محمد السوسي: جرى التراجع عن تعريب التعليم لصالح الفرنَسة

هوية بريس- عبد الصمد ايشن
قال الكاتب والمناضل الاستقلالي، محمد السوسي، إن اللغة العربية تعيش اليوم وضعية مقلقة داخل مجتمعاتها، ليس بسبب قصور ذاتي فيها، بل نتيجة تراجع الاهتمام بها من طرف أهلها وصنّاع القرار، معتبراً أن العلاقة بين اللغة والفكر والحياة العامة علاقة عضوية، تزدهر بازدهار الأمة وتتراجع بتراجعها.
وأوضح السوسي، في مقاله الأسبوعي بجريدة العلم، أن العربية عبر تاريخها الطويل عرفت تطوراً طبيعياً رافق تطور الإنسان المتحدث بها، غير أنها أصبحت في الزمن الراهن هدفاً للاتهام والتحميل المسؤولية عن مظاهر الضعف والتخلف، في حين أن الخلل الحقيقي ـ بحسب تعبيره ـ يكمن في الواقع الحضاري والفكري والاقتصادي للأمة.
وأشار الكاتب إلى أن التراكم المعرفي والإبداعي والصناعي هو الذي يصنع قوة اللغة ومكانتها، وأن غياب هذا التراكم في الوضع العربي الراهن انعكس سلباً على العربية، رغم ما بذله رواد النهضة منذ منتصف القرن التاسع عشر من جهود لإحياء اللغة وبعثها، من أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وحافظ إبراهيم، وأحمد شوقي، وفي المغرب العربي عبد الحميد بن باديس، وعلال الفاسي، والمختار السوسي وغيرهم.
وأضاف أن ما تحقق من مكتسبات لغوية بعد الاستقلال، خصوصاً في مجال تعريب التعليم، لم يصمد طويلاً، إذ سرعان ما تعرض للتراجع مع تولي نخب سياسية واقتصادية ربطت مصالحها بلغة المستعمر، معتبراً أن هذا التوجه همّش اللغة العربية لصالح اللغات الأجنبية، رغم التنصيص الدستوري على رسميتها.
وانتقد السوسي بشدة لجوء بعض المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال إلى مخاطبة المواطنين بلغات أجنبية في وسائل الإعلام الرسمية، متسائلاً عن مدى احترام ذلك للدستور وللشعب، ومشيراً إلى خطورة أن يتولى تدبير قطاع التعليم مسؤول لا يتقن العربية ولا يؤمن بدورها.
وفي سياق متصل، رفض الكاتب الطرح القائم على جعل الأمازيغية في موقع الخصومة مع العربية، مؤكداً أن الأمازيغ كانوا تاريخياً من أكبر حماة العربية وحمَلتها منذ الفتح الإسلامي، وأن الصراع المفتعل بين اللغتين لا يخدم سوى لغات أجنبية أخرى.
وختم محمد السوسي تصريحه بالتأكيد على أن ما أعقب ما سُمي بـ«الربيع العربي» لم يكن نهضة لغوية، بل عرف ـ على العكس من ذلك ـ مزيداً من التراجع، مستحضراً تجربة المغرب حيث جرى التراجع عن تعريب التعليم لصالح الفرنسة، داعياً إلى إعادة الاعتبار للغة العربية في إطار تكاملها مع الأمازيغية، خدمةً لمقتضيات الدستور وبناءً لمشروع حضاري وطني جامع.



