“مدونة الأسرة” اليوم بين مرجعيتين

26 مارس 2024 15:50

هوية بريس – جلال اعويطا

المدونة اليوم بين مرجعيتين مرجعية ترى سمو المرجعية الإسلامية على المواثيق الدولية ومرجعية ترى سمو المواثيق الدولية على غيرها.. الذي يجب أن يستحضره الجميع وخصوصاً العقلاء الذين تهمهم بدرجة أولى مصلحة هذا الوطن في ظل هذا النقاش، هو أن للمملكة المغربية خصوصياتها وأنها الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم على إمارة المؤمنين، حيث يرتكز نظام الحكم على الشرعية الدينية بالدرجة الأولى، وتعتبر البيعة أمراً مقدما على الدستور، فما يجري على الدول الأممية الأخرى لا ينبغي ولا يجب أن يجري على المغرب، وإلا فأمر الخصوصية سيتم ضربه وتجاوزه..

ثانياً في ظل ما يعيشه العالم اليومَ من تقاطعات وتجاذبات صار تقوية البيوت الداخلية للدول أمراً ملحاً للإبقاء على قوة الدولة وتماسك المجتمع، ولا طريق إلى ذلك إلا من خلال مؤسسة الأسرة التي تُعد المصنع الأول لأفراد هذه الدولة، فتفكيك هذه المؤسسة أو سَنُّ قوانين لا تخدمها أو الضرب في مرجعيتها أو المساس بتماسكها أو العبث في هيكلتها له تأثير مباشر على الدولة وفي جميع النواحي، وقد رأينا النماذج الكثيرة أمامنا. الإشكالية هي الفردانية التي يعيشها البعض والذي يريد أن يقنن ويُشرعن ما يخدمه ويخدم توجهه وميولاته وبعض مصالحه دون النظر إلى ما يخدم المجتمع المغربي بأكمله وفي مستقبله القريب والبعيد، فأعمار الدول لا تُقاس بسنوات قليلة، لأن خطوة ما وإن رآها البعض بسيطة اليوم تهدم ولو قليلاً من تماسكنا الأسري، فهي خطوة سيكون لها الأثر الوخيم على المجتمع في السنوات القادمة، وهي ما عبّر عنه جلالة الملك عدة مرات بقوله: (وبصفتنا ملكا لكل المغاربة، فإننا لا نشرع لفئة أو جهة معينة، وإنما نجسد الإرادة العامة للأمة، التي نعتبرها أسرتنا الكبرى.).

والأرقام تشهد على ما ذكرت، فمثلاً، وَفقًا لمعهد الإحصاءات الوطني الياباني (Statistics Japan)، انخفض معدل الزواج في اليابان بنسبة 40٪ تقريبًا منذ عام 1970، مما يشير إلى تحولات في هيكل الأسر وتأخر في الزواج والإنجاب وفقًا لتقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، يعتبر معدل الطلاق في بعض الدول الأوروبية مرتفعًا، مثل السويد وفنلندا والنرويج، حيث يتراوح بين 45٪ و55٪ من حالات الزواج، ووفقًا لتقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، تُظهر الدول ذات الهيكل الأسري القوي استقرارًا اقتصاديًا أكبر، حيث تتمتع بمعدلات بطالة منخفضة ومستويات عالية من النمو الاقتصادي، ووفقًا لتقرير اليونسكو، تحقق الدول التي تعتمد على هيكل أسري متماسك نجاحًا أكبر في تحقيق التعليم الشامل والتنمية المستدامة..

ثالثاً، لنكن عقلاء صرحاء، ماذا تحتاج المملكة المغربية ونحن أمام هذه التحديات الكبرى وهذه القضايا المصيرية، لا تلك المتعلقة بوحدتنا الترابية وتشويش الجيران، ولا بانسداد الأفق السياسي وغياب نخب سياسية قادرة على تدبير المرحلة الحالية، ولا بما نحن مقبلون عليه من أوراش كبرى وغير ذلك .. الجواب الذي لا يختلف عليه العقلاء هو أن ما نحتاجه اليوم هو ما يقوي البيت الداخلي ويُرسخ تامغربيت في صدور الأفراد ويُقوي التماسك بين العرش والشعب، وأنْ تتوحد الرؤى لتجاوز المرحلة الحالية وإنجاح كل الأوراش القائمة بأسر مغربية متماسكة، كل دقيقة نقاش يجب أن تُصرف اليوم فيما يخدم المملكة المغربية تماسكاً وقوةً ونهضة..

هذه النخب التي تحركت اليوم وسخّرت كل إمكانياتها وظهرت فجأةً وواصلت الليل بالنهار للتعديل في المