ما وراء مسابقات تجويد القرآن في إيران (شهادة متسابق)
حامد الإدريسي
طفل يافع، متطلع إلى الأفق، يحب الأسفار، كان له نصيب من القرآن الكريم وتجويده، وكان هذا النصيب سبب مشاركته في الكثير من المسابقات المحلية والدولية، إلى أن طرقت سمعه مسابقة إيران للقرآن الكريم.
وكغيره من القراء لم يكن يهمه أين ستقام المسابقة، بقدر ما يهمه أن يحسن قراءته ويراجع محفوظاته، وهكذا بدأت استعداداتي للرحلة إلى طهران، وبدأ الخيال يجول وإن كان خيال طفل صغير لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر، وكان ما أجريته من حوارات مع من حولي حول إيران لا يتجاوز الكلام السطحي الذي يدل على جهل كبير بهذه البلاد وبهذا المذهب، حيث لم يكن في ذلك العهد لأهل المغرب اطلاع على هذا التشيع وخطورته وتفاصيل عقائده ، بل كل ما كان يقال إن الشيعة اليوم ليسوا هم الشيعة بالأمس، وأنها دولة إسلامية تقيم الشريعة وترفع راية الإسلام، رغم الاختلافات الطفيفة بيننا وبينهم.
كان ذلك سنة 1996 ميلادية وكانت آذان المغاربة لا تزال محشوة بالكلام الجميل الذي صاغته العاطفة الإسلامية عن الخميني ودولته الموعودة، وكان الجهل بالمذهب وحسن الظن الذي يميز العقل الجمعي المغربي هي الصورة التي ارتسمت في مخيلتي عن المذهب قبل ركوبي إلى الطائرة وتوجهي برفقة أحد المتسابقين ورفقة رجل من وزارة الأوقاف كان مكلفا بمرافقتنا. وبعد رحلة طويلة نزلت الطائرة في مطار الخميني في طهران، وكان المشهد المهيب الذي أذهلنا ونحن نازلون، مشهد الطائرات الحربية المتراصة التي تملأ المطار، وذلك الجو العسكري الكئيب الذي يجعلك تشعر كأنك في دولة من دول روسيا الاتحادية آنذاك، وكان الاستقبال في المطار حافلا، ثم نقلنا عبر حافلة محروسة بالأمن إلى مسكن شديد التحصين عليه حراس ورشاشات، وكان ذلك من دواعي استغرابي، ثم علمت فيما بعد أنهم يتخوفون من ردود فعل المتشددين، ولذلك كان ممنوعا علينا مغادرة المبنى إلا مع الوفد وتحت الحراسة.
كان السكن عبارة عن مبنى خصص لاستقبال وتدريب المدرسين، وكان متواضعا في الفرش وفي الطعام، لكن كان أهم ما في الموضوع هو الشخص المكلف بمرافقتنا تحت مسمى مترجم، فقد كان لكل وفد من شخصين مترجم مرافق لهم صباح مساء، يأكل معنا ويرافقنا في قاعة المسابقة وفي السوق وفي كل الأنشطة، بل يجالسنا في الغرفة إلى أن يقترب موعد النوم ثم ينصرف ليعود في اليوم التالي…
كان هذا الشاب ساحرا بكل ما تعنيه الكلمة من معاني، كان وسيما مؤدبا دمث الأخلاق، علمت فيما بعد من صحبتي معه أنه خريج الحوزة العلمية في قم، ولم يكن يقحم نفسه معنا في حوار مباشر، إنما كان يكتفي بالإجابات المقتضبة على أسئلتنا ويستغل الفرصة لغرس الأثر النفسي الطيب الذي لا زلت أحسه إلى الآن، وبالفعل لقد كان مختارا بعناية فائقة لمهمة محددة. كنا نقضي يومنا في المسابقة ولكن كانت الكلمات التي تلقى والزيارات التي تبرمج لنا تهدف كلها إلى إرساء مبدأ التقارب بين السنة والشيعة، وكان يتوارد علينا كل يوم محاضر من معمميهم يحدثنا عن أن المذهب الشيعي هو المذهب الخامس من مذاهب الإسلام، وأن الاتحاد بين االمسلمين أصبح ضرورة، وأن ما يشاع عن الشيعة من أقوال إنما هو أكاذيب يلقيها أعداء الإسلام من أجل التفريق بين المسلمين.
وقد أشبعونا بهذه الفكرة إلى حد الاقتناع التام، وعدت وأنا أقول إن المذهب الشيعي قد افتري عليه كثيرا وأن الشيعة اليوم غير الشيعة الأمس، وكان من أسباب ذلك ما كنا لدينا من معلومات خاطئة عن الشيعة، كزعمنا أنهم ينسبون الرسالة إلى علي رضي الله عنه، ويقولون في تسليمتهم: خان الأمين خان الأمين، فكانت مثل هذه المعلومات الخاطئة التي يتم تفنيدها من طرفهم ويجعلنا في موقف محرج يسهل عليهم إقناعنا بأن مذهبهم مفترى عليه، وهكذا كان منهجهم في أغلب المواضيع التي كنا نسمعها عنهم، كالمتعة وسب الصحابة، فإنهم كانوا ينفون ذلك غاية النفي، وما كان منا أمام أخلاقهم الطيبة إلا أن نصدق ذلك ونعود بقلوب مسلوبة وعقول مطمئنة إلى أن هذا المذهب مفترى عليه.
لقد كانت زياراتنا للمشاهد والأضرحة وخصوصا سفرنا الطويل إلى مدينة مشهد من أجل زيارة قبر الرضى مما ترك في أنفسنا أثرا عكسيا، فقد كانت المشاهد بشعة إلى درجة التقزز، وكانت الأضرحة تفوح بالشرك والخرافة، وكان النساء والرجال في هذه الأضرحة يدخنون دون استحياء، وكانت المشاهد مفزعة لكل موحد، ولكن رغم ذلك فقد كان الإبهار قد وصل بنا إلى درجة نتغاضى فيها عن مثل هذه السلبيات، وخصوصا أن مرافقنا المغربي لم يكن لديه من المعرفة شيء، بل لم يكن يحدثنا في شيء أصلا، لقد كان شخصا إداريا لا يهتم إلا بالمظهر والملبس، بينما كان المضيفون أشخاصا على مستوى عال من الكفاءة والتأثير.
حدثنا المترجم يوما عن الدراسة في إيران، وقدم لنا أوراق القبول، وأكد لنا أن باستطاعتنا أن ندرس ما نريد، وأنهم لا يهتمون لطبيعة مذهبنا أو اختيارنا الدراسي، فكل الخيارات متاحة من الطب إلى الرياضيات إلى الشريعة، وقد كان هذا الخبر بالنسبة لي في تلك السن غير ذي قيمة لأنني لا زلت بعيدا عن هذا، إلا أنه كان خبرا فارقا بالنسبة لبعض المشاركين الذين رأوها فرصة لا تعوض.
وأخيرا حين اقترب موعد السفر زودونا بمجموعة من الكتب المتخصصة في إثارة الشبهات وخلخلة عقيدة أهل السنة والجماعة، وكان من بينها كتاب المراجعات الذي بقي في مكتبتي سنوات طويلة، وكنت أنظر فيه بين الفينة والأخرى، ولكن كان ذلك بفضل الله من أسباب اهتمامي بالمذهب الشيعي واشتغالي به فترة من الزمان إلى أن درسته بعمق وعدت إلى قم سنة 2006 في إطار بحثي في الماجستير حول التشيع في المغرب بين الماضي والحاضر، وبعد رجوعي نشرت كتابي الفاضح لمذهب الشيعة والذي لقي قبولا بفضل الله كوني كتبت من الداخل ونقلت من كتب الحوزة العلمية التي تدرس وحكيت حوارات مع مجموعة من المعممين، مما جعل الكتاب يتحدث عن واقع معاش وليس عن نقولات ونصوص ومرويات، ثم نشرت كتابي الثاني: الناصح الأمين لشيعة أمير المؤمنين، واكتشفت كم هم غارقون في الضلال.
هذا والحمد لله الذي حفظنا ببركة القرآن الكريم من هذا الخطر العظيم، والله نسأل أن يحفظ أمتنا وبلادنا من هؤلاء المفسدين…