مانديلا… النار تلد الرماد
هوية بريس – عادل بنحمزة
لم يكن مفاجئاً ما أقدم عليه النظام الجزائري في افتتاح دورة كأس أفريقيا للاعبين المحليين “الشان 2022″، فهذا النظام المهووس بالمغرب والذي دخل حالة مرضية مزمنة، تجاوز كل الحدود التي تفرضها مناسبة رياضية، فبدل أن يكون الافتتاح فرصة لبث أجواء الوفاق والسلم وتعزيز المشترك بين شعوب القارة والابتعاد عن كل مصادر الاختلاف، سواء أكانت سياسية أم دينية وهو ما يتوافق مع القوانين التي تؤطر مثل هذه التظاهرات، نجد النظام الجزائري يحول هذه المناسبة الرياضية إلى منبر للهجوم على المغرب والدعاية للانفصال عبر توظيف بئيس لشخص بئيس اسمه شيف زوليفوليل شاء القدر أن يكون جزءاً من جينات الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا ويكتسب صفة حفيد مانديلا.
تحدث الحفيد وهو من بين أزيد من ستة عشر حفيداً آخر في حفل افتتاح “الشان” عن ضرورة عدم نسيان الصحراء كآخر مستعمرة في اعتقاده في أفريقيا. حفيد مانديلا هذا، معروف في جنوب أفريقيا بسمعته السيئة وجرائمه التي لم تستثن مقابر جده مانديلا نفسه إذ نقل جثث العائلة من مقابر العائلة في “كونو” إلى مقابر أخرى في “مفاز” حيث استولى على أراض للفلاحين المحليين وأنشأ عليها فندقاً ومتحفاً وقاعة للمؤتمرات بغاية تحويله إلى مزار للسياح للتكسب مما تصفه الصحافة هناك بـ”طقوس عبادة مانديلا”. القضاء تدخل لوقف تجاوزات الحفيد وهي تجاوزات شملت مجالات كثيرة لرجل جشع لم يجد اليوم مجالاً للتكسب سوى المأساة الإنسانية للمحتجزين الصحراويين في تيندوف فوق على الأراضي الجزائرية.
عندما كانت “الفيفا” على عهد رئيسها السابق السيئ الذكر سيب بلاتر تستعد للإعلان عن البلد الأفريقي الذي سيحظى بشرف تنظيم كأس العالم للمرة الأولى على الأراضي الأفريقية، توقفت مراسيم الحفل للحظات وبثت القنوات مشاهد خارجية، لم تكن سوى فيديو للراحل نيلسون مانديلا وهو يترجل بصعوبة في اتجاه القاعة التي تحتضن الحفل. ساعتها اتضح للجميع أن جنوب أفريقيا هي من ستنظم كأس العالم وذلك ما كان. لا أتذكر اسم أحد مناصري الملف المغربي وهو يعلق بعبارة فيها كثير من المرارة جاء فيها: “هل يمكن أن أقول بأنه للأسف المغرب لم يعش فصلاً عنصرياً…”.
بكل تأكيد لا أحد يشكك أو يقلل من قيمة نيلسون مانديلا في تاريخ الكفاح الطويل لشعب جنوب أفريقيا ضد واحدة من أبشع أشكال التمييز العنصري في العالم، ولكن على كل من يحاول أن يتاجر بذلك التاريخ أن لا ينسى أن مانديلا نفسه وبشهادة أمام العالم اعترف بالدعم الكبير والنوعي الذي قدمه المغرب بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني للمؤتمر الوطني الأفريقي، مالاً وسلاحاً وتدريباً، وذلك بحضور الراحل الدكتور الخطيب الذي كان مكلفاً التواصل مع مانديلا. فأمام أزيد من مئة ألف جنوب أفريقي وضيوف من مختلف أنحاء العالم وقف الزعيم مانديلا وهو على منبر الخطابة طالباً من الدكتور الخطيب من دون باقي الضيوف، أن يتقدم نحوه ليقدم في ملك المغرب الراحل الحسن الثاني شهادة للتاريخ تبرز حجم الدعم الذي قدمه المغرب لشعب جنوب أفريقيا وتحدث للجموع الغفيرة عن تفاصيل رحلته إلى المغرب سنة 1962 وما قدمه من مطالب وكيف تمت الاستجابة لها كلها، لذلك فإن تحول موقف جنوب أفريقيا من قضية الصحراء المغربية وإعلانها التحالف مع الجزائر ضد كل ما يتعلق بالمغرب، يمثل إساءة لما قدمته الدولة المغربية من دعم غير مشروط لقضية عادلة.
ربما ترى جوهانسبورغ في المغرب منافساً قارياً وهو كذلك بلا شك، لكن الأمر بكل تأكيد يتجاوز منطق المنافسة، وربما تُفضح الأسباب الحقيقية عندما ينهار حكم المؤتمر الوطني الأفريقي تحت وطأة الفساد الذي يميز نخبه التي توالت على السلطة منذ انهيار نظام الفصل العنصري ورحيل مانديلا، رصيدها فقط إرث الزعيم الذي انتهى به الأمر لمن يدفع أكثر…
أما بخصوص النظام العسكري الذي يحكم قصر المرادية، ولأنه عاجز عن الخروج من بوتقة المعسكر الشرقي ولا يزال يعيش في الماضي، فعلى الأقل من واجبه أن يتعلم من نظام كوريا الشمالية في علاقتها بكوريا الجنوبية، فرغم عداء بيونغ يانغ لسيول والذي لا يحتاج إلى أدلة، فإن العلاقة بين البلدين على المستوى الرياضي تقدم صورة جميلة،
ففي نيسان (أبريل) 1991، شكلت الكوريتان أول فريق رياضي موحد لبطولة العالم لتنس الطاولة في اليابان. وفاز فريق الزوجي النسائي بالميدالية الذهبية. وفي حزيران (يونيو) من العام نفسه، شكلت الكوريتان أيضاً فريقاً موحداً لبطولة العالم للشباب لكرة القدم في البرتغال، وبلغ الفريق المشترك دور ربع نهائي المسابقة، وفي حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في سيدني في عام 2000، دخل الوفد المشترك بين الكوريتين إلى الملعب تحت العلم الكوري الموحد، وهو علم أبيض في وسطه خريطة شبه الجزيرة الكورية باللون الأزرق، ثم في الألعاب الأولمبية الشتوية التي نظمت في بيونغ تشانغ في كوريا الجنوبية سنة 2018 سار الوفد المشترك للكوريتين معاً في حفل الافتتاح ومنتخب مشترك لهوكي السيدات.
في الحقيقة كنا نظلم نظام كوريا الشمالية عندما نقارنه بالنظام الجزائري الذي تحول في نسخته الحالية إلى حالة من الجنون، يفتقد معها إلى أدنى مؤشرات وجود نخبة في قمرة القيادة لها الوعي الكافي بمخاطر انزلاق الصراع مع المغرب إلى صراع إقليمي بكل تداعياته الخطيرة على المنطقة.