محاولة في فهم نتائج الانتخابات الجزئية للحسيمة
هوية بريس – حسن المرابطي
كما كان متوقعا، فقد حافظت الأحزاب المكونة للأغلبية على مقاعدها البرلمانية بإقليم الحسيمة، خلال الانتخابات الجزئية المنظمة يوم الخميس 21 يوليوز 2022، مع فوز حزب الاتحاد الاشتراكي بالمقعد الرابع، والذي سبق له التقدم بالطعن في نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 8 شتنبر 2021، غير أن حزب الحركة الشعبية فقد المقعد ولم يحالف الحظ حزب الاتحاد الدستوري وحزب العدالة والتنمية بالفوز كعادتهما منذ دخولهما غمار التنافس في الانتخابات؛ وحسب ما وصلنا من معلومات إلى حدود الساعة، فإن نسبة المشاركة كانت ضعيفة جدا لم تتجاوز 23%، وأن ترتيب الفائزين في الانتخابات طرأ عليه بعض التغيير حيث حزب الأحرار هو الذي تصدر الانتخابات عوض حزب الاستقلال، وتلاه حزب الأصالة والمعاصرة في المرتبة الثانية، وحزب الاستقلال في الثالثة وأخيرا حزب الاتحاد الاشتراكي، وأما النتائج بالنسبة للأحزاب الأخرى فكانت وفق التوقعات، رغم كل الحملة الانتخابية التي كانت استثنائية، لاسيما التي قام بها حزب العدالة والتنمية بحضور أمينها العام ذ. عبد الإله بنكيران لأول مرة في الحسيمة، فضلا عن الحملة التي غزت العالم الأزرق ومواقع التواصل الاجتماعي طيلة أيام الحملة.
في الظروف السياسية والاقتصادية التي يعرفها المغرب، كان من المتابعين من يتوقع نتائج أخرى، لاسيما رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتوقعاتهم هذه كانت ستحظى بشيء من المعقولية السياسية لو كنا في دولة متقدمة؛ أما وأننا في دولة سائرة بخطى بطيئة في الديمقراطية، فإن الواقع السياسي يفرض الأخذ بعين الاعتبار عدة أمور بعدما أصبح لكل دولة منطق سياسي خاص، تتحكم فيه عدة عوامل؛ ويأتي في مقدمة ذلك ارتباط الانتخابات بالمستوى الاجتماعي لعموم ساكنة المنطقة المعنية بالانتخابات، بل بدرجة الوعي السياسي للناخبين؛ ولذلك فإن كنا قد عايشنا رئيس جماعة حضرية ينتمي لحزب سياسي قدم لائحة للمنافسة لا يجد حرجا في حضور لقاءات الحملة الانتخابية لأكثر من حزب في يوم واحد، فبالتأكيد يمكن توقع كل شيء من مواطن عادي لا يمارس السياسة.
وعليه، فإن محاولة فهم نتائج هذه الانتخابات وربطها بالحملة التي يعرفها الفايسبوك، المطالبة بالتخفيض من ثمن المحروقات ورحيل رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، قد يصعب تقبلها من طرف رواد الفايسبوك وبعض المحللين السياسيين الذين اعتادوا الحديث من برج عال، بل حتى من بعض زعماء ومناضلي الأحزاب الذين لا يريدون تقبل الواقع السياسي كما هو رغم تأكيدهم، كل مرة، بواسطة تصرفاتهم أنهم جزء من الواقع السياسي الذي شاركوا في بنائه وليسوا ملائكة لم تلطخ أيديهم بما ينتقدونه في خطاباتهم، إن سلمنا بكل ما يدعونه.
لكن الناظر إلى الانتخابات ونتائجها، بعد محاولة استيعاب الواقع السياسي المغربي بكل تناقضاته ومفارقاته، أي بمعنى آخر التقبل ببعض القواعد السياسية المغربية المعوجة والصالحة التطبيق حصرا في البيئة المغربية، لا يمكن له إلا التسليم بكل النتائج بصدر رحب لا يجد الحرج مدخلا إليه.
لذلك، فإن تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار الانتخابات الجزئية، حتى إن كان غير متوقعا عكس فوزه، فإن ما عرفته الحملة الانتخابية من استقطاب أكثر عدد من “الخبراء” الميدانيين في جلب الأصوات وقدرة زعيم هذا الحزب على المستوى الإقليمي من نسج علاقات مع هؤلاء “الخبراء”، هو العامل الأساسي في تحقيق النجاح؛ ولعل ما أحدث فارقا في النتائج يرجع بالأساس إلى مستوى كل مرشح ممن تقدم باللائحة وعلاقاته مع هؤلاء “الخبراء”، مع وجود بعض الاستثناءات التي تؤكد وجود مرشح، فضلا عن هذه العلاقات، يملك علاقات جيدة مع عموم الناخبين ويحسن التواصل معهم طوال السنة أكثر من غيره، ولعل أفضل نموذج نسميه هو مرشح حزب الاستقلال (د. نور الدين مضيان).
وكلمة “الخبراء” هذه نقصد بها أولئك الذين يتقنون فن حصد الأصوات بمختلف الطرق، منها طرق أخلاقية ومنها ما هو غير أخلاقية، ولعل المقام لا يسمح بأكثر للتفصيل في هذه الطرق، والتي يعلم المقصود بها كل من دخل عالم الانتخابات؛ في المقابل، نجد أن أهم عائق يعاني منه بعض المرشحين هو قدرتهم على التنافس في نسج تلك العلاقات، سواء التي تستجيب لما هو أخلاقي وغيرها؛ ولعل الواقع السياسي في الحسيمة يخبرنا عن بعض هؤلاء، لكن لا داعي للتمثيل أكثر.
كما هي العادة، فإن من لم ينجح في الانتخابات غالبا ما يتهم الآخر ويربط فشله بذلك، لكن السياسي الحاذق هو الذي يستطيع تجاوز كل تلك العوامل ومواجهتها في الوقت المناسب بدل الالتجاء إلى لغة التباكي والاتهام بعد فوات الأوان؛ والآخر في نظر الفاشل على نوعين: النوع الأول يتمثل في بعض المرشحين الذين يتهمون من طرفه (الفاشل) باستعمال الوسائل غير القانونية من قبيل شراء الذمم واستعمال المال الحرام وغيرها من الأساليب؛ أما النوع الثاني فيتمثل في الجهات المشرفة على الانتخابات لاسيما وزارة الداخلية وذلك من خلال اتهامها التغاضي على الخروقات التي يأتي بها بعض المرشحون كما سلف معنا، فضلا عن اتهام نفس الجهات بالتعاون مع الفاسدين، سواء بمساعدة مرشح دون الآخر، أم بتزوير نتائج الانتخابات لتغليب كفة طرف دون الآخر؛ وهذه الاتهامات لم تعد تفاجئ أي مواطن عادي عند إعلان النتائج، بالأحرى من يعتبر نفسه مهتما ومتابعا للشأن السياسي، من كثرة ما ألفنا سماعها من نفس الأشخاص كل مرة مع الإشادة بنزاهة الانتخابات من طرفهم عندما يحصلون على النتائج التي لم يتوقعوها حتى، والتي تكونوا في صالحهم؛ وهكذا، يتم التعامل مع النتائج بعد كل الانتخابات، حيث يباركها ويشهد بنزاهتها كل متفوق فيها، وأما من لم يتمكنوا من الفوز فلا يجدون حرجا التشكيك في نزاهة القائمين على تنظيم الانتخابات، وتوزيع الاتهامات يمنة ويسرة دون تقديمها أمام القضاء للفصل فيها ودعمها بما يثبت ذلك.
وعلى سبيل الختم نقول: من المؤكد أن كل واحد منا قد يشهد ويصادف من التصرفات ما يجعله يشكك في نزاهة الانتخابات، غير أنه ليس من الأخلاق إطلاق التهم دون حجج واضحة، لأن مثل هذه الاتهامات ليست في صالح الوطن ولا في صالح السياسة والسياسيين؛ ذلك أن تهمة التزوير، مثلا، عند إطلاقها فإنها تنسحب على عدد كبير من المعنيين والمسؤولين على مكاتب التصويت، ويحق لهم في إطار دفع التهم الموجهة إليهم بشكل جماعي رفع دعوى قضائية ضد كل مدعي؛ وعليه، فإن الواجب، قبل إطلاق أي تهمة، العمل على استغلال كل الوسائل القانونية المتاحة، كتغطية مكاتب التصويت بالملاحظين من طرف الأحزاب السياسية، فضلا عن نشر النتائج الصحيحة من طرفها في إطار مراقبة قبلية وآنية، بما في ذلك نشر نسب التصويت كل فترة حتى يصعب تسجيل حالات التزوير المتحدث عنها، وإلا حُق لنا اتهام الجميع بالمشاركة في التزوير بما فيهم من يقوم بمهمة الملاحظة من المحسوبين على الأحزاب السياسية المطلقة تُهم التزوير، بعدما أصبح عند هؤلاء أن التزوير حقيقة مطلقة لا يشوبها أي شك.
وبالتالي، فإن العملية الانتخابية، رغم كل ما يقال عنها، تعتبر أعقد عملية تتحكم في اللعبة السياسية، حيث يصعب على الكثير منا استيعابها وفهم جميع خيوطها لاسيما في واقع مغربي يندر فيه التدقيق في المعلومات والمعطيات ونشر الإشاعات والاتهامات، فضلا عن وجود مشاركين في الانتخابات لا يثبتون على حال، وإنما مواقفهم مرتبطة بشكل دائم بما أسفرت عنه صناديق التصويت، حتى كدنا ندعي كفر هؤلاء بالانتخابات إلا في حالة فوزهم، ولا نفرق في هذا بين من يتبنى فكرا ليبراليا أو اشتراكيا أو إسلاميا؛ وهكذا نجد أنفسنا، كل مرة، نتخبط في إدراك مشاكلنا والاشكاليات التي يعاني منها بلدنا، ونصرف جهودنا في إثبات فساد الغير وإسقاط فشلنا وفشل البلاد في تحقيق التنمية على الآخر كأننا لسنا معنيينا ومسؤولين عما يدور بيننا.
اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.