ما هي الاعتبارات التي غيرت الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية؟
هوية بريس – متابعات
كشف مصطفى اليحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العامة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن موقف الحكومة الإسبانية من قضية الصحراء المغربية تتدخل فيه عدة عوامل؛ على رأسها السياق الجيو سياسي والاقتصادي الحالي.
أكد اليحياوي أن جميع العوامل الموجودة في الوقت الحالي تؤكد أن المصالح الجيو سياسية لإسبانيا تمر حتما عبر بوابة المغرب، موضحا، في تصريح للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، أن سياق الحرب الروسية الأوكرانية، والزيارة الأخيرة لويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأمريكي التي أكدت أن الخيار الوحيد في هذه المرحلة هو مقترح الحكم الذاتي، كلها عوامل ساهمت في جعل إسبانيا تعلن عن موقف صريح تجاه ملف الصحراء المغربية.
تطورات الأمن الطاقي
كما يرى الأستاذ الجامعي، أنه من مصلحة إسبانيا، بعد حل المشاكل التي كانت قائمة بين ألمانيا والمغرب، تحسين علاقتها مع المملكة، والإعلان عن مساندة مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 كحل وحيد لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
من جهة أخرى، تطرق اليحياوي إلى التطورات المستقبلية للأمن الطاقي في أوروبا، وذلك بعدما أدى النزاع في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، ودعوة بعض الدول الأوروبية إلى وضع استراتيجية مشتركة في الاتحاد الأوروبي لضمان هذا الأمن.
وتابع أن مشروع أنبوب الغاز الكبير الذي يهم ربط نيجيريا بالمغرب سوف يؤمن جزءا تعويضيا كبيرا للموارد الطاقية الروسية.
كما أوضح اليحاوي أن توجه أوروبا سيهم نقل مصادر الطاقة خاصة على مستوى الغاز من شرق أوروبا إلى غربها، وتحديدا من إسبانيا، “بمعنى أن الميناء الرئيسي لتزويد أوروبا الغربية بالغاز المسال موجود في إسبانيا، وهذه المنشآت لا يمكن أن تتطور إلا عبر ربطها بطموحات المشروع المغربي النيجيري في ما يخص الغاز الطبيعي”.
كما يأتي الموقف الإسباني في وقت يعتزم فيه المغرب دخول أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية في أبريل المقبل باستخدام البنية التحتية القائمة.
وأكد الأستاذ الجامعي، في السياق ذاته، أن هذا الأمر يجعل إسبانيا من ناحية المصالح الاقتصادية مرهونة بتطوير وتحسين علاقاتها مع المغرب.
نقطة عبور أساسية نحو إفريقيا
كما ذهب إلى أن المغرب يلعب أدوارا طلائعية على مستوى تأمين ثورة اقتصادية على الصعيد الإفريقي، مشيرا إلى أن المملكة تشكل نقطة عبور أساسية نحو إفريقيا.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يغض الطرف عن النظرية الجيو سياسية للمغرب، لكونه سيؤمن له كل المصالح الاقتصادية والسياسية، وسيضمن عبورا سلسا نحو الأسواق الإفريقية، مبرزا أن السوق الإفريقية ستشكل على المديين المتوسط والبعيد، نسبة مئوية كبيرة من استهلاك الاقتصاد العالمي.
ويعتقد اليحياوي أن البنيات التحتية على مستوى الملاحة التجارية خصوصا ما بعد تأهيل ميناء أكادير وتطوير ميناء الداخلة، من العوامل الأساسية أيضا في تحسين العلاقة مع المملكة، مشيرا إلى أن نسبة كبيرة من التجارة العالمية تقوم على الملاحة البحرية، “ولا يمكن للبنيات والتجهيزات الملاحية على مستوى إسبانيا أن تشتغل بطاقة كبيرة بدون أن تتكامل مع شبكة التجهيزات التي يمكن تأمينها على مستوى المحيط الأطلسي بالمغرب”.
كما توجد مسألة أخرى تعد عاملا حاسما في اتخاذ موقف صريح تجاه قضية الصحراء المغربية، يضيف الأستاذ الجامعي، تكمن في تطوير العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية على مستوى الأمن الطاقي مع المملكة المتحدة، مبرزا أن المغرب يطور في الوقت الحالي تجربة رائدة على مستوى الطاقة النظيفة، والدراسات متقدمة لتزويد جزء من السوق البريطاني من هذه الطاقة، عبر تطوير القناة البحرية.
وأكد المتحدث ذاته أن هذه العوامل كلها تثبت أن نقطة العبور لكافة المصالح الاقتصادية هي المغرب، “وكلما توسعت المصالح المغربية وشراكاته مع بلدان أخرى على المستوى الأوروبي، كلما أحست إسبانيا بضرورة انصهارها واندماجها السياسي في هذه الدينامية التي قطع فيها المغرب مراحل كبيرة على مستوى التصور الجيو سياسي”.
كما أشار إلى أن الاستقرار الذي تعرفه المملكة وصلابة وقوة المناعة المؤسساتية في تجاوز الأزمات، التي أثبتتها التقارير الأخيرة المتعلقة بجائحة كورونا، تؤكد أن المغرب ليس بلدا عاديا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وأنه مرشح ليكون نقطة عبور استراتيجية لأوروبا نحو باقي البلدان الإفريقية.