ماذا يجري بين الخزينة العامة ومصالح الضرائب في مراكش
هوية بريس – متابعات
أن تتخذ الدولة الإجراءات الضرورية لتحصيل الضرائب، هو مجهود محمود ومقدر، بل أكثر من ذلك، أداء الضرائب من قبل الملزمين بشكل تلقائي وفي الآجال هو من صلب المواطنة. لكن أن ترتكب المصالح المعنية أخطاء ضريبية في حق المُلزمين وتتملص من معالجتها، تاركة المواطن “إعوم بحرو” فهذا أمر يجب أن نقف عليه لمعرفة الأسباب وتحليل النتائج.
هذا ما يقع حاليا في مدينة مراكش وربما في باقي المدن المغربية. فمنذ شهر أكتوبر من السنة الماضية، شرعت المديرية الجهوية للضرائب بإسناد تدبير بعض مهامها إلى مصالح الخزينة العامة على رأسها تدبير ضرائب السكن وضرائب الخدمات الجماعية. ومعروف أن كل عملية بيع تتطلب من البائع الإدلاء بشهادة الإبراء الضريبي. إنها عملية أساسية لإخلاء ذمة البائع، وإلزام المتهربين من الضرائب بأداء ما بذمتهم من مستحقات للدولة. لكن المرتقفين وجدوا أنفسهم مطالبين بأداء ضرائب تتعلق بعقارات تم بيعها منذ سنوات ولم تقم مصالح الضرائب بتقييدها باسم المالك الجديد.
تشهد حاليا مصالح الخزينة العامة بكليز بالمدينة الحمراء، عددا كبيرا من المرتفقين الذين يزورون مرات عديدة هذه المصلحة للاستفسار عن مآل شكاياتهم وتظلماتهم. من الناحية القانونية والمنطقية كذلك، عندما يتقدم المرتفق بالوثائق التي تثبت بيعه للعقار منذ سنوات من قبيل عقد البيع وشهادة الملكية باسم المالك الجديد، فإن الأمر لا يتطلب سوى قيام مصلحة الخزينة العامة بتصحيح الوضعية وتسليم المرتفق شهادة الإبراء الضريبي إذا قام بأداء كل الضرائب القانونية المتعلقة به. إذا كان القانون والمنطق يقول هذا الأمر، فإن رئيس مصلحة تحصيل الضرائب بالخزينة العامة بكليز له رأي آخر لا يعرف المشتكون كيفية التعامل معه. علما أن هناك من تقدم بوصل يحمل طابع الاستلام من قبل مصالح الضرائب، لوثيقة تطلب تغيير اسم الضرائب المتعلقة بالعقار المبيوع إلى اسم المالك الجديد، ويعود تاريخ وصل الاستيلام هذا إلى سنة 2007، أي منذ أكثر من 15 سنة وهو ما يعني أن المشتكي تطالبه مصلحة الخزينة العامة بأداء رسوم 15 سنة وإلا فلن يستلم شهادة الإبراء الضريبي التي يطلبها الموثق لتسليمه مبلغ البيع.
الغريب في إدارة الخزينة العامة بكليز، هو أن المرتفقين يقفون بجانب حاجز عبارة عن نصف حائط رخامي ويطلبون التحدث مع موظف يجلس في مكتبه على الضفة الأخرى من الحاجز. وحين يستفسرون عن مآل شكاياتهم يكون الجواب هو أنه قام بتسجيل شكايتهم ولمعرفة مآلها يجب مخاطبة رئيس المصالحة. وأين هو السيد الرئيس؟ إنه وراء باب مغلق مكتوب عليه رئيس المصلحة. وللاستفسار يجب على المرتفقين انتظار السيد الرئيس خلف الحاجز الرخامي حتى خروجه من مكتبه لتجد الكل يناديه لاستفساره عن مآل تظلمه. لكن السيد الرئيس عوض القيام بعمله ومعالجة الشكايات، تجده يمارس سياسة “التكركيب” في حق مواطنين كل ما يطلبونه هو تصحيح أخطاء قامت بها مصالح الدولة. فتجده يطلب من كل المشتكين الذهاب إلى قباضة الخزينة العامة الحي المحمدي بشارع فلسطين حي الداوديات بمراكش، لأنها هي المكلفة بمعالجة هذه الشكايات علما أن مصلحته هي من تسلمت الشكاية وأصدرت توصيل الاستيلام. وإذا كان المشتكي على دراية بالقانون وبالإدارة، فإن السيد الرئيس يغير وُجهة “التكركيب” ويقول بوجود مشكل في معالجة الشكايات مرتبط بالمصالح المركزية في الرباط، وفي أحيان أخرى يكون جوابه بأن الخطأ قامت به مصالح الضرائب وأنه مسؤول فقط في الخزينة العامة.
كنت أنا أيضا من بين “المتكركبين” إلى قباضة الخزينة العامة الحي المحمدي. انتقل العديد من المشتكين إلى هذه المصلحة، لكنهم تلقوا جوابا واحدا من نائب السيد القابض هو أن هذه الشكايات تتم معالجتها في مصلحة كليز وأن عليهم الرجوع من حيث أتوا !!! الأمر الذي أثار حفيظة البعض وجعلهم يصرخون ويستنكرون ما يتعرضون له في إدارة تابعة للدولة. لا أعرف السيد القابض في قباضة الحي المحمدي، ولا أعرف حتى اسمه، لكن من باب إعطاء كل ذي حق حقه، لا يسعني إلا أن أنوه بمهنيته العالية وحنكته في معالجة أمور مساعصية قد تخرج عن السيطرة. قام السيد القابض بإدخال المشتكي الذي يصرخ إلى مكتبه، تسلم منه وثائق شكايته واطلع في الحاسوب على وضعيته الجبائية. أدرك السيد القابض أن الأمر هو من صلاحيات الخزينة العامة بكليز. بذل مجهودا مقدرا لشرح الإجراءات الإدارية المتعلقة داخليا بإدارة الخزينة العامة، ثم طلب منه أن يطلب من رئيس مصلحة الخزينة العامة بكليز وثيقة “Note d’inspecteur” ويأتي بها إليه شخصيا، ووعده أنه سيأخذ شهادة الإبراء في حينه لأنه ليس بذمته أي ضرائب غير محصلة.
حين رجع المشتكي إلى السيد الرئيس القابع في مكتبه وراء حائط قصير رخامي يمنع المرتفقين من الدخول إلى الداخل ووراء باب مُغلق، انتظر رفقة الكثير من المشتكين حتى فتح السيد الرئيس بابه الذي يمنع حشرات المواطنين من الدخول إليه، فطلب منه معالجة ملفه في الحين وإلا سيكون معه شأن آخر. المشتكي أدرك أن الأمر لا يتطلب هذه المدة الكبيرة من الانتظار والتي قاربت الشهرين، وأن السيد الرئيس لو قام بواجبه المهني لأخذ جميع المشتكين وثيقة الابراء الضريبي في أقل من ساعة. أمام هذه الوضعية الشاذة لم يجد السيد الرئيس سوى أن يقوم بالعمل الذي كان عليه القيام به منذ استلامه لملف الشكاية، فسلم الشهادة المطلوبة للمشتكي الذي أبلغ السيد الرئيس أنه مسؤول غير محترم ولا يشرف الادارة المغربية ولا يستحق كلمة الشكر. أخذ المشتكي وثيقته وسلمها للسيد القابض بالحي المحمدي وأخذ شهادة الإبراء الضريبي في حينه كما وعده السيد القابض. خرج المشتكي من مكتب تسليم الشواهد ودخل مكتب السيد القابض ليشكره قائلا له “الله اكثر من أمثالك”. هناك من يجعل الإدارة في خدمة المواطنين ومنخرط فيما تعرفه الإدارة المغربية من إصلاحات كما هو شأن قابض الحي المحمدي …وهناك من يجعل الإدارة ملكية شخصية يتصرف فيها كما يحلو له وربما ينتابه الحنين لزمن الرشوة وتسليم الشواهد الإدارية بالمقابل في غياب أي تتبع من المصالح المركزية، وهذا هو حال السيد رئيس المصلجة بالخزانة العامة بكليز المدينة الحمراء الذي يقبع في مكتبه المحاصر بباب مغلق ونصف حائط رخامي لمنع دخول حشرات المواطنين كما يبدو من تصرفات السيد الرئيس.
في الختام أتوجه بثلاثة أسئلة للمصالح المركزية للخزينة العامة:
-وثائق إدارية يكون المرتفقون مطالبون بنقلها من مصلحة إلى مصلحة أخرى للخزينة العامة. فهل مصالح الخزينة العامة خارج مشروع المغرب الرقمي؟
-هناك العديد من المرتفقين الذين ما زالوا ينتظرون تصحيح الخزينة العامة للأخطاء الضريبية. فهل ستتدخل المصالح المركزية لإيقاف هذه المعانات المجانية لمواطنين مغاربة أدوا ما بذمتهم من ضرائب؟
-في الصيف سيقبل على بلادنا مغاربة العالم. فهل سيعانون مثل هذه المآسي الصادرة من مسؤول لا يريد أداء واجبه المهني؟