ماذا عن تصحيح الحكام الأخلاف لأخطاء الحكام الأسلاف؟ (ح3)
هوية بريس – د. محمد وراضي
لم يقف عدل عمر بن عبد العزيز عند الحد الذي وصفناه موجزين. إذ من نماذج رده كذلك للمظالم، ما تنطوي عليه هذه القصة المثيرة التي تقول: “كان سليمان بن عبد الملك قد أمر لعنبسة بن سعيد بن العاص -من البيت الأموي- بعشرين ألف دينار. فدارت في الدواوين حتى انتهت إلى ديوان الختم، فلم يبق إلا قبضها. فتوفي سليمان قبل أن يقبضها. وكان عنبسة صديقا لعمر بن عبد العزيز. فغدا يريد كلام عمر فيما أمر له به سليمان. فوجد بني أمية حضورا بباب عمر يريدون الإذن عليه بالدخول، ليكلموه في أمورهم. فلما رأوا عنبسة قالوا: ننظر ما يصنع به قبل أن نكلمه. فدخل عنبسة عليه فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أمير المؤمنين سليمان قد كان أمر لي بعشرين ألف دينار. قال عمر: عشرون ألف دينار تغني أربعة آلاف من المسلمين وأدفعها لرجل واحد، والله مالي إلى ذلك من سبيل؟ قال عنبسة: فرميت بالكتاب الذي فيه الصك، فقال لي عمر: لا عليك أن يكون معك، فلعله أن يأتيك من هو أجرأ على هذا المال مني فيأمر لك به؟ فأخذته وخرجت إلى بني أمية، فأعلمتهم ما كان من ذلك فقالوا: ليس بعد هذا شيء. ارجع إليه واسأله أن يأذن لنا أن نلحق بالبلدان، فرجعت إليه فقلت: يا أمير المؤمنين، إن قومك بالباب، يسألونك أن تجري عليهم من كان قبلك يجريه عليهم (= ما كانوا يأخذونه بدون حق)! فقال عمر: والله ما هذا المال لي، وما لي إلى ذلك من سبيل! قلت: يا أمير المؤمنين، فيسألونك أن تأذن لهم يضربون في البلدان. قال: ما شاؤوا، وذلك لهم، وقد أذنت لهم. قلت: وأنا ايضا. قال: وأنت ايضا قد أذنت لك، ولكني أرى لك أن تقوم، فإنك رجل كثير النقد (= ثري)، وأنا أبيع تركة سليمان، فلعلك أن تشتري منها ما يكون لك في ربحه عوض مما فاتك. قال: فأقمت فابتعت من تركة سليمان بمائة ألف، فخرجت بها إلى العراق فبعتها بمائتي ألف. وحبست الصك، فلما توفي عمر وولي يزيد بن عبد الملك، أتيته بكتاب سليمان فأنفذ لي ما كان فيه”؟؟؟
وما أقدم عليه أمير المؤمنين عمر، لا يحتاج منا إلى توضيح، وما يحتاج إليه، هو ما اقبل عليه خلفه بعد وفاته: يزيد بن عبد الملك. فقد حمل إليه عنبسة الصك الذي سمح له عمر أن يحتفظ به، لعل الخليفة الآتي بعده ينفذ ما فيه. فكان أن استفاد عنبسة فعلا مما لم يتمكن من الاستفادة منه على عهد عمر الذي قال له: “عشرون ألف دينار تغني أربعة آلاف بيت من المسلمين”. وهي مقولة لم تنطق بها، أو بما يماثلها شفتا رئيس دولة مسلم في مشارق الأرض ومغاربها على ما انتهى إلى علمنا، بعد عمر الذي جسد فعلا مفهوم أمير المؤمنين في الواقع التاريخي، الذي لم يدم طويلا للأسف الشديد؟ يعني أن أمراء المؤمنين بعد رحيل عمر بن عبد العزيز عن الفانية حتى الآن، لم يبلغوا في حفظ العهود، والوفاء بصيانة الضرورات الخمس (= الدين والعقل والنفس والمال والعرض) حتى شسع نعليه. ولو أنهم يدعون ما يدعونه في رسائلهم وفي خطبهم الرنانة!!!
فيكون عنبسة قد اضاف عشرين ألف دينار إلى مائتي ألف دينار أخرى حصل عليها بعد بيعه لما اشتراه من تركة سليمان بن عبد الملك. مما يعني أننا أمام رجلين: رجل همه تكديس ما أمكن من أموال، ولو عن طريق النصب والاحتيال! ورجل همه إعادة الأموال المنهوبة إلى بيت مال المسلمين!!!
ولما واصل أمير المؤمنين -أو الخليفة الخامس- عمر بن عبد العزيز، محاسبة بني أمية كأسرة حاكمة، عما حصلوا عليه من المال الحرام، اجتمع هؤلاء إلى عمر بن الوليد بن عبد الملك -وكان كبيرهم وشيخهم- فسألوه أن يكتب إلى عمر يوبخه لعله أن يرده عن مساءلتهم (= محاسبتهم). فكتب إليه: “إنك أزريت على من كان قبلك من الخلفاء، وعبت عليهم، وسرت بغير سيرتهم، وسميتها المظالم، بغضا لهم وشنآنا لمن بعدهم من اولادهم. وقطعت ما أمر الله به أن يوصل. إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها ببيت المال جورا وعدوانا. يا ابن عبد العزيز، اتق الله وراقبه إن شططت، لم تطمئن على منبرك حتى خصصت أول اقاربك بالظلم. فوا الذي خص محمدا ص بما خصه به، لقد ازددت من الله بعدا في ولايتك هذه. إذ زعمت أنها عليك بلاء. فأقصر بعد ميلك، واعلم أنك بعين جبار، وفي قبضته، ولن تترك على هذا”.
