د. محمد بولوز: منع ترشح القباج من أزلام التحكم سفه وارتباك
هوية بريس – د. محمد بولوز
سهل أن نطلق الشعارات ونزين الواجهات بكلمات توحي بالتشبث بالأصيل والعريق وكذا بالحداثة والحضور في الزمان ومسايرة آخر صيحات فكر بني الإنسان، لكن عند الامتحان والاختبار عندما تعز المبادئ أو تهان، ينكشف المستور وتزول الأصباغ، ويظهر الوجه الكالح الشمط وتبرز الأنياب مكشرة خلف الابتسامة المصطنعة، فلا يبقى معها لا أصالة ولا وفاء للجذور ولا حداثة ولا معاصرة، وإنما هو التخلف والاستبداد والتحكم والتوثب لافتراس ما هو جميل من القيم والفتك بالمساواة والديموقراطية وتكافؤ الفرص ومقتضيات الدستور الممنوح بمعسول الكلام والمنسوخ بقبيح الممارسة والأفعال.
تلك هي حكاية الردة المتواصلة والنكوص الجاري من أزلام التحكم ببلاد المغرب الأقصى، بعد ان استبشر الناس خيرا بالاستثناء المغربي وبإخراج الربيع الديموقراطي في وصفة الإصلاح في ظل الاستقرار، فظهر ان القوم في طريقهم الى الغدر بأخذ الغنم بغير بذل غرم، أي توهم التنعم بالاستقرار بلا كلفة الاصلاح، فعرقلوا عمل الحكومة من داخلها وخارجها، واجتهدوا في شل عمل الجماعات المحلية غير المرغوب في مسيريها، وضغطوا في تخفيض العتبة وسعوا في إضعاف المشاركة بدل تشجيع وتحميس الناس لها إلا ما كان من خطوات مشبوهة في البوادي، وضيقوا على أنشطة العدالة والتنمية وتدخلوا في الحقوق الدستورية لبعض المواطنين في أمر الترشيحات، وأرهبوا العباد بالبيانات والبلاغات كأننا في ساحة حرب أو قتال..
ومن آخر ما وقع ولن يكون الأخير في مسلسل نكوص أزلام التحكم، هو منع المناضل الوديع والداعية الوسطي المعتدل الأستاذ المقتدر حماد القباج من الترشح ضمن لوائح العدالة والتنمية، بمبررات أوهى من بيت العنكبوت وقمة في السفه والتخبط والارتباك، نسأل الله العفو والعافية من أثر الحمى إذا بلغت درجات عليا فانبعث اثرها الهذيان وطاشت الحركات واستوجب الأمر العناية المركزة ولهج الالسنة بالدعاء.
فلو كان عند الرجل أدنى شبهة فيما رمي به، لكان من ضحايا 16 ماي التي جمعت الأخضر واليابس واتسعت حتى شملت الآلاف من الأبرياء باعتراف كبار المسؤولين، ثم هذه كتاباته مبسوطة وموقعه مفتوح تدل على رزانة في التفكير وواقعية في التحليل ورشد في الاختيارات وقد قاد جولات في ترشيد تدين شريحة واسعة من المتدينين من السلفيين وغيرهم وفي تأصيل المشاركة السياسية وفي الحث على التعايش وحسن التساكن رغم اختلاف الاختيارات.
فهل يعقل أن يمنع من يقول: “ويبقى السبيل السياسي الممكن لتدبير واقع تباين الآراء والقناعات هو المحافظة على مبدأ التعايش وتدبير الخلاف في إطار الحوار واحترام التعاقد المجتمعي..
إن الانتماءات والاختيارات والقناعات تتفاوت في قربها أو بعدها من الصواب؛ ومهما كان الإنسان مقتنعا بصواب انتمائه، وأيا كانت قيمة ذلك الانتماء؛ فإنه ينبغي أن يبقى سالما من التعصب الذي يؤدي إلى العدوان على صاحب الانتماء الآخر”، إلى أن يقول: “أيها المغاربة؛ إذا كان مبدأ التعايش يسع أهل الديانات المتباينة، وأصحاب الاختلاف الذي يصل إلى درجة النفاق؛ فكيف لا يسع من هم دون ذلك في درجة اختلافهم، وكيف لا يسع من هم على دين واحد في الجملة، وإن وجد بينهم أفراد أصيبوا بداء معاداة هذا الدين..» انظر: (مقال للكاتب بعنوان: أيها المغاربة.. لا بديل عن التعايش؛ انظر موقع حماد القباج).
وأما تصيد بعض المغرضين لبعض العبارات هنا وهناك مبتورة السياق فمنهج غير علمي وفاسد النية سقيم، فمسألة اليهود إذا جعلت مقياسا للقبول في النادي الديموقراطي، فإنكم ستخرجون معظم المسلمين منه، باعتبار ما ورد من نصوص كثيرة في الكتاب والسنة الصحيحة، تتحدث عن بني إسرائيل منذ أن بدأ أمرهم أسرة صغيرة من زمن يعقوب ويوسف عليهما السلام إلى أن أصبحوا دولة في زمن طالوت وداود وسليمان عليهم السلام إلى أن سلط عليه النفي والشتات بفعل تصرفات كثير منهم، ومجمل مصيبة معظمهم وقوعهم في الظلم لربهم ولأنفسهم ولغيرهم فكان تحذير الشرع منهم، وإلا من لم يظلم فلا سبيل إليه في نفسه وعرضه وماله إلا بحقه، وقد جاورهم النبي صلى الله عليه وسلم وساكنهم وأحسن إليهم وعمل معهم ولهم ميثاق المدينة فلما اعتدوا أجلاهم، وحذر أمته مكرهم وخداعهم وأوصى بالمسالمين منهم والمعاهدين خيرا وتنبأ بأمر الله بأن ظلمهم سيستمر حتى تكون نهايتهم قرب نهاية العالم، ففي الصحيحين وليس من رواية حماد القباج ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه يهودي: تعال يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله!”، وفي لفظ مسلم: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد”.
ثم الرجل مهما كان من اجتهاداته في السابق، فقد دعا إلى التصويت بنعم على دستور 2011 وجاءكم يقول بلسان حاله أنا مواطن مغربي يسعني ما يسع المغاربة ويحق لي أن أتمتع بحقوقي كاملة غير منقوصة ومن ذلك حقي في الترشح لتمثيل السكان إن رغبوا في ذلك، وليس عندي مانع من موانع الترشح المنصوص عليها في قوانين البلاد، فبأي حق أحرم وأمنع، وأنا بريء حتى يدينني القضاء، ثم بأي منطق تحكمون؟ تسمحون بترشح ذوي السوابق في الفسق ونهب المال العام وحتى ممن سميتموهم بالسلفية الجهادية وتكتفون منهم بورقة حسن السيرة المسلمة من الدوائر الأمنية ولا تقبلون مني نفس الوثيقة وأنى من السلفية العلمية ولم أكن يوما في تصنيفاتكم التي قد تثير الشبهات على أصحابها.
ثم هذا الرجل لم يأتكم وهو يرأس حزبا جديدا غريبا، إنما هو مرشح في حزب كبير له رؤيته وبرنامجه ومؤسساته وقيادته، وعرفتموه في المعارضة وفي التدبير، وصرح الرجل أنه ملتزم ومنخرط في كل ذلك يسعه ما يسع مناضليه ومناضلاته، فيا ترى ما الذي سيحدث في دنيا السياسة وتحت قبة البرلمان إذا دخل حماد القباج ضمن كوكبة المناضلين؟ إنه لأمر عجيب وغريب، ولكن كما يقال: الغباء أيضا قد يكون من جند الله، فقد زدتم في رفع قدر الرجل وهو مرفوع بإذن الله وسمع به أقوام جدد في داخل المغرب وخارجه، وستدفعون الكثيرين للبحث عن كتبه ومقالاته والدخول بكثافة إلى موقعه ولو من باب الفضول ليعرفوا حقيقة خطورة الرجل على المملكة الشريفة وعلى الشعب المغربي والمجتمع المدني وعلى الديموقراطية والحداثة الكونيتين، ولله في خلقه شؤون.
ثم ألا تدشنون بهذه الخروقات وهذا السلوك الأرعن والتصرف الأخرق، لسلوكات مستقبلية ولتصرفات باسم الدين وباسم تنزيله أو حتى بالمعاملة بالمثل ومن باب “والبادئ أظلم” عندما يقوم من يمنع أناسا من الترشح أيضا باسم ضربهم في ثابت وأصل الاسلام والذي هو من ثوابت المملكة المغربية بما مضى من قولهم في حق القرآن أو السنة الصحيحة أو التعدد أو الإرث أو نحو ذلك، فلا تسنوا سنة اليوم تندمون عليها غدا.
كلنا نريد رفع العتبة إلى 10 أو 20 في المائة، من لا يحصل على هذه النسبة من الأحزاب لا معنى لوجوده في البرلمان – و لو أن هذا النظام ككل غير إسلامي و لكن فقط من باب تخفيف الضرر – ، و نرتاح من الأحزاب الميكروسكوبية و لم لا يتمكن العدالة و التنمية من الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة دون تحالفات مذلة مع بني علمان.