محامي: “أبو النعيم” عالم بار بوطنه ومكانه الطبيعي هو بيته لا السجن
هوية بريس – عابد عبد المنعم
كتب المحامي ذ. عبد الله لعماري تحت عنوان “عبد الحميد أبو النعيم” العالم الذي حمى أمن البلاد لأربعة عقود” أنه إذا “كان الأمن، وهو أعظم نعمة في الوجود يسبغها الله على الأرض والعباد، لئن كان من وظائف الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، تصرف عليه الدول الميزانيات الضخمة لملاحقة الجرائم وضبطها ومحاصرتها صونا لسلامة المواطنين وممتلكاتهم، وترسم له الإستراتيجيات الجبارة لاستباق حدوث الاعتداءات ذات الخلفية السياسية أوالإيديولوجية أو العقدية، حماية للوجود والحدود. فإن ترسيخ دعامات الأمن هو أيضا من المهام النبيلة ورسالات المثقفين والمفكرين والعلماء، يخدمونه من خلال بث الأفكار الرشيدة، وتطويق النزوعات الشاذة والهدامة”.
وذكر عضو هيأة دفاع الشيخ أبو النعيم أن الشيخ والعالم المغربي “يقضي أول رمضان له من عمره المقارب للسبعين، في زنازن السجن، على شيبة منه وعجز من جسد منخور بالأمراض، هو الرجل الذي خدم هذا الأمن بغير حساب، وبغير أجر أو سؤال عليه، وبغير تزلف أو تسلق أو تهافت على عطية أو حظوة أو قربى، مثلما يتهافت عليها الذين يشترون بأفكارهم وأعمالهم أثمانا باهظة، ويضيعون على البلاد جهودها وفرص استقرارها ولا يفيدون لا المجتمع ولا الحكم”.
وأضاف “وهو الرجل الذي حينما خرج وحده، يدعو إلى ما يدعو إليه، مواجها به الأمواج العاتية التي كانت ستأتي على الأخضر واليابس من استقرار البلاد، قبل أربعين سنة، لم يخرج مكلفا من أحد، سوى من باعث إيمانه بما يدعو إليه من منهج سلفي، وعدا عن وازع اعتقاده في وجوب ترشيد أفكار الشباب التي كانت وقتئذ تغلي بالنار والدمار”.
وحول الأعمال التي قدمها أبو النعيم للمغرب وأمته تساءل محامي البيضاء “ترى ما هي هذه الأعمال الجليلة التي رسخها هذا الرجل، وحفظها له تاريخ تحولات البلاد، ونسيتها له ذاكرة أهل الحل والعقد، ونشهد له بها نحن شهداء من أهلها وعلى عصرها، عسى أن نقرع بها جدران الخزان، خزان ذاكرة التاريخ. وقبل فوات الأوان.
خلال سنة 1979، وقد وقع الحدث المحول لمجرى التاريخ، إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، وكان حينها عبدالحميد بونعيم على رأس الحركة الإسلامية الوحيدة بالمغرب، التي تشغل الساحة الدعوية، وتنظم الشباب في صفوفها تنظيما سريا، وتنهج به النهج الثوري، وعلى شاكلة اليسار في معاداة النظام ومناهضة مؤسسات الحكم، والمسماة يومئذ بحركة الشبيبة الإسلامية.
ومع إهتياج عواطف الشباب الإسلامي واليساري أيضا بأوار الثورة الإيرانية، واستلاب مشاعرهم بزعامة قائدها الخميني والمنظمات اليسارية والعلمانية معه، كانت حركة الشبيبة الإسلامية في وارد الإنفلات عن رعاتها، والخروج من حضانة المنهج الثوري إلى ساحة الفعل الثوري، بما يشكل ذلك من خطورة الاعتداء على أمن البلاد واستقرارها، والمساس بمؤسساتها، وسط واقع وسياق موتور بالغليان الشعبي.
وتأسيسا على ذلك، كانت حركة الشبيبة الإسلامية بمنهجها الثوري المتمرد والمفاصل، كانت في وارد تأثر شبابها كليا، بالمرجعية المذهبية الشيعية، لتألق هذه المرجعية في صناعة التحول التاريخي في العالم الإسلامي، وحيازة مجد التغلب والنفوذ وإسقاط النظام الشاه. والمتغلب المنتصر يكون دائما وعلى مر التاريخ مطلوبا في التقليد ومرغوبا في الاتباع.
وتبعا لذلك فقد كان المغرب في وارد الاجتياح المذهبي الشيعي، بما سيصنعه فوران الشباب الإسلامي المتحرك وحده آنذاك في ميدان الفعل الفكري والدعوي والمذهبي، وبما كان يمكن تشكيله بنفوذ هذا الفعل الحركي المستشري في أوصال وشرايين المجتمع، تشكيله الخميرة المذهبية للتشيع، ومن ثم تشكيله الرافعة القاذفة بالأخطار المحتملة على أمن البلاد وهدأته المذهبية الجامعة، وقد كان باديا أن لا قوة تستطيع وقف هذا المد الجارف، فالتيارات الفكرية تكون دوما عاتية على الردع وستعصية على التطويق.
وحده الرجل الذي بدد هذه الأخطار، وأمن هدأة البلاد، هو الشاب آنذاك عبد الحميد بونعيم، الشيخ المعتقل حاليا على ذمة قضية كيفت بالإساءة إلى وزارة الأوقاف، لترويجه رأيا يجادل به في إغلاق المساجد قبل أن تقرره الوزارة رسميا.
جاء الشاب بونعيم حينها من أقصى الزخم الثوري، سنة 1979، وكان في قيادة الشبيبة الإسلامية، فأعلن انشقاقه عما عليه تنظيمه، وأشرع في وجه المنهج الثوري السياسي، المنهج السلفي ذو الحمولة السلمية الوسطية المعتدلة، وواجه بالمحاججة الشرعية العلمية والتاريخية، فكر نقض الولاء للنظام، ومبدأ العمل الثوري العنيف على مناهضته وتغييره، واجه ذلك بمنهج أهل السنة والجماعة في نبذ الخروج على ولاة الأمر والحاكمين، تحت مسوغ القاعدة الشرعية الشهيرة في الحديث النبوي: ما أقاموا فيكم الصلاة، أي ما أقام الحاكمون الصلاة في شعوبهم فلا يجوز الخروج عليهم ومنابذتهم.
وكان الشاب بونعيم كمن يشق بحرا متلاطم الأمواج بعصاه، والتي هي دعوته إلى المنهج السلفي، وقد حاور بها في ذلك الصيف الملتهب سنة 1979، مئات الشباب القيادي الثائر والصدامي، واستطاع أن يؤثر على آلاف الشباب بالرجوع إلى المنهج السلفي، وحتى وإن بقي الشباب منتظما في حركة الشبيبة الإسلامية، فإن حالة عامة سادت في التيار الإسلامي تمثلت في حماس الإنكباب على الإطلاع على مراجع السلف وأصول التراث، وأنتج عن ذلك تحصين الشباب الإسلامي عامة من الوقوع في جاذبية المذهب الشيعي، وأنتج عنه كذلك التميز عن الرؤية اليسارية في تقييم نظام الحكم وما عليه هذه الرؤية من أوجه استبداله.
وهكذا استطاع عبد الحميد بونعيم بصرخته السلفية التي دوت في الآفاق، وترددت أصداؤها في ربوع وأرجاء الوطن، أن يقدم خدمة عظيمة للصيرورة التاريخية للبلاد، دون أن ينسب ذلك لنفسه قط، ودون أن يستشعر هو حتى مجرد الشعور بذلك، أحرى أن يكون مأجورا عليه، استطاع أن يحمي الأمن الإستراتيجي للبلاد، بحماية الوحدة المذهبية للأمة المغربية، وبصون بيضة البلاد، بالتأصيل العقائدي للمؤسسة المركزية للبلاد، وهي المؤسسة الملكية، وأفضت الدعوة السلفية لعبد الحميد بونعيم إلى الحد من غلواء الشباب الإسلامي في التنقيص من اعتبارية المؤسسة الملكية بوصفها ولاية الأمر التي لا يجيز الشرع ولا مذاهب أهل السنة والجماعة الخروج عليها ولا التنقيص منها، وترتب الأثر السياسي عن ذلك، في تفكير التيار الإسلامي في البحث عن مصالحة مع النظام، والبحث عن المخرج القانوني في العمل التنظيمي، للانخراط في مشهد الشرعية القانونية، والذي أفضى في الأخير إلى إنتاج حزب العدالة والتنمية”.
ذ. عبد الله لعماري عقب بعد ذلك بـ”أن ليس هذا فحسب مما يحتسب للرجل في خدمة الأمن الإستراتيجي للبلاد، بل إنه وفي سنوات الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، وعندما ذر قرن التكفير في البلاد في أوساط الشباب الإسلامي، حمل الداعية أبونعيم من جديد منهجه السلفي وأعلن حربا بلا هوادة على شذوذ تكفير المجتمع والحكم.
وعندما تحول فكر التكفير إلى حاضنة للفعل الإرهابي خاض الشيخ أبونعيم معارك ضد هذا الإنزلاق الخطير الذي بات يهدد أمن وسلامة الوطن والمواطنين، ومرة أخرى يتمكن شيخ الدعوة إلى المنهج السلفي من إنقاذ آلاف الشباب من الوقوع في مصيدة براثن التكفير، ومن السقوط في وهدة الاعتداء على أمن المواطنين وسكينة البلاد بالإرهاب والتقتيل والتخريب. فعل ذلك دون أن ينتظر من أحد جزاء ولا شكورا، في حين كان غيره يملأ من أجل أكياس الذهب والبترودولار.
وإذا كان الشيخ أبو نعيم قد أفنى عمره ووقته وجهده وصحته حتى اعترتها الأسقام، في القضايا الكبرى للبلاد، والتي تهم الأمن الاستراتيجي للمملكة، بالدفاع العقائدي عن مؤسساتها العظمى، بالوسائل البسيطة التي يملكها متمثلة في الحوار الشفوي مع جماهير الشباب المتدين في المساجد وفي الشوارع وفي البيوت البئيسة، من غير دعم ولا إسناد وبتطوع تام، إرضاء لضميره وتحريا لدينه، فكيف يستقيم أن ينسب إليه المساس بمؤسسة وزارة الأوقاف، وهو يصرخ بملء فيه، وفي جميع أطوار محاكمته، أنه هو وعمله جزء من المؤسسة، وهو عضو في أسرتها، لا يخرج رأيه عن قاعدة النصح الأخوي، في سياق زمني، إدلهمت فيه الآفاق، وارتبكت فيه النظريات والتوقعات عند كبريات الدول، وسقطت فيه اليقينيات العلمية على المستوى الكوني، وغاصت البشرية في فتنة بات فيها الحليم حيران، بسبب هجمة الفيروس المدمر.
وفي ختام تدوينة له تساءل لعماري “كيف لا يتسامح مع أنة أليمة لرجل، عاش دهره في المساجد، لا يكاد يخرج منها حتى يلج إليها، لا يبرحها حتى يقف بجنبها، لا يتنفس إلا هواءها، ولا يشدو إلا أذانها، وقد استنكف من أجلها أن يؤسس تنظيما، وهو الرائد المبرز في ذلك، فيكتفي أن ينسب عمله إلى ولاد الجامع، كيف لا يتسامح مع نحيب رجل هاله فقدان المسجد، وارتاع له روعا شديدا، وقد عاد وتقبل الأمر الضروري للإغلاق إقتناعا بالمخاطر المحدقة، حينما أصدر شريطا ثانيا ينسخ به الشريط الأول ويعتذر عما أورده فيه، على كونه في الأول لا يسيء ولا يؤذي ولا يخرج عن حق التعبير الذي يحتمل الصواب والخطإ.
المكان الطبيعي لهذا العالم الداعية البار بوطنه وملكه وأمته كما صرح ويصرح به هو بيته وبين ذويه وتحت عين أطباءه”.
تجدر الإشارة إلى أن الشيخ “أبو النعيم” اعتقل في 17 من مارس 2020 بسبب مقطع فيديو عبَّر فيه عن رأيه من إغلاق المساجد بعد فرض حالة الحجر الصحي في البلاد.
نسأل العلي القدير أن يفك أسر الشيخ أبو النعيم
اللهم فك اسر علمائنا في السجون امين يارب العالمين 🤲🏽