ماذا يقع في رفح؟
هوية بريس- محمد زاوي
بعد موافقة حركة “حماس” على بنود اتفاق الهدنة المقترحة عليها بوساطة قطرية مصرية، ظن أغلب المتابعين للشأن الفلسطيني أن الحرب ستضع أوزارها، وأن جنود الاحتلال “الإسرائيلي” سينسحبون من معركة هناك من شبهها ب”ورطة الاحتلال”! لكن بماذا قابل الطرف “الإسرائيلي” قرار “حماس”؟ لقد قابله بشن هجوم فظيع وخطير على مدينة رفح ومدنييها، ما فتح المجال لطرح عدد من السيناريوهات لتفسير الهجوم “الإسرائيلي”:
-السيناريو 1: تصعيد “إسرائيلي” للحصول على مكاسب أكبر؛ فالمعارك في حقيقتها لا تخاض في قاعات المفاوضات، وإنما في ميدان الحرب، حيث تتشكل النواة الأولى لأرضية التفاوض. وإذا رأى الكيان الصهيوني أن مضمون “الاتفاق” لا يوافق أهدافه وغاياته من الحرب على قطاع غزة، فإنه سيسعى إلى تغيير مضمون التفاوض بناء على تغيير قواعد الاشتباك.. واجتياح رفح جزء من هذا التغيير الذي قد يفرض على “حماس” تنازلات أكبر بخصوص الأسرى على المدى الاقرب، وكذا بخصوص وجودها العسكري ومطالبها السياسية على المدى الأبعد.
-السيناريو 2: محاصرة عناصر “حماس” في القطاع؛ وهو ما يعني -إذا صح-أن استخبارات “إسرائيل” تتوفر على معلومات بخصوص مكان احتجاز الأسرى ومخابئ قيادة المقاومة، الأمر الذي يسهّل عليها مأمورية تحرير الأسرى وإلقاء القبض أو الإجهاز على عناصر المقاومة.. ولو أن هذا الأمر مستبعد بحكم الحركة تحت الأرض وما يمكن أن تشكله من متاعب لقوات الاحتلال “الإسرائيلي”، أضف إلى ذلك تحكم “حماس” وعناصر المقاومة بحرب الأنفاق وتحدياتها أكثر من عناصر “الجيش الإسرائيلي”.
-السيناريو 3: إرضاء اليمين المتطرف داخل “إسرائيل”؛ فربما يكون اجتياح رفح تمهيدا فعليا لوقف الحرب والقبول بالهدنة، إذ يحتاج اليمين المتطرف إلى مزيد من التوغل الجغرافي والإبادة البشرية حتى يقبل بوقف إطلاق النار. هذا اليمين فاعل قوي داخل الكيان الصهيوني، وفي علاقته ب”الحكومة الإسرائيلية” الحالية أيضا. أما موقفه من القضية فلا يقف عند حدود مصالح الفاعلين الكبار في المنطقة، بل له تصورات وإيديولوجيات دينية خاصة، بتحريض منها يمارس العنف والعنصرية ويشجع على إبادة الفلسطينيين وعدم الاستسلام لمطالب “حماس” بغض النظر عن مصير الأسرى “الإسرائيليين” لديها.
هذا الذي يقع في رفح يشكل ضغطا كبيرا على دولة مصر التي ترفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى إقليمها.. ففضلا عن أنها غير مستعدة أمنيا ولوجيستيا للقبول بذلك، فإن هذا التهجير يشكل بالنسبة إليها تهديدا جيوسياسيا حقيقيا، لأنه يغير المعادلة في فلسطين، ويجعل “إسرائيل” إلى حدود الدولة المصرية أقرب. هذا ما يفسر، على الأرجح، تهديد مصر بين الفينة والأخرى، خاصة بعد اجتياح رفح، بالتخلي عن وساطتها في الملف.
ولمن لا يعرف حقيقة هذا التهديد، فإنه خطوة ترعب الكيان الصهيوني لما لمصر ومخابراتها العسكرية من قدرة على التأثير في أطراف مهمة من “حماس”، خاصة مسؤول الحركة في غزة، يحيى السنوار؛ وذلك بالإضافة إلى وضع يدها على ملف خطير ومهم ويمكن أن يربك حسابات الكيان، وهو المتعلق بالأنفاق بين غزة والأراضي المصرية. كلها اعتبارات تجعل مصر فاعلا قويا في الملف، بأجندات تختلف إلى هذا الحد أو ذاك عن أجندات باقي الفاعلين، بما في ذلك أمريكا. ويعتبر اجتياح رفح فنقطة من نقاط الخلاف وتراه مصر تهديدا حقيقيا لها، حسب ما تقدم.
ما يقع في رفح قد يتحول في التحليل الكلي، ومع تعاقب مجريات الأحداث، إلى “قربان يميني متطرف” للقبول بدولة فلسطين، والمرور إلى سيناريوهات ما بعد الحرب التي لم تعد تحددها أمريكا وحدها، بل بتدخل فاعلين آخرين، إقليميا ودوليا. لا يريد اليمين المرور إلى هذه المرحلة دون ان يدفع الفلسطينيين إلى أداء تكلفة ذلك، وهذه التكلفة هي فقدان المزيد من الأرواح والبنيات التحتية وتوسيع دائرة استهداف عناصر المقاومة وقياداتها الميدانية.