ما نصيب المرأة الغربية من معنى الإنسانية؟
هوية بريس – د. عبد الله الشارف
إن المرأة الأوربية، فيما يثبت المؤرخون الغربيون، عانت صنوفا من الرق والعبودية طوال تاريخ الإمبراطورية الرومانية، ثم بعد ذلك على امتداد العصور الوسطى النصرانية. بل اعتبرت الكنيسة المسيحية، خلال قرون طويلة، المرأة شيطانا وليس إنسانا. وهذا أمر متداول في الأدبيات الأوربية الوسطى. ولما بدأت هذه الشعوب تتحسس طريق النهضة في فجر القرن الخامس عشر، توالت الحركات الأدبية والفلسفية في كل من إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، ثم بزغت الثورة العلمية في انجلترا.
ومع تطور البروتستانية ومجيء الثورة الفرنسية بشعارات الإخاء، والحرية، والمساواة، حينذاك بدأت الأنثى تتنفس الصعداء، وتتطلع إلى مستقبل خال من القيود والعبودية. ومع كل هذه الثورات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي استمرت على مسيرة أربعة قرون، لم ينظر الرجل الأوربي في موضوع المرأة نظرة تأمل واستبصار، إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
“ويذهب كولان سميت في كتابه عن ستيوارت ميل الفيلسوف الإنجليزي، ورجل السياسة والقانون، إلى أن هذا الأخير كان أول أوربي استطاع أن يخرق الصمت المحيط بالمرأة، ويدافع عنها في البرلمان الإنجليزي، وذلك سنة 1867 بعد أن ألف كتابه “استعباد النساء”. بل طلب من النواب إبدال لفظ الإنسان homme بلفظ الشخص personne لأن كلمة الإنسان homme كما هو معلوم، يطلقها الغربيون على الإنسان والرجل على حد سواء، مما جعل الرجل ينفرد بمعنى الإنسانية إلى حد ما”.
إن استعباد المرأة الغربية لا زال قائما إلى يوم الناس هذا؛ فقد خرب الرجل الغربي المادي المتكبر بيت المرأة، وزج بها في أتون الشركات والمعامل والإدارات، وأرهق بدنها وعقلها، وحرمها من أمومتها وتربية أبنائها، وفرض عليها الماكياج والتبرج والعري، كي يزني بها ويفسدها من شاء من الرجال، أو يلهو بها كما تلهو الأطفال بالدمى. وفي الوقت نفسه يسخر منها موهما إياها أنها متحررة، وأنها مثله ومساوية له في الحقوق والإنسانية.
لقد داس كرامتها ومسخ جوهرها وأنوثتها وعذبها أيما عذاب. وليطلع من يشاء على المعاناة النفسية والبدنية للمرأة الغربية العاملة، واستغلالها من طرف أرباب العمل والمدراء والمسؤولين والرأسماليين، رغم الأجور المغرية والتغطية الصحية، والحرية المزيفة.
إن الرجل الغربي كان ولا يزال يعتبر نفسه وحده إنسانا، ويخرج، شعوريا أو لا شعوريا، المرأة من دائرة الإنسانية، وبذلك تنطق لغته كما أشار الفيلسوف ستيوارت ميل الذي رفض طلبه في البرلمان الإنجليزي، وبقي لفظ الإنسان homme يطلق على الرجل وحده، ويسمى به جوهرا وماهية، فعلاقة الرجل الغربي بمفهوم الإنسانية علاقة خصوص وعموم، في حين تظل علاقة المرأة الغربية بالمفهوم ذاته علاقة عموم فقط.