محاربة الرشوة بالمغرب.. تدابير ملموسة للقضاء على آفة تنخر المجتمع
هوية بريس – متابعة
“الرشوة، هي انعدام الكرامة، وغياب الوازع”، عبارات مقتبسة من كتاب “العشق الآسر” للطاهر بنجلون، تلخص للأسف ما يعتبره الكثير من المغاربة أكبر آفة تنخر بلادهم، أي الرشوة، وحدها الكلمة تبعث على الفزع.
والمغرب، الذي يخلد غدا السبت اليوم الوطني لمحاربة الرشوة، جعل من هذه القضية شرطا لازما لتحقيق تنميته. وهكذا لم يكن من خيار آخر أمام الحكومات التي تعاقبت خلال العقدين الأخيرين من الإقرار بخطورة هذه الآفة التي تعيق وتيرة الصعود الاقتصادي للمملكة و تشويه صورتها عالميا.
ولذلك تصدر موضوع محاربة الرشوة في المغرب كأولوية مطلقة بالنسبة للمجتمع المغربي قاطبة، في حين أن المنجزات المحققة في هذا المضمار تبقى حاسمة في التقييم، في نظر الناخبين، في نجاح أو فشل المهام الحكومية والإدارية.
وتمت ترجمة هذه التوجيهات السياسية عبر بلورة برامج وطنية لمحاربة الرشوة في 2005 و2010، بالتصديق على معاهدة الأمم المتحدة ضد الرشوة في 2007 ومن خلال حزمة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، علاوة على إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة في 2016.
هذه الاستراتيجية، التي تمتد لعشر سنوات من ثلاثة مراحل (2016_2017)،(2017_2020) و(2020_2025)، هي الأولى من نوعها بالمغرب، ترمي في أفق 2025، إلى قلب التوجه بطريقة واضحة ولا رجعة فيها، وتعزيز ثقة المواطنين وتحسين نزاهة الأعمال وتموقع المغرب على الصعيد العالمي.
كما أن تنفيذ هاته الاستراتيجية يتسق مع المقتضيات الدستورية المتضمنة في دستور 2011، خصوصا الباب الثاني عشر الذي يخص تعزيز مبدأ الحكامة الجيدة وإلزامية إخضاع المرافق العمومية لمقتضيات الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
كذلك شهدت سنة 2017 نشر المرسوم المتعلق بإحداث اللجنة الوطنية لمحاربة الرشوة طبقا لمقتضيات الدستور، لاسيما الفصلين 90 و92.
وتم تكليف اللجنة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة عبر تقديم مقترحات وبرامج من شأنها تعزيز الشفافية وإشاعة قيم التخليق والنزاهة داخل المرافق العمومية.
وتتكون اللجنة من ممثلين عن السلطات الحكومية، وهيئات الحكامة وهيئات معنية وكذا منظمات غير حكومية.
هذه الإجراءات الدالة تنضاف إلى إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي تلخص بشكل مباشر مصادقة المغرب سنة 2007 على معادة الأمم المتحدة ضد الرشوة.
وهكذا فإن الفصل السادس من المعاهدة المدكورة يلزم الدول الأعضاء بإحداث هيئة أو عدة هيئات لمحاربة الرشوة. وتنفيذا لمقتضيات هذا الفصل، تم إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بمقتضى المرسوم رقم 1228-05-2 (13 مارس 2007).
ومن بين المهام المنوطة بهذه الهيئة، تقديم مقترحات للحكومة حول التوجهات الكبرى في مجال سياسة الوقاية من الرشوة في ما يتعلق بالتعاون بين القطاعين العام والخاص لمحاربة الرشوة، وإشعار السلطات الإدارية بالتدابير الممكن اتخادها للوقاية من الرشوة، وجمع المعلومات وتدبير قاعدة البيانات المتعلقة بالظاهرة.
وبالإضافة إلى هذه التدابير، وضعت السلطات آليات عملية لمكافحة الرشوة، من بينها إحالة ملفات الرشوة التي تضمنتها تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية على القضاء، وتبسيط المساطر الإدارية، خصوصا تلك المتعلقة بالإستثمار والمقاولات مثل الإجراءات الضريبية وإنشاء المقاولات ونقل الملكية والربط بشبكات الصرف الصحي والكهرباء والبناء والعقار.
وتجدر الإشارة أيضا إلى فتح مباريات الولوج إلى سلك الوظيفة العمومية تطبيقا لمبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص والاستحقاق لمحاربة الرشوة في هذا المجال.
وإن كان القضاء على هذا الداء لا يزال بعيد المنال، فإنه لا يمكن إنكار جهود الفاعلين السياسيين والمدنيين في هذا الباب، غير أنه من اللازم الإقرار بأن التعبئة على جميع المستويات ضرورية للتغلب على ظاهرة تكلف الدول خسائر تقدر ما بين 1.500 و2.000 مليار دولار سنويا، وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي في ماي 2016، حسب “منارة”.