محنة الأقصى ومحن الأمة.. إلى متى؟
هوية بريس – د.أحمد اللويزة
الأقصى هي ليست قضية حماس، وليست قضية الفلسطينيين، وليست قضية العرب، وليست قضية أرض وتاريخ وشجر الزيتون والأجداد وحق العودة وهلم جرا، بل هي أكبر من كل ذلك، إنها قضية العقيدة والدين والإسلام، ليست كل العقيدة والدين بل هي جزء يسير من ذلك..
إن التفريط في الأقصى وفي إخواننا المستضعفين في فلسطين ليس هو قضية القضايا، بل هو جزء من قضية أكبر فرطنا فيها، إنها قضية الدين كله ضحى من أجله الأسلاف بالغالي والنفيس فعاشوا بذلك سادة وقادة، فلما فرطنا فيه حصل التفريط في بقعة مقدسة من بقاع المسلمين.
إن التفريط في أرواح المسلمين وكرامتهم ليس في فلسطين وحدها وإن كانت هي الأقدم، ولكن فرطنا في أرواح كثيرة؛ في البوسنة وكشمير والشيشان وبورما والعراق وسوريا والإيجور والصومال وإثيوبيا وإرتيريا وغيرها ممن لم أذكر، وبعد كل هذا وفوقه فواقع المسلمين اليوم هو القهر والاستغلال، والقتل والنكال والإفقار، فمن لم تمزق أجسادهم وتزهق أرواحهم قتلت أنفتهم وأبيدت غيرتهم ومرغت كرامتهم ودنس شرفهم.. فما حال المسلمين اليوم لا يسر صديقا ولا عدوا، حتى صار يدافع عنهم من ليسوا من أهل ملتهم شفقة عليهم.
إن الإسهال في جلد الواقع ووصف الحال الذي لم يعد يخفى على ذي بال لن يكون إلا مجرد تنفيس عن ضغط يعيشه من لا زال يفكر في حال الأمة، ولكن الذي يؤلم كثيرا هو طول الأمد في غياهب هذه الغيمة الحالكة من التيه والذل والهوان، رغم ما قدم من جهود ومحاولات، -لم يأت بعدها إلا مزيدا من الخيبات-، وآخرها الثورات التي أزهقت فيها الأرواح، وبذلت فيها الأموال، وضاعت فيها الجهود، وكانت عند البعض هي الخلاص لاسترجاع عز مفقود وفخر موؤود.
لكن انجلاء الغبار أوقع الخيبات وزاد في مرارة الشعور بالقهر، ولم تزل عاديات الطغاة تمارس التسلط على الأمة بل تزيد في النكال، وها نحن نعيش فصلا آخر من هذا الهوان ونحن نتفرج على صقع من أصقاع بلاد الإسلام يعيش الحصار والتقتيل والتهجير دون أن يملك أحد القدرة على أن يقوم بفعل مؤثر ذي بال يوقف هذا العدوان، غير عبارات الشجب والتنديد التي مللناها منذ عقود، ولم يبق الا صيحات لمسلمين يتألمون وهم عاجزون عن أي شيء إلا كلمات تبرد لظى الأشجان، ودعوات ترفع إلى الجبار الرحمان. ليتكرر المشهد مرات ومرات لعقود وسنوات حتى أصبح مألوفا عند كثير من الناس.
إن هذا الضياع والتضييع لصيق بتضييع الدين، والذي غدا عند أكثرنا رسوما وطقوسا موغلة في التخلف والبرودة والتي تجد دعما وتشجيعا من قبل الأعداء، وهنا لابد من الصراخ بصوت يملأ الدنيا صدى ليوقظ كل نائم وإن كان في سبات عميق، أن حل قضية الأقصى وقضية فلسطين رهين بعودة الدين إلى الحياة، كل الدين وليس بعضه، وأن يعود جل المسلمين وليس بعضهم، لأن قضيتنا هي قضية رفع الظلم عن العالم وليس عن فلسطين وشعبها وأرضها فحسب.
وهذا لن يتأتى إلا بالعودة إلى الدين علما وعملا، عقيدة وشريعة وأخلاقا وجهادا، وليس بالأناشيد الحماسية ولا الهتافات النارية ولا المسيرات المليونية ولا تغيير الواجهات الفايسبوكية .. وغير هذا الذي إن أعطى نتيجة محدودة فليست بحل جذري أبدا، ودونك عقودا من الزمن غنى فيها الإسلاميون واليساريون والشيوعيون والفنانون والممثلون وأصحاب الكمان والدف والبندير، وغنت الراقصات والمطربات والكورال…. ولم نجن من ذلك إلا مزيدا من الاحتلال والنكال، وما ذاك إلا لأن الحل الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخذ بعين الاعتبار، ولم يحظ بما يليق به من الاهتمام، فتعمل به كل الجهات الصادقة في الأمة بأسرها وليس في غزة أو فلسطين وحدها، فيكون شغلها الشاغل هو عودة الأمة إلى دينها الحق الخالص النقي، في مدافعة صادقة تقدر حجم المواجهة والمدافعة.
إن لحظات الزمن الجميل التي تحررت فيه القدس من يدي الصلبيين في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه كانت فيها الأمة في أرقى درجات التدين في عهد الصحابة الكرام، وذاك الذي عمل عليه الأيوبي صلاح الدين حيث ركز على عودة الأمة إلى المحاريب علما وتعبدا، لتنطلق بعدها جيوش العزة والكرامة نصرا وتحررا.
فإلى متى سيبقى الأقصى السليب تدنسه أيادي الغدر والطغيان؟
إلى أن ترجعوا الى دينكم.
فعن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: “إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلّط اللَّه عليكم ذُلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”.
وتأمل أيه القارئ الترتيب النبوي في بيان ترك الجهاد الذي جاء نتيجة التعلق بالدنيا، والتعلق بالدنيا والانغماس فيها نقيض التدين والتعبد، فإن الرجوع إلى الجهاد لابد له من سلوك سبيل التدين علما وعملا وتعبدا، وهذا ما لا يتأت على الوجه المطلوب إلى الآن، عجل الله بعودتنا إلى دينه على الوجه الذي يرضيه، نصره هبه فينصرنا وعدا عليه حقا (إن تنصروا الله ينصركم).
إن تحرير الأقصى علامة على عافية الأمة في دينها وأخلاقها وتوحيدها فأين هي من ذلك؟
فالشرك في كل مكان، وضياع الشعائر صار أمرا عاديا، والمنكرات صارت سيدة الواقع، والفواحش صارت سلوكا طبيعيا، وفي المقابل صار التدين وأهله منبوذين في الأمة.. يوصفون بالتشدد والغلو والتطرف، بينما صار التميع اعتدالا وتسامحا وتوازنا.
وإن من محاسن الصدف وغريبها لما حرر الفاروق الأقصى قال قولته الشهيرة التي أصبحت بمثابة سنة كونية، حيث قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.. فأين الاسلام في حياتنا حتى يعزنا الله.