مجزرة دير ياسين هدفت لإرهاب الفلسطينيين ودفعهم للرحيل (إطار)
هوية بريس – وكالات
لم يتبق من قرية دير ياسين الفلسطينية، القريبة من مدينة القدس، سوى مبنى تستخدمه مؤسسة إسرائيلية كمشفى للأمراض العقلية، وبعض المنازل القديمة التي يقيم فيها يهود، فيما تم هدم ما تبقى من مبانيها، بعد ارتكاب واحدة من أبشع المجازر الإسرائيلية فيها، بتاريخ 9 إبريل 1948.
واليوم بعد 70 عاما من مجزرة ارتكبتها قوة صهيونية ضد سكانها، تحول اسم “دير ياسين” العربي، إلى “جفعات شاؤول”.
وقال خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، لوكالة الأناضول:” تم توسيع حي جفعات شاؤول الاستيطاني ليشمل قرية دير ياسين، وهي تشمل الآن منطقة صناعية كبيرة”.
وأضاف:” ما تبقى من المنازل يُقيم فيه يهود الآن، والمحال التجارية تم تحويلها إلى منشآت تجارية، في حين أن مقبرة القرية اختفت تماما، بفعل إسرائيلي، ويتم استخدام مبنى كبير كمستشفى للأمراض العقلية”.
وتابع التفكجي:” تم تهجير السكان الفلسطينيين تماما من القرية عام 1948″.
وفي فجر التاسع من إبريل 1948 كانت قوات عصابات “اتسيل” اليهودية تتقدم نحو القرية الفلسطينية، وقتلت في غضون عدة ساعات أكثر من 100 فلسطيني، في عملية ترهيب انتهت بتهجير جميع سكان القرية الذين كان عددهم قبل المجزرة يزيد عن 600.
قال د.صالح عبد الجواد، المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية والتاريخ في جامعة بيرزيت، لوكالة الأناضول:” بدأت المجزرة فجر التاسع من إبريل واستمرت حتى الساعة الواحدة ظهرا”.
وأضاف:” شارك في تنفيذ المجزرة نحو 150 من عناصر قوة اتسيل اليهودية وأدت إلى استشهاد أكثر من 100 من سكان القرية “.
ولفت د. عبد الجواد إلى أن ما لا يعلمه الكثيرون هو أن سكان القرية حاولوا الدفاع عن أنفسهم، ومقاومة عصابات اتسيل بقوة، لكنهم لم يتمكنوا من الصمود، وطالت المجزرة السكان المدنيين.
وأشار إلى أن عدد سكان دير ياسين، كانوا ما قبل المجزرة بلغ أكثر من 600 نسمة.
ويقول وليد الخالدي في كتابه “كي لا ننسى”: “كانت القرية تقع على المنحدرات الشرقية لتل يبلغ علو قمته 800 متر، وتطل على مشهد واسع من الجهات كلها، وكانت القرية تواجه الضواحي الغربية للقدس- التي تبعد عنها كيلومترا واحدا- ويفصل بينها واد ذو مصاطب غرست فيها أشجار التين واللوز والزيتون”.
ويضيف:” كان هناك في موازاة الطرف الشمالي للوادي طريق فرعية تربط دير ياسين بهذه الضواحي، وبطريق القدس- يافا الرئيسي الذي يبعد عنها نحو كيلومترين شمالا”.
ويكمل الخالدي: “ليست كلمة (دير) بغريبة عن أسماء القرى الفلسطينية، ولا يكاد يستهجن إطلاقها على قرية قريبة من القدس إلى هذا الحد، وفعلا فقد كان ثمة في الطرف الجنوبي الغربي للقرية طلل كبير يطلق عليه اسم ( الدير) فقط”.
وتابع الخالدي:” لا نعلم بالتحديد متى انتقل السكان إلى موقع دير ياسين لكن يبدو جليا أن مصدر الاسم الأخير يعود، في جزء منه، إلى الشيخ ياسين الذي كان ضريحه قائما في مسجد أطلق اسمه عليه، ويقع في جوار أطلال الدير، لكننا لا نعلم الكثير عن الشيخ، ولا عن تاريخ تشييد مسجده”.
وأشار الخالدي إلى أن الجيش العثماني، قام إبان الحرب العالمية الأولى بتحصين مرتفعات دير ياسين كجزء من نظام الدفاع عن القدس.
وفي 8 ديسمبر 1917، اقتحمت قوات يقودها الجنرال البريطاني ادموند اللنبي هذه التحصينات، في الهجوم الأخير الذي أسفر في اليوم التالي عن سقوط القدس في قبضة الحلفاء.
ويكشف المؤرخ د.عبد الجواد إن المجزرة “وقعت بعد يوم واحد من استشهاد القائد الفلسطيني، عبد القادر الحسيني في معركة القسطل الشهيرة وتمت المجزرة في نفس يوم جنازته”.
وقد وقعت معركة القسطل، غربي القدس، بين المقاتلين الفلسطينيين والعرب من جهة وقوات “الهاجاناه” اليهودية في مطلع شهر إبريل 1948، ومثّلت البداية لسقوط أجزاء من المدينة بأيدي الجماعات اليهودية.
وفي هذا الصدد أشار د.عبد الجواد إلى أن مجزرة دير ياسين وما تبعها من تهجير للقرية هدف للسيطرة على باب الواد، على مشارف مدينة القدس من ناحيتها الغربية.
ولكن المنظمات اليهودية أرادت من هذه المجزرة أيضا إرهاب الفلسطينيين ودفعهم إلى مغادرة قراهم والرحيل منها توطئة للسيطرة عليها.
وقال د.عبد الجواد: “لقد هدفت المنظمات اليهودية من خلال هذه المجزرة إلى توجيه رسالة رعب إلى القرى الفلسطينية الأخرى، ولذلك فليس صدفة أن هذه الجماعات حاولت تضخيم ما فعلته ليكون وقع الرعب على القرى الفلسطينية الأخرى كبيرا”.
وأضاف: “قام مندوب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة القرية بعد يومين من المجزرة، ونشر تقريرا عنها وقامت هيئة الإذاعة البريطانية بنشر تقرير عن المجزرة ومن هنا فإن المجزرة أصبحت معروفة على نحو واسع”.
وتابع: “لقد تعمدت (العصابة الصهيونية) اتسيل زيادة عدد أرقام الشهداء من أجل خلق حالة ذعر”.
وأشار د.عبد الجواد في هذا الصدد إلى أنه “مع انتشار الأخبار عن المجزرة، فإن الفلسطينيين في قرى أخرى عديدة خشيت أن تعاني ما عانته دير ياسين”.
وقال: “لقد ارتكبت اتسيل فظاعات كبيرة في دير ياسين، وانتشار الأخبار عنها مع تعمد اتسيل تضخيمها خلق أثرا نفسيا على العديد من القرى”.
وتشير تقديرات فلسطينية إلى أن 531 قرية ومدينة فلسطينية قد طهرت عرقيا ودمرت خلال نكبة العام 1948.
وبعد عدة أسابيع من المجزرة، وتحديدا في منتصف مايو، أُعلن عن إقامة دولة إسرائيل، بعد تهجير نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم، وما زالوا حتى الآن “لاجئين” في مخيمات ومدن تقع في الضفة وغزة والأردن ولبنان، وسوريا، وبقية دول العالم، وفقا للأناضول.