مدار الفتوى على العلم.. نظر فقهي في مقولة: (لا يفتي قاعد لقائم)
هوية بريس – ميمون نكاز
قال: قد قرأت نتفا عن مقولة (لا يفتي قاعد لقائم، أو في شؤونه)، فما الرأي فيها؟
قلت: مدار الفتوى على العلم، أقصد العلم بالنازلة والواقعة، (المعرفة المحيطة بتفاصيل القضية المستفتى فيها)، ثم القدرة العلمية على النظر الشرعي فيما تقتضيه تكليفا في ظرف الامتثال، ولا دخل لوصفي القعود والقيام في الفتوى إلا من حيث دعوى اختلال الشرطين أو أحدهما في القاعد، وفي الغالب يُقْصَدُ “تخلفُ شرط العلم والمعرفة المحيطة بتفاصيل النازلة وملابساتها”، خاصة الخفية منها على القاعد، حيث لا يعلمها غير القائم المجاهد، أقول: ذلك بشرط أن يكون ذلك القائم المجاهد أهلا للفتوى قادرا عليها، أو يكون موصولا بمن هو أهل لها ومقتدر عليها…
أعيد قولي السالف: مدار الفتوى في النوازل المختلفة على العلم بشرطيه: العلم بالشرع في ما هو موصول بالنازلة، والمعرفة التفصيلية المحيطة بالواقعة، يستوي في ضرورة هذين الشرطين “القاعد” و”القائم”، إذ هما وصفان عارضان لا دخل لهما في مسألة الإفتاء، إلا إذا حملنا “القعود” على إفادته “الجهل بالنازلة”، وعندي أن الذين أشهروا هذه المقولة لا ينفكون عن واحد من ثلاثة:
– أولهم: من يزعم أن “القاعد” جاهل بأوضاع المقاومة والجهاد ومعطياتهما الكاملة الشاملة، فلا تصح فتواه ولا تقبل منه، وهذا مسلم بديهي بلا خلف أصولي ولا فقهي إذا ثبتت العلة، لكن يجب أن يعلم أن هذه العلة سارية نافذة في “القائم” نفسه إذا كان جاهلا بالشرع ولو كان من “أكابر المقاومين” و”عِلية المجاهدين”، إذ الفتوى نظر بالشرع فيما يقتضيه التكليف في وقائع الامتثال…
– ثانيهما: من يقصد بالمقولة طائفة من “المفتين القاعدين” الخاضعين لأنظمة الاستبداد، السائرين في مراكب الظالمين المتمالئين مع العدو على أهل المقاومة والجهاد، فالمقولة عند هؤلاء ليست على عمومها وإطلاقها، فهي صادقة بقيدها وفي محلها، ووجب -بمقتضى ميزان العلم الصارم- تقييدها وتخصيصها وبيان المراد منها، رفعا للالتباس ولظاهر الغلط في عمومها…هذا يفيد أن هذه المقولة عند الأول والثاني من الثلاثة من “العام مخصوص الدلالة”…
– ثالثهم: من يتعمد تعميمها وإطلاقها لفصل “أفعال المقاومة والجهاد” عن “إمامة العلماء في الفتوى” و”رقابتهم لمشروعية الأفعال والتصرفات” الصادرة عن المقاومين والمجاهدين، ومدى جريانها مع مقتضى الشرع على توافق ومطابقة، وذلك بدعوى “قعودهم”، على تأويل تحريفي تضليلي عنده لمعنى القعود … والغاية من ذلك الدفع بالمقاومة إلى “الانفعال” بلا تسديد، وإلى “الأفعال” بلا ترشيد…ولا ريب عندي أن ثالثهم هذا ماكر خبيث الطوية…
– ذلك معتصر من القول في مقولة: (لا يفتي قاعد لقائم)، حيث بينا أن مدار الشأن والأمر في الفتوى على العلم بشرطيه: العلم بوقائع النوازل والأحداث تفصيلا، والعلم بمقتضى الشرع فيها امتثالا بحسب الوسع، وكفى الله المتجادلين في المقولة النزال…