ما الذي يهمنا في الإنتخابات الفرنسية الأخيرة؟

13 يوليو 2024 20:27

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

واضح أن علاقتنا بفرنسا، ليست من لون العلاقات العادية، ولا يمكن أن تكون عادية، فهي الدولة التي استعمرتنا، ذات تاريخ، ولا زلنا نعيش على تداعيات هذا الإستعمار، على أكثر من مستوى، وهي الدولة التي يتخرج منها أغلب أطرنا، الذين يتواجدون على رأس الكثير من معاهدنا ومؤسساتنا الرسمية، وهي الدولة التي نجد أنفسنا، لأسباب معروفة وغير معروفة، ملزمين بتعلم لغتها والتحدث بها، واعتبار ذلك ضرورة وامتيازا، ومن وجهة أخرى، هي البلاد التي تعلمنا الكثير من مثقفيها الكبار، إما عبر لغتهم الأصلية، أو  عبر الترجمة ؛ من أجل كل هذا وغيره، يهمنا ما يحدث في هذه البلاد، ويهمنا أكثر أن نحسن الإستفادة، واستخلاص ما يعنينا من دروس، بعيدا عن لغة الإنبهار المجاني، أو التبخيس العاطفي، فكل ذلك لا يفيد ؛ فالذي حدث في الأيام الأخيرة، أن رئيس البلاد أعلن عن انتخابات سابقة لأوانها، أو وجد نفسه مضطرا لذلك، لقطع الطريق على اكتساح اليمين المتطرف، وضمان ولاية أخرى لحكم فرنسا، بأقل الخسائر الممكنة ؛ جرت هذه الإنتخابات، كما يصح أن تجري الإنتخابات، بشروطها المعقولة والمقبولة، وفاز ائتلاف الجبهة الشعبية، في مقابل تراجع، غير متوقع لليمين، ما يعني أن النقاش حول مآلات الإنتخابات، وحول إمكانية حكم اليمين المتطرف، كان نقاشا جديا، وكان له أثر، وأن صناديق الإقراع كان لوجودها معنى، حين عبرت عن الإصطفافات الجديدة، التي أعقبت هذا النقاش السياسي، والتي منحت المقدمة لمكونات اليسار، وخلقت واقعا جديدا، سيقود بداهة إلى نقاشات جديدة، تهم الشأن الفرنسي ؛ الذي يهمنا نحن، أن نأخذ ما يفيد، فالمديح في السياسة كما الهجاء لا يفيدان، كلاهما منطق حزبي قبلي بلا معنى، دغدغة للهواجس والأنانيات، لا أقل ولا أكثر ؛ نتائج الإنتخابات، كانت مفاجئة، سواء بالنسبة للكثير من المتتبعين، أو بالنسبة للرئيس (ماكرون) نفسه، ما يعني أن صناديق الإقتراع، كان لوجودها مبرر، وكانت هي الفيصل، واقعيا وليس ادعاء، وما يعني بالتبع، أن المواطن الفرنسي، في حدود معقولة، كان له دوره الفعلي، وأنه قصد صناديق الإقتراع، وفي عز الصيف، اختيارا لا إكراها، وأنه لا يصوت بالمقابل، أو تحت التهديد المبطن أوالمعلن، وأنه يدري أن لصوته معنى، هو صورة فرنسا، وقضاياه التي ينتظر معالجتها، ويعتقد أنها ستعالج بالسياسة وبسياسيين يختارهم هو، لا غيره.

السياسة كل لايتجزأ، كل عنصر يقود إلى الآخر ويدل عليه، فالإنتخابات تعني بالضرورة، ويجب أن تعني وجود مواطنات ومواطنين أحرار، يصوتون، أولا يصوتون، اختيارا لا اضطرارا، ويصوتون بناء على معرفة ودراية معقولة ومعتبرة، بالبرامج والإختيارات المتنافسة، ويشاركون في مناقشة البدائل والإقتراحات المطروحة، ويبدون آراءهم بصددها، قبولا أورفضا أوتعديلا، في جو يسوده التقدير والإحترام المتبادل، بلا توجيه ولا ضغط من أي أحد أو جهة، وحين يقصدون صناديق الإقتراع يعلمون أن النتائج ستكون معقولة ومبررة، تربويا وقانونيا، على الأقل، والطعون حولها ستحظى بالعناية اللازمة ؛ بالطبع، لا يمكن أن يتحقق كل هذا، إلا بشروطه الموضوعية، وهي، تعليم جيد، فضاء حر، نقاش سياسي هادئ وهادف، وطنية صادقة، انتماءات أو لا انتماءات واعية وعاقلة، وهذا بالضبط هو ما يجب أن يهمنا، وهو ما ينقصنا، وهو ما يجب أن نبحث عنه، والباقي مجرد تفاصيل وهوامش.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M