إنه إذن خطاب شديد اللهجة، لشخصية بارزة -وإن كانت ظالمة- من الأسرة الحاكمة، إلى من افتتح توليه السلطة برفضه المطلق لكافة البروتوكولات الموروثة عمن سبقوه من حكام بني أمية! وذلك برد المظالم. مما يذكرنا بالأسر الحاكمة عبر العالم الإسلامي لقرون عدة. نعني أن أفرادها داخل السلطة وخارجها، ميالون إلى الظلم لا إلى العدل. إنهم ينهبون ممتلكات الغير؟ ومتى ظهر من بينهم حاكم يحب الله ورسوله، ويحرص على تطبيق مبادئ دينه وتعاليمه. اسرعت الفئة الباغية من نفس الأسرة الحاكمة، معززة ب”الأقلية الخادعة” إلى تهديده، معتمدة على نصوص في الذكر الحكيم، بعيدة كل البعد عما ترمي إلى تحقيقه.
فكان من حق أمير المؤمنين عمر، أن لا يسكت عن التهديد الذي تلقاه من عمر بن الوليد بن عبد الملك. إذ لما قرأ كتابه كتب إليه بهذا الرد: “بسم الله الرحمان الرحيم. من عبد الله أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد. السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. أما بعد: بلغني كتابك، وسأجيبك بنحو منه: أما أول شأنك يا ابن الوليد. فإن أمك بنانة أم السكون، كانت تطوف في أسواق حمص، وتدخل في حوانيتها، ثم الله أعلم بها. اشتراها ذبيان بن ذبيان من فيء المسلمين، فأهداها لأبيك، فحملت بك، فبئس الحامل وبئس المحمول. ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا؟
تزعم أني من الظالمين، لأني حرمتك وأهل بيتك فيء الله عز وجل الذي هو حق القربة والمساكين والأرامل… واترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين، تحكم بينهم برأيك، ولم تكن له في ذلك نية إلا حب الوالد لولده. فويل لك وويل لأبيك!!! ما أكثر خصماءكما يوم القيامة؟ وكيف ينجو ابوك من خصمائه؟ (ثم) أترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف على خمس العرب! يسفك الدم الحرام! ويأخذ المال الحرام! (ثم) أترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر، وأذن له في المعازف واللهو والشراب؟ وأترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهما في الخمس؟
فرويدا يا ابن بنانة، فلو التقت حلقة البيطان، ورد الفيء إلى أهله، لتفرغت لك ولأهل بيتك، فوضعتهم على المحجة البيضاء. فطالما تركتم الحق، وأخذتم في بنيات الطريق (= الطرق الجانبية الغامضة). ومن وراء هذا من الفضل ما أرجوا أن أكون رايته: بيع رقبتك وتقسيم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل. فإن لكل فيك حقا. والسلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين”.
إنه رد مفحم من أمير للمؤمنين عرف قدره، أو عرف ماله وما عليه، عرف ما عرفه من منظور كتاب الله وسنة نبيه فوقف عند حدودهما. فبدلا من إلقاء القبض على معارضه المتجرئ على انتقاده ظلما وعدوانا: عمر بن الوليد بن عبد الملك. بدلا من رميه في غياهب السجون، وإخضاعه لأقسى أنواع التعذيب والتنكيل، كما يفعل قادة العرب والمسلمين في زمننا بمعارضيهم إلى حد التخلص منهم بطرق غاية في البشاعة، اكتفى هو -وهو أمير المؤمنين بحق- بمعاقبته كلاميا مع تهديده بما يمكن أن يتخذه من قرارات مستقبلا ضده وضد أمثاله في قومه. فقوله -وهو يرد عليه- “السلام على المرسلن”، يعني تجنب توجيه السلام إليه. وقصده في إظهار أصله ونسبه، يعني إعلامه بأنه لم يتلق التربية السليمة الكافية، لا من أبيه ولا من أمه. أما نتيجة عدم تلقيه للتربية الأخلاقية اللازمة منهما، فيوضحها سلوكه الميال إلى تجاوز حدود الله، بما اقترفه من مخالفات، تتمثل في المواظبة على الظلم والانحراف عن جادة الصواب ونهب الأموال أو انتهابها! فكان لا بد أن يختم أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز خطابه أو رده بقوله: “السلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين”؟؟؟
“فوا الذي خص محمدا ص بما خصه به”
ليس من توقير الرسول صلى الله عليه وسلم و ليس من محبته اختصار الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بحرف ص =هذا الخطا تاورثه كثير من الناس هداهم الله تعالى. ..
يضاف الى ذلك ان ص لا تؤدي واجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فكل عبادة لها شروط واركان واحكام فكيف بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم