مدرسة القيم السليمة مشتل للنموذج المجتمعي السليم
هوية بريس – عماد بنحيون
لقد أصبح الحديث عن تقدم المجتمع والنهوض به أو جعله يصطف في المراتب العليا من بين دول المنتظم الدولي، من حيث القدرة على الرفع من المؤشرات الدالة على اعتنائها بالتنمية البشرية، محور النقاش المميز للدائرة المسيرة لدواليب مختلف العمليات المخططة لمستقبل هذه البلدان، من انتخابات تشريعية أو جماعية، فالبرامج الانتخابية للأحزاب تطمح في غالبيتها إلى رسم صورتها بواسطة المؤشرات والأرقام، محاولة منها الخروج من إعطاء الأهمية في برامجها للغايات الكبرى والأهداف العامة وفلسفتها، إلى الوصول للدقة والموضوعية والقابلية للتطبيق، وعرض الأرقام والمؤشرات والنسب في محاولة التشبه بالعلوم الحقة، متناسية أن هذه الأخيرة قد انبثقت من أم العلوم ولازالت تروم في نهاية الأمر توفير الآليات التطبيقية والتخصصية لتحقيق أهداف الفلسفة العامة للبرنامج التي لا يمكن أن تنصهر في الذات البشرية إلا عن طريق القيم.
حيث نجد أنه بالرغم من أن معظم التقارير الصادرة حول مستوى تقدم المجتمعات وتنميتها، الصادرة حديثا أو قديما، بما فيها تقرير التنمية البشرية الصادر في أبريل 2011 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعتمد في بياناته محلياً عن مكاتب اليونيسكو، لم تعترف في تقييمها لمستوى التنمية لدى الشعوب إلا بالمعايير المادية الصرفة عند صياغة مؤشراتها، مثل متوسط دخل فرد، والناتج القومي الإجمالي، ومقدرة الدولة على زيادة الإنتاج بمعدلات أعلى من معدلات النمو السكاني، واكتفى، على سبيل المثال، بالتعبير أن التحدي الإنمائي الكبير للقرن الحادي والعشرين هو حماية حق أجيال اليوم في حياة صحية ولائقة، وضمان حق أجيال المستقبل، وإقامة العدالة الاجتماعية، وإتاحة المزيد من الفرص لحياة أفضل للجميع، دون التأكيد على دور القيم صراحة في الوصول إلى هذه الأهداف والحفاظ عليها، متناسيا كذلك أن الشعوب التي شيدت حضارتها مرتكزة على منظومة مستنده على قواعد قيميه، كانت الأوفر حظا في التفوق على غيرها من المجتمعات المعاصره لها، لأن الاعتناء بالقيم يصل إلى المجتمع ككل ويؤثر في جميع أفراده ويسخر كل إمكاناته لتحقيق الأهداف الفرعية التي تصبح تحصيل حاصل، لا يمكن الاستغناء عنها كأسلوب بشري يحارب باستمرار ما يتنافى وقيمه، كالرشوة والفقر والعنف والانحلال الأخلاقي و… ويكرس كل ما من شأنه الحفاظ على هذه القيم والرقي بها نحو الكمال.
ومما لا يجب تجاهله هو أن المدرسة الوطنية -بما تمتلكه من إمكانات، وسلطة مجتمعية تاريخية، وما تتميز به من قدرة جبارة على تنزيل الخطط والاستراتيجيات الوطنية الرسمية، وزرع القيم المناسبة، الملائمة للخصوصيات المحلية والإقليمية والجهوية والعرقية، وقدرتها على توحيد الثقافات، والدمج فيما بينها دون طمس الهويات، تعمل في الأساس على زرع القيم الرسمية المنبثقة من المرجعيات العامة للفكر بالبلاد، وصياغة رؤى موحدة تخدم التوجه الفلسفي العام والهدف الكبير، وترسخ الهويات، وتؤطر التلميذ باعتباره اللبنة الأساسية لمستقبل المجتمع، ليقوم بدوره الأساسي الذي يمثل دور الوسيط وحلقة الوصل الدائمة في نقل القيم الإيجابية في جميع المجالات بما فيها المجال الاجتماعي والثقافي: سواء في المأكل والمشرب والملبس، أو الأخلاق والفكر والدين والعقيدة، الشيء الذي يحتم علينا الاهتمام بالتلميذ والمدرسة والتركيز بشكل أكبر عليه بما في ذلك العلاقة بين الآباء، وبين المجتمع بهدف ترسيخ القيم الأصلية وملاءمتها مع المحيط، لأن أغلب الدراسات النفسية والتربوية تؤكد باستمرار على أن تكرار عرض نموذج لعادة ما، كفيل بزرع هذه العادة في النفس.
لذا فإن حماية أبنائنا من التأثر بالقيم السلبية مما يقدمه المحيط، والانسياق وراء السراب، مسؤولية كل مؤسسات المجتمع ووكالاته التربوية من: الأسرة والمدرسة والإعلام، فالمدرسة والأسرة من واجبهما حماية أبنائها من خلال تنشئة اجتماعية سليمة ووفق ثقافة سليمة لمجتمع ذو قيم سليمة، والعمل على التوعية بمخاطر التقليد الأعمى لكل ما يراه أمامه، بهدف الارتقاء بمنزلة هذه التنشئة إلى مستوى التحديات العالمية والمشاركة في إنضاج وترسيخ القيم التي تهم الرقي واحترام البشرية وتحصين المجتمع.