التي لم تعد تهتدي بهديهم ولا تأتمر بأمرهم. كلهم اليوم يطلبون من العلماء أن يتكلموا؛ كل يريد من العلماء أن يكون في صفه، فألئك يريدون منهم أن يكلموا الشعوب وهم الذين جعلوا بينهم وبين الشعوب حواجز وستر، وهؤلاء يريدون من العلماء أن يكلموا الحكام والمسؤولين وهم الذي لم يكونوا يعبئون لشأنهم ولا يلتفون لقولهم.
ألهذا الحد يراد للعلماء أن يكونوا ألعوبة بيد هؤلاء وهؤلاء؟!، لا يسمع لهم في السراء ويستغاث بهم في الضراء، ولا يراد لهم أن يتكلموا بما يدينون الله به دون ضغط لا من هؤلاء ولا من أولئك، وحتى إن تكلموا تلبية لرغبة حاكم أو شعب فمن سيسمع لهم بعد أن زالت مكانتهم وهيبتهم من القلوب.
إننا نعيش وضعا حرجا للغاية جعل العلماء الربانيين الصادقين الذين لا يريدون إلا وجه الله في مرمى حجر كل هؤلاء إذا تكلم لله ولم يتكلم لصالح جهة ما. وهذا أفرز تفاوتا بين منازل أهل العلم يشكل خطرا على الشريعة وحرمتها، فكان منهم عالم السلطان الذي يتكلم بما يرضيه، وعالم الجماهير يتكلم بما يرضيها، وعالم ملة يتكلم بما يرضي الله لكن لا ترضى عليه أي جهة من الجهات إلا إذا كان قوله في صالحها ويحقق رغبتها.
إذا كان هذا قدر العلماء فماذا تريدون منهم، إما أن يكونوا قادة في كل الأوقات والأحوال، وإلا فاتركوهم لحال سبيلهم ودونكم ما تريدون وعند ربكم تجتمعون والله المستعان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المرجو تصحيح الآية الكريمة : ” ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم “