ما في الإيجار من عيب ولا عار
هوية بريس – د. حامد الإدريسي
يقول الناس: فلان دار دارو ، ودار علاش يرجع، ونسوا أنه لا رجوع في هذه الحياة بل هي مسير دائب إلى قبر وحيش،وأن الرجوع إنما هو إلى الله، وبالغوا في الأمر حتى جعلوا هذا هدف الأهداف وغاية الغايات ونسوا أن الله يمحق الربا فتذهبالبركة من البيت وتكثر القلاقل بين الأسرة وتحضر الشياطين ويستعر الخلاف، فيقول الزوج ما بالها انقلبت علي ! وينسى أنذلك بعض أردان الربا وآثار المعصية.
📍كثير من الناس استدرجه هذا الوهم، وهم التملك، وهل تملك حتى نفسك؟ وهل تملك حتى لقمتك التي بين يديك؟ إنما أنتمستخلف في مال الله الذي أعذاك، فإياك أن تعمل فيه بغير ما أذن لك.
📍وهم التملك، هو الذي يجعل كثيرا من الناس يغمض عينه عن الحلال والحرام، فيصير الحلال هو ما حلّ في يديه،ويستجيب لضغط المجتمع والزوجة والأصهار يقولون له: لا يطرق عليك صاحب الإيجار، وينسون أن طرق البنك أشد، وأنطرق ملك الموت أشد، وأن طرق تأنيب الضمير أشد، وأن الوقوف أمام الله في صلاتك وأنت آكل للربا أشد وأشد، ولعمري مافي الإيجار من عار.
📍والله ليس عيبا أن تعيش بالإيجار، بل والله إن العيب كل العيب أن تحارب الملك القهار ، تحاربه بالنعمة التي أعطاك،وتنسى وصيته التي أوصاك {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنينِ} فاتق الله، وليكن الله عندك أكبر من دار، فليسالعيب في الإيجار.
📍لا يغررك من يقول إنها الضرورة، فالانتقال من اسم مستأجر إلى اسم مالك ليس بضرورة بإجماع المسلمين، وما دمتتستطيع دفع القسط فأنت تقدر على دفع الإيجار، ولو أردت أن تسأل قلبك فسيجيبك وهو يئن: نعم إنه الربا، إنه الحرام، إنهمحاربة الله ورسوله، فلا تخرص قلبك، فإنه لك ناصح وعليك مشفق، ولا تخش من الإيجار فليس فيه من عار.
📍اسأل نفسك سؤالا آخر: لو استطعت أن تسرق مالا وتشتري به بيتا أكنت تفعل؟ ستقول : لا إنها السرقة، فاعلم إذن أنالربا أعظم من السرقة، ولأن تسرق مال غيرك، أهون من مبارزة خالقك: {فأذنوا بحرب من الله ورسوله}.
📍يقولون لا بد من قبر الحياة، وهل الحي يحتاج إلى قبر؟ لو كنت ترى نفسك ميتا وأن حياتك قد انتهت فابحث لك عن قبر،أما الإنسان فهو يعيش متطورا ساعيا متوكلا على الله، وكم رأيت من أناس اشتروا بيتا فكان قبرا بالفعل، وكان فيه شقاؤهمإما بجيران سيئين وإما بحارة فاسدة، وإما بتغير أسباب العيش وتبدل مكان العمل، أما المؤجر فمتى ما ضاق بالجيرانانتقل، ومتى فسد الحي بحث عن حي آخر، فهو في سكن وليس في قبر حياة، فاصبر على الإيجار فليس فيه من عار.
📍الزوجة تحرص على شراء السكن، وتدفع الرجل إلى الاقتراض، وتبالغ في الضغط عليه بأساليب متنوعة، لأن طبيعتهاالخوف من المستقبل، وضعف التوكل، والقلق على مستقبل أبنائها، ولذلك فإن كثيرا من الذين وقعوا في الربا كان بتحريض منزوجاتهم، فانتبه فهي المسكينة لا تفكر في ما ستتعرض له من عذاب الله وسخطه، إنما قلقها على أطفالها وعلى مستقبلها،فكن أنت العاقل، واستحضر غضب الله عليك، ووقفتك بين يديه، فإن زوجتك أول من سيفر منك عند ذلك {يوم يفر المرء من أخيهوأمه وأبيه وصاحبته وبنيه}.
📍أنت لست بحاجة إلى المسكن، أنت بحاجة إلى السكن، وكم من شخص حصل على السكن وفقد المسكن، فلا سكينة فيبيته ولا قرار، إنما هو من صراخ إلى غضب إلى شقاق إلى عقوق، حتى يصير بيته أسوأ مكان يدخل إليه في يومه، وحتىيكون وجوده في البيت لا يتجاوز النوم، فانظر فيم ستفرط إن أقدمت على الربا، ستفرط في المسكن من أجل السكن، ستفرطفي السعادة لأجل الجدران وهذه صفقة خاسرة، قال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعلبينكم مودة ورحمة}، فاشتر بيتا بالربا وأنا أضمن لك أن تفقد الشعور بهذه الآية، فلا تطفئ دفئ الأسرة برياح الربا ولا تقتلسعادتك بيديك…
ستقول لي ما الحل؟
فأقول لك إن الحل في أمور كثيرة…
🎉أولا: الإيجار ليس بعار
فلا بأس أن تبقى في بيت الإيجار إلى أن يأذن الله برزق واسع مدرار، فالله يرزق من يشاء بغير حساب، أي من غير الطرقالتي كنت تتوقعها و تحسبها، فدع حساباتك جانبا، فلله أسبابه وألطافه، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وإنما تخافمن الإيجار لأنك تسيء الظن بالله، وتخشى أن يتركك دون رزق يوما ما، {وظننتم بالله ظن السوء وكنتم قوما بورا} فاطمئنفرزقك على الله، ورزق أبنائك الذين من بعدك على الله كذلك، فلا تخش عليهم فهم في أمان الله، وهو خير من أمانك وأسبابك،ولا تنس أنه هو الرزاق ذو القوة المتين، فحسبك الله {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهمسوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم، إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} ومما يخوف به الشيطان أوليائه الفقر، قالتعالى {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم يؤتي الحكمة من يشاء} ففكربحكمة، ولا تفكر عند أنفك فقط، وثق بوعد الله الذي وعدك الفضل أي الغنا، ولا تثق بإبليس الذي وعدك الفقر، فأول ما ستدخلدار الربا، ستدرك أن ذلك الشعور بالتملك ما هو إلا وهم محض…
🎉ثانيا: البنوك الإسلامية خير من البنوك الربوية
يمكنك إن كنت مضطرا أن تلجأ إلى البنوك التشاركية فهي لا تتعامل بالربا، وإن كانت لا تزال معاملاتها مشوبة ببعضالمخالفات الشرعية إلا إنها ليست الربا الذي فيه حرب الله ورسوله، فمعاملاتها مبنية على أسس شرعية سليمة، ولكنها ليستالقرض الحسن الذي أمر الله به المسلمين، فهي خير الشرين، وأخف الضررين، وأوسع البابين، أما الربا فهو من الموبقاتالسبع التي قال عنها رسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم {اجتنبوا السبع الموبقات –يعني: المهلكات– قلنا: وما هن يا رسولالله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذفالمحصنات الغافلات المؤمنات} فتعلمها وعلمها أولادك يحفظوها منذ الصغر.
🎉ثالثا: القرار بيدنا نحن!
يمكن للناس أن يبحثوا عن حلول بديلة وهي كثيرة وممكنة، ولكن مادام البنك موجودا فلا أحد يريد أن يتعب نفسه في البحثعن حلول أخرى، ومن هذه الحلول الممكنة والتي طبقها الناس:
1️⃣• أن يتوجه رجال الأعمال إلى التعامل المباشر مع الناس، بحيث يأخذوا ضمانات ولا يستلم صاحب الشقة شقته إلا عندمايصل إلى مبلغ محدد يتجاوز مرحلة الخطر، وهذه المعاملة قائمة في كثير من المدن، في الدار البيضاء وفي طنجة، وفيغيرها، وقد يربح صاحب هذه المعاملة أكثر مما يربح غيره إذ له أن يزيد في الثمن مقابل التأجيل، كما يضمن بيع عدد كبيرمن الشقق مقارنة بغيره من المستثمرين، وسوف يوفر على المشتري تلك الزيادة المهولة التي تزيدها عليه المؤسسات البنكيةبنوعيها، وسوف يبارك الله له في ماله لأنه تاجرٌ ومحسنٌ لما يتحمله من المخاطرة في ماله بهذه المعاملة.
2️⃣• أن ينظم التجار والموظفون فيما بينهم نظام “دارت” بمبالغ كبيرة، وهذا متاح للتجار والموظفين الكبار، وهو حل عملييساهم في خلق ثقافة تضامنية وحس أخوي، وكل مجتمع ينمو فيه هذا الحس التضامني يكثر خيره وتزيد بركته ويسعد أهله{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}
3️⃣• أن يقرض الناس بعضهم بعضا بالقرض الحسن، فهو من أعظم القربات التي تقرب إلى الله عز وجل، ففي الحديث “مامن مسلم يقرض مسلما مرتين، إلا كان كصدقتها مرة” يعني إذا أقرضت مرتين، فلك أجر صدقة بنفس المبلغ الذي أقرضته.
4️⃣• أن تنشئ الدولة صناديق للإقراض بدون فوائد، ويمكن لهذه الصناديق أن تقدم سندات بحيث يساهم فيها المجتمعطواعية، فكل من لديه فائض من مال يودعه في تلك الصناديق بأجل محدد، ويكون له بذلك أجر كل من يقترض من ماله، وهذاحل ميسر وممكن وهو من الحلول التي تطرحها الشريعة الإسلامية، التي لو طبقت فلا يبقى في المجتمع فقير.
5️⃣• أن يتوجه أصحاب الزكوات إلى الإغناء بالزكاة، فبدل أن تقسم زكاتك على مائة شخص، اقسمها على خمسة أشخاص،يشتري كل منهم بيتا، فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال “إذا أعطيتم فأغنوا” أي من الصدقة، فإذا كانتوزيعها فيه أجر فإنه أجر منقطع لأن الفقير يستهلكها، أما إذا أعطيت الفقير ما يغنيه فأجرها مستمر لا ينقطع، وتصير عندذلك من الصدقة الجارية التي تبقى بعد موتك.
6️⃣• أن يحيي الناس فكرة الوقف، فيمكن لمجموعة من الأغنياء أن يشتركوا في وقف كبير، ويكون ريعه مخصصا لشراءالبيوت لمتوسطي الدخل على أن يدفعوا قسطا ميسرا يعود على الوقف، بحيث ينمو الوقف ويزيد عدد البيوت التي تشترى كلعام، وهو حل يجمع في طياته الكثير من الخير، فمن جهة هو من الصدقة الجارية ومن أفضل القربات إلى الله، ومن جهةأخرى فإن الوقف ينمو ويزيد وبالتالي فإن عدد الشقق التي ستشترى كل عام سيزيد باطراد، فلو اقتنع عشرة من التجار فيكل مدينة بهذه الفكرة لوضعنا مشاريع عملية تكون بادرة خير لحل مشكلة السكن وتحرير الناس من أفعوان الربا الذي يلتفعلى أعناق المساكين يوما بعد يوم.
7️⃣• على الدولة أن تحرم الربا وتمنع التعامل به وتضيق على البنوك الربوية، فأثر الربا لا يقتصر على الآخذ والمعطي والكاتبوالشهود الملعونون بشكل مباشر، بل يتعدى إلى الأثر على الاقتصاد، فهو أول سبب من أسباب التضخم، وهو سبب زيادةالحنق الاجتماعي بين طبقتي الفقراء والأغنياء، والتي تولد الكثير من مظاهر العنف والسرقة والعدوان، وبسببه تخرب بيوتوتتشتت أسر ويتشرد أبناء، فيزيد عدد المجرمين وتضطرب أحوال الناس، وهو من الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار وذهابالبركة وقلة المطر وانتشار الأمراض، قال صلى الله عليه وآله وسلم “ما انتشر في قوم الزنا والربا، إلا أحلوا بأنفسهم عذابالله” أي العذاب الدنيوي.
💌فأعد حساباتك، وقدم طاعة ربك على كل شيء، واجتهد في الدعاء، وتذكر أن الإيجار ليس بعار…
حفظك الله و زادك توفيقاً