متـى يُطفِئُ عُقلاء قومٍ نيرانًا لِـلْحرْبِ يُؤجِّجُها فتيةٌ سفهاء؟؟

هوية بريس – الحسن ولد ماديك(*)

يحرصُ السفهاءُ في كل مِصرٍ وعصْرٍ على قَلْبِ طمأنينة المجتمع بالحَرْبِ وليفْرِضُوا بالقَتْلِ وتمزيقِ العامّة وظهور لاجئين مشرَّدِينَ واقِعا جديدا يتكسّبون به أموالا وجاها وسيادةً.

ويحرصُ العقلاء في كل مِصْرٍ وعصْرٍ على استبقاء ما تبقَّـى للعامّة ـ أيًّا كانوا وكيف دانُوا ـ مِن طمأنينة واستقرار حِرْصًا تلزَمُ معهُ البراءةُ مِن مُوافقة البُغاةِ ومِن خِدْمةِ الطغاةِ بالقَوْلِ على اللهِ كَذِبًا تشرِيعَهُ مُباركَةَ الْـخَطفِ والتعذيبِ والتمْزيقِ والتشريدِ وتمويلِ حروبٍ فاجِرةٍ وكَافِرَةٍ بِـحَقِّ كُلِّ شعْبٍ في السِّلْمِ والاستقرار.

واليوم يُؤَذِّنُ السفهاءُ بِـحَرْبٍ شامِلَةٍ قُربَ حدود موريتانيا الشمالية مِن جهة المغرب بأذَانٍ: ظاهِرُه الدعوة لِـتحرير الصّحراء مِن الاحتلال المغربي. وباطنُهُ السَّعْىُ لإقرار تقسيمٍ وتمزيقٍ في المنطقة أكبرُ مـما فرضه المستعمر عقِب اتفاقية سايس ـ بيكو الظالمة المشؤومة.

والأصلُ فِـي سلوك الحكماء المبادرة إلى التكتل والوِحدة كما في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرِها.

إنّ اعتماد وِحدةِ اللهجة لتعريفِ الدَّولة ذات النظام السياسي الواحدِ لَمِعيارٌ قاصِرٌ:

ـ لثبوتِ قصورِه عن إنشاءِ دولةٍ تجمع شملَ البيظان في موريتانيا والمغرب والجزائر وشمال مالي والنيجر.

ـ ولِثبوت قصورِه عن إنشاءِ دَوْلةِ تجمع شمل الأمازيغ في موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا.

ولثبوتِ قُصورِه عن إنشاء دولة الشعب الأردي في أفغانستان وباكستان والهند وإيران.

ـ ولثُبوتِ قصورِهِ عن رَفْعِ الحِصارِ الاقتصادي وقصوره عن صِلة الأرحام الْـمُقطَّعة بين الشعبِ الواحِد في السعودية وقطر والإمارات والبحرين واليمن.

ولنا أن نتساءلَ:

أوَ حَقًّا تحتلُّ المغرب منطقة الصحراء؟

أو ما على المؤَذِّنين بالحرب لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذّهب مِن عِتابٍ؟

أم أنّ البوليزاريو قد ملكتها أيمان غيرِها مِن المتربِّصِينَ باستقرار المنطقة ووِحدتها وتنميتِها؟

ولنا أن نستعرضَ مظاهِرَ الاحتلال فِـي الساقية الحمراء ووادي الذهب:

ومِنها الإخراجُ مِن الديارِ وهَدْمُهَا والواقِعُ أنّ الحكومات المغربية ظلَّتْ ولا تزال تدْعَمُ الصحراويين وتشجِّعُهم على الاستقرار في مناطِقِهم بِـمَنحِ كلٍّ منهم منزلا مهيَّأ كريمًا في بيئة صِحِّيَّةٍ اكتملت بُناهَا التحتيّة.

ومِنها القهْرُ والإذلالُ والواقِعُ ـ الذِي شَهِدتُه وأشهدُ بِهِ ـ وتَـمَنَّيْتُ إثْرَه أن لو كنتُ صحراوِيًا ـ أنّ القوانين المعمولَ بِها في مخافِرِ الشرطة والدرك الملكي تقضي باعتبارِ المغربي غير الصحراوي ظالِـمًا مُعْتَدِيًا في كل نِزاعٍ بينه وبين المغربي الصحراويّ، واعترَفَ لـي بهذا الواقِعِ صحراويون في العيون والداخلة اعترافا صريحا لا مجاملة فيه.

ومِنها الاستغلال والسُّخْرَةُ وارتفاعُ الضرائب والواقِعُ أنّ جميع الأسعار مخفضة في امتداد المناطِقِ الصحراوية لإعفاء البضائع والسِّلَعِ من الضرائب.

وعجبي مِن الانفصاليِّين الصحراويين كيف لم يبدأوا بتحرير الإنسان المشرَّدِ في مخيمات تيندوف وليلتحِقَ بالإنسان المُكرَّمِ في موطِنِه بالساقية الحمراء ووادي الذهب.

وعجبي مِن دعاة القومية العربية ذوي الفضائحِ التـي يُنسِي بعضُها بعضا في كل مرَّةٍ بِـمَخْرَقَةٍ أكبرُ مِن أختِها بالأمس.

بالأمسِ تآمَرَ البعثُ العربي السوري على البعث العربي العراقي وتمكّن البعث السوري بتمزيق العراق وتقديمِه هديّة سائغة للاحتلال الصفوي الأمريكي.

واليوم تصدَحُ وتصدَعُ حناجرُ سادةِ البعثِ الموريتاني لإقرار تقسيم الْـمُقَسَّمِ وتجزئة الْـمُجَزَّإِ باعتبار انسحاب موريتانيا 1978 من الداخلة ووادي الذّهب فَلْتَةٌ سياسيةٌ تُتاحُ مراجعتُه عند الاقتضاء، وليس موقفا مبدئيا ثابتا.

أدعو ساسة موريتانيا إلى شَرَفِ إطفاء الحرْبِ بين الشعب الواحد ولِتفادِي امتدادِ شَرِرِها وحَرِيقِها الذِي يصعُبُ إطفاؤُهُ يوم يشتعل في سبيلِ مرضاةِ شياطين الإنسِ تجَّارِ الأسلحة أعداءِ البشريّة.

—————————
(*) الحسن ولد ماديك: باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة، رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات