محلات التدليك.. الوجه الآخر للدعارة المقنَّعة

28 أكتوبر 2025 20:10

محلات التدليك.. الوجه الآخر للدعارة المقنَّعة

هوية بريس – متابعات

الساعة تقترب من منتصف الليل. شارع صغير في قلب مدينة الدار البيضاء لا يزال ينبض بالحركة. على جانبه تتلألأ لافتة تحمل اسما أجنبيا أنيقا: “…Relax Spa” عند الباب، تستقبل شابة بزيّ موحّد وابتسامة مصطنعة الزبناء القادمين تباعا، فيما يختفي بعضهم بسرعة خلف ستارة سميكة تفصل فضاء الاستقبال عن غرف التدليك.

يقول أحد الجيران في حديث لـ”هوية بريس”: “من الخارج تبدو الأمور عادية، لكننا نرى أشخاصا يدخلون ويخرجون في أوقات ليلية. المكان يثير الريبة منذ شهور، لكن لا أحد يتحرك”.

هذا المشهد لم يعد استثناء. ففي السنوات الأخيرة، تحولت محلات التدليك إلى ظاهرة مثيرة للقلق تغزو الأحياء الراقية والسياحية في مدن كبرى مثل الدار البيضاء ومراكش وطنجة وأكادير، وكذا الأحياء المتوسطة والفقيرة.

وراء لافتات العناية بالجسم والاسترخاء، تختبئ أنشطة مشبوهة تتراوح بين الدعارة المقنَّعة واستدراج الزبناء لعلاقات مدفوعة الأجر (الزنا). ويؤكد متتبعون أن هذه المراكز أصبحت جزءا من اقتصاد خفي منظم، تديره شبكات تمتلك خبرة في التمويه والإشهار الرقمي.

في جولة قصيرة على تطبيق “إنستغرام”، يمكن بسهولة العثور على صفحات محلات تدليك مغربية تنشر صورا وإعلانات توحي بخدمات تتجاوز بكثير أي تدليك طبي أو تجميلي. العبارات المستخدمة مشفرة لكنها واضحة: “جلسة خاصة”، “راحة تامة”، “لمسة شرقية”. بعض الصفحات تعرض صور بفونوغرافية لفتيات بملابس مثيرة مع أسعار محددة.

يقول شاب في العشرينات من عمره، فضّل عدم ذكر اسمه: “الأمر معروف بين الأصدقاء، يكفي أن تراسل الصفحة وستحصل على رقم مباشر للحجز، وكل شيء يتم بسرّية”.

مصادر أمنية سبق وأعلنت عن تنفيذ السلطات خلال العامين الأخيرين حملات متفرقة أغلقت العشرات من هذه المحلات، غير أن الظاهرة لا تتراجع. يقول ضابط شرطة سابق بالدار البيضاء: “المشكل أن هذه المراكز تشتغل برخص قانونية كمحلات للتجميل أو العلاج الطبيعي، مما يصعّب مراقبتها بشكل دائم. كما أن بعض أصحابها يستعملون تطبيقات مؤقتة يصعب تتبعها”.

ويضيف أن بعض هذه المحلات تُدار من طرف أجانب من دول إفريقية وآسيوية بتنسيق مع وسطاء مغاربة يتكلفون بالترخيص والإشهار.

في مدينة مراكش، حيث السياحة تشكّل بيئة خصبة لمثل هذه الأنشطة، يؤكد أحد أرباب الفنادق أن الظاهرة باتت مقلقة: “بعض الزبناء يسألون عن محلات التدليك قبل أن يسألوا عن الأماكن السياحية. للأسف، صارت الكلمة مرادفا لأنشطة مشبوهة”.

من جهته، يرى باحثون في علم الاجتماع أن ما يحدث هو انعكاس لخلل ثقافي وأخلاقي يتفاقم بصمت، حين يُقدَّم التدليك كسلعة للمتعة الجنسية، فهذا يعني أننا أمام تطبيع خطير مع الفاحشة تحت غطاء الحداثة والاستهلاك. كما أن الشبكات المستفيدة من هذه التجارة تستغل ضعف الوعي الديني والاقتصادي لدى بعض الفتيات، اللواتي يُغرَين بالمال السهل ثم يجدن أنفسهن ضحايا للاستغلال والابتزاز.

أما من الناحية الشرعية، فيؤكد فقهاء مغاربة أن هذه المحلات، مهما حاولت التجمّل، تبقى مخالفة صريحة لأحكام الإسلام؛ لأن الله تعالى نهى عن الزنا ومقدماته، وأي نشاط يُستغل لإثارة الشهوات أو المتاجرة بالجسد هو حرام، ولو لبس ثوب التدليك أو التجميل. فالتحايل والتمويه لا يُغيّر من الحقيقة شيئا.

عند تفسير قول الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. وقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً} [النساء:22]، قال السادة العلماء: وصف الله تعالى النكاح الذي هو زنا بأوصاف ثلاثة… ثم قال: واعلم أن مراتب القبح ثلاثة: عقلي وشرعي وعادي، “فاحشة” إشارة للأول “ومقتاً” إشارة للثاني، “وساء سبيلا” إشارة للثالث، ومن اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح.

أمام هذا الواقع، تتصاعد المطالب الدينية والحقوقية أيضا؛ بضرورة تشديد المراقبة ومراجعة شروط الترخيص، وبتحرك فعلي من الجماعات المحلية والأجهزة الأمنية لمحاصرة الظاهرة قبل أن تستفحل. فالمجتمع، كما يقول أحد النشطاء، لا يمكنه أن يقبل أن تُباع الرذيلة تحت عطور المساج.

إن المحلات التي نتحدث عنها ليست مجرد مراكز تدليك، بل واجهة جديدة للرذيلة الرقمية التي تلبس قناع الرفاهية. وإذا لم يُتصدَّ لها بالحزم المطلوب، فقد تتحول إلى بوابة مفتوحة لانهيار القيم الأسرية والاجتماعية التي تشكل أساس هوية المجتمع المغربي المسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة