“مبلغ النوار” في عقد المرابحة للأبناك التشاركية: هل تبقى المرابحة صحيحة أم تتحول إلى قرض بزيادة؟

هوية بريس – د.رشيد بن كيران
مبلغ النوار (noire) في عقد المرابحة للأبناك التشاركية: هل تبقى المرابحة صحيحة أم تتحول إلى قرض بزيادة؟
تثار في السنوات الأخيرة أسئلة متكررة حول حكم دفع ما يعرف في العرف المغربي بـمـبـلغ “النوار” الذي يقدمه المشتري لصاحب المنزل الأصلي في سياق معاملة المرابحة مع بنك تشاركي.
وصورة المسألة أن المشتري يتقدم إلى البنك التشاركي لشراء منزل عن طريق المرابحة، فيقوم البنك أولا بشراء المنزل من مالكه الأصلي، ثم يبيعه للمشتري مرابحة بعد تملكه له. غير أن بعض المقاولين أو بعض مالكي العقار يشترطون على المشتري دفع جزء من الثمن “نوار” خارج العقد، بحيث يظهر أمام البنك أن السعر أقل من حقيقة ما تم الاتفاق عليه سرا.
ومن المهم هنا التأكيد أن السؤال لا يتعلق بحكم التهرب الضريبي، وإنما يتعلق بحكم شراء المنزل بعقد المرابحة من البنك التشاركي في ظل وجود مبلغ “النوار” الذي يدفعه المشتري للبائع الأصلي خارج مسار العقد الشرعي.
◆ من الوجهة الفقهية، يعدّ هذا المبلغ مفسدا للعقد ونافيا لحقيقته الشرعية؛ لأنه في التوصيف الشرعي جزء من الثمن الحقيقي للعقار (عربون). فالبنك يشتري المنزل على أساس أن المالك الأصلي لا يطلب إلا السعر المعلن (=الناقص عن الثمن الحقيقي بمقدار النوار)، بينما الحقيقة أن جزءا من الثمن يدفعه المشتري مباشرة للبائع خارج علم البنك أو برضاه الضمني.
■ وهذا يسقط معه شرط ضروري في المرابحة، وهو الشفافية الكاملة في ثمن الشراء الأول؛ لأنها من بيوع الأمانة. إذ إن البنك يدخل إلى المعاملة بناء على ثمن غير حقيقي، فيقع الغرر والكذب، وتتحوّل العملية من مرابحة حقيقية مبناها الصدق والبيان إلى صورة شكلية تؤول إلى تمويل نقدي (=قرض) يقدمه البنك للمشتري مقابل زيادة، لا إلى بيع مرابحة قائم على تملك حقيقي بثمن معلوم.
◆ وبناء على ذلك، فإن المعاملة تخرج عن حقيقتها الشرعية، وتصبح أقرب إلى القرض بزيادة؛ لأن البنك لا يملك حقيقة الدار بثمنها الحقيقي، بل يدخل في عقد مبني على كتمان جزء من الثمن، وهو ما نهى عنه الفقهاء وعدوه من الكذب والتحايل ومخالفة روح العقود الشرعية. والعبرة في الشرع بحقائق العقود ومعانيها، لا بمجرد صورها وأشكالها.
◆ وإذا اعتبرنا مبلغ النوار في حكم العربون الذي دفعه المشتري للمالك الأصلي، وهو التوصيف الأقرب من جهة الفقه، فإن ملكية المبيع تنتقل حكما إلى دافع العربون باعتباره المشتري الأول. وحينئذ لا يستقيم شرعا أن يبرم البنك عقد شراء مع بائع لم يعد مالكا للعين، ثم يعيد بيعها لمن أصبح مالكا لها بالعربون؛ إذ بيع غير المالك وشراؤه من المالك نفسه كلاهما باطل لانتفاء محل العقد وانعدام الملكية المعتبرة.
وعليه، فهذه المعاملة غير جائزة شرعا، لاشتمالها على:
1. كتمان جزء من ثمن الشراء الحقيقي وهو مخل بعقد المرابحة.
2. الإخلال بشرط الصدق والأمانة الذي تقوم عليه المرابحة.
3. تحويل العقد من بيع مرابحة إلى معاملة صورية ظاهرها البيع وباطنها الإقراض بزيادة.
4. التلاعب بالحقائق الشرعية وانتهاك حدودها، ومنها شراء البنك عينا من غير مالكها شرعا.
وختاما، في ضوء ما سبق، يتبين أن إدخال مبلغ “النوار” يفسد صيغة المرابحة الآمر بالشراء من أصلها ويزيل عنها حقيقتها الشرعية. وتنقلب المعاملة بذلك إلى صورة تمويل بزيادة لا تحقق مقصود البيع الشرعي ولا تستوفي شروطه.
والله أعلم.



