ما مصير زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمدريد؟

26 ديسمبر 2025 07:50

ما مصير زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمدريد؟

هوية بريس – بلال التليدي

منذ أن أعلنت صحيفة THE OBJECTIVE الإسبانية نقلاً عن مصادر حكومية رسمية خبر زيارة رسمية محتملة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى مدريد، والأنباءُ تتضارب حول مصير هذه الزيارة وأهدافها وفي أي سياق تندرج.
رسمياً، الجزائر لم تؤكد ولم تنف ما نقلته الصحيفة الإسبانية، وظلّت الأمور على هذه حتى انعقدت اللجنة العليا في الثالث والرابع من ديسمبر الجاري، لتنقل إحدى المواقع الإعلامية الجزائرية بعد نشر البيان الختامي لهذا الاجتماع رفيع المستوى، أنباءً عن تعليق الزيارة بشكل كلي.

لحد الآن لا نستطيع أن نتوقع على وجه الدقة هل ستتم الزيارة أم لا، فالتحليلات التي تميل إلى إلغاء الزيارة، تستند إلى وجهة نظر ترى أن أجندة الجزائر تضع على رأس جدول أعمال هذه الزيارة إحداثَ تغيير في موقف حكومة بيدرو سانشيز في موضوع تسوية النزاع في الصحراء لجهة دعم تفسير الجزائر لقرار مجلس الأمن 2797، لكن التطورات التي حصلت منذ رسالة رئيس الوزراء الإسباني الموجهة إلى ملك المغرب التي دعم فيها مقترح المغرب للحكم الذاتي (2022)، تؤكد بأن الجزائر هي التي تكيفت مع الموقف الإسباني وليس العكس، فالجزائر التي فرضت قيوداً على التبادل التجاري بين البلدين بقصد معاقبة مدريد، هي التي اضطرت في نهاية المطاف أن تلغيها، دون أن تغيّر مدريد موقفها من قضية الصحراء، وما ذكره وزير الخارجية أحمد عطاف، أو الرئيس عبد المجيد تبون، بخصوص اضطرار مدريد إلى تصحيح موقفها وعودتها لشرعية القانون الدولي في موضوع الصحراء (العودة لبيت الطاعة)، كانت في الواقع مجرد تصريحات للداخل، بقصد تبرير العودة إلى علاقات طبيعية مع مدريد بعد قرارها دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، وما يؤكد ذلك أن الصحف الجزائرية التي نقلت أنباء عن تعليق الزيارة، احتجّت بما صدر عن البيان الختامي للجنة العليا المغربية الإسبانية، وقالت عنه بأنه كُتب بقلم ومداد مغربيين، وأن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لم يفعل أكثر من إضافة توقيعه.

في واقع الأمر، لا نميل إلى هذه القراءة، التي ترى أن الجزائر كانت تؤمل من هذه الزيارة إحداث تغيير في موقف حكومة بيدرو سانشيز، بدليل أن علاقتها مع إسبانيا لم تتوقف عند حدود إلغاء القيود التجارية على المنتجات الإسبانية، بل راحت إلى أبعد من ذلك، فقد وقّعت اتفاقاً للتعاون الأمني مع مدريد في شهر أكتوبر من هذه السنة، يخص بالدرجة الأولى المطالب الإسبانية في محاربة الهجرة غير النظامية وقضايا الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.
والظاهر من نسق تطور العلاقة الإسبانية الجزائرية أنها كانت تسير في اتجاه مزيد من الترميم والتقدم دون أن يتغير موقف مدريد.

تحليل السياق بشكل دقيق، يفيد بأن كل طرف يحتاج إلى الآخر بغضّ النظر عن موضوع الصحراء وموقف مدريد الداعم للمقترح المغربي للحكم الذاتي، فإسبانيا، تبحث عن توازن حساس في إدارة علاقاتها مع كلٍ من المغرب والجزائر، وهي تسعى إلى أن تطور علاقتها مع الجزائر على إيقاع موقفها الجديد من الصحراء، لا أن تقبل أن يكون تغيير الموقف من الصحراء شرطاً لتطوير علاقتها مع الجزائر، وهي في الآن ذاته، تسعى إلى تلبية حاجتها من الطاقة، في واقع من الهشاشة يطبع أسواق الطاقة الدولية.

بينما الجزائر، تبدو أكثر حاجة إلى إسبانيا، وذلك من أكثر من جهة، أولها أنها تريد أن تجعل من قوة العلاقة مع مدريد سلاحاً في الضغط على باريس التي تمضي بعلاقتها الدبلوماسية مع الجزائر خطوات تصعيدية، وثانيها، أنها تريد أن تخفف من عزلتها الدولية، وتبحث عن حليف مؤثر في الاتحاد الأوروبي، يستطيع أن يخفف عنها الضغوط الأوروبية والأمريكية على السواء، والثالث، أنها تضع في سيناريوهاتها الاستثمار في شريك أوروبي، يمكن أن يعينها في الحوار مع المغرب، في حال مارست الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطاً شديدة عليها، فحديث المبعوث الشخصي السابق للأمين العام عن قضية الصحراء الشرقية، وكيف استثمرت الجزائر النزاع حول الصحراء للتغطية على هذا الموضوع، أزعج الجزائر، ونبهها إلى إمكان استعمال هذه الورقة في التفاوض معها لتسوية التوتر مع المغرب، ثم تسوية النزاع حول الصحراء وفقا لمقترح الحكم الذاتي.

الإشارات الجزئية الدالة، لا تسمح بأي استنتاج في هذا الاتجاه أو ذلك، ففي قصر المرادية، تم تسلم أوراق نهاية الاعتماد للسفير الإسباني الحالي فرناندو موران كالفو- سوتيلو في انتظار أن تصادق الحكومة الإسبانية على تعيين راميرو فرنانديز باتشييير سفيراً جديداً لها في الجزائر الذي ترجو من خلاله طي صفحة الخلاف الذي تفجّر بين البلدين على خلفية دعم مدريد للمقترح المغربي للحكم الذاتي سنة 2022.

في السابق كانت الورقة الطاقية مركزية في تحركات الجزائر الدولية، لكن يبدو أن فشلها في جني ثمار تعليق أنبوب الغاز ميد غاز سنة 2021، وفرض القيود التجارية على مدريد، جعل أقصى أفق الزيارة يتجه لشيء آخر، وأن دور الطاقة فيه، لم يعد يفيد في إحداث تغيير استراتيجي في الموقف.

تقديري أن التفسير الأقرب الذي يبين سبب عدم إعلان أي موقف من الزيارة إيجاباً أو نفياً، إثباتاً أو تعليقاً، يتعلق بطلب الجزائر لدور إسباني يساعدها على تخفيف الضغط الأمريكي في موضوع الحوار المغربي الجزائري، إذ على الرغم من التعديلات القانونية التي قامت بها الجزائر لتسهيل الاستثمارات الأجنبية في مجال المعادن كمحاولة منها لجر واشنطن إلى مربعها، إلا أنه من الواضح، سواء من خلال دينامية مسعد بولس مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأيضاً من خلال تصريحات للمبعوث الشخصي السابق للأمين العام كريستوفر روس، أن واشنطن استعملت أو بصدد استعمال ورقة الصحراء الشرقية للضغط على الجزائر لتسوية مشكلتها مع المغرب، والمساعدة بوصفها طرفاً معنياً في تسوية نزاع الصحراء وفقا للمقترح المغربي للحكم الذاتي.

قد يتم الاعتراض على هذا الاستنتاج بما سبق أن صرّح به المسؤولون الجزائريون بأنهم لا يقبلون الوساطة في هذا الموضوع، وبما ورد في تقارير إعلامية ذات مصداقية أنّ دولاً خليجية توسّطت لحل الخلافات بين المغرب والجزائر وأن الجزائر رفضت، وهو اعتراض صحيح، لكنه يخص الوساطة الخليجية، التي تشعر الجزائر بأنها تخدم رؤية المغرب، في حين من الواضح، أن الجزائر، تراهن على مدريد لخدمة أحد سيناريوهين: إما مساعدتها على المدى القريب في ملف الحوار مع المغرب وتسوية ملف الصحراء، أو الاستثمار في تقوية العلاقات معها في انتظار تغيّر مشهدها السياسي بما يطيح بحكومة بيدرو سانشيز في الانتخابات التشريعية لسنة 2027 وبما يخدم مصلحة صعود حكومة داعمة للموقف الجزائري من نزاع الصحراء.

في المحصلة، الزمن لا يسمح بكل هذا المدى من الوقت (إلى حدود انتخابات 2027) فواقع العزلة الدولية للجزائر، تُرجّح سيناريو الطلب على مدريد شريكاً في مواجهة الضغط الفرنسي والأوروبي، ولتكون وسيطاً ذا مصداقية، يساعدها حتى تضمن الجزائر بأن طي صفحة توترها مع المغرب، سيؤمن لها استمرار النظام السياسي، ووحدة الأراضي الجزائرية، واندماجها الطبيعي في محيطها الدولي والإقليمي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
15°
السبت
15°
أحد
15°
الإثنين
15°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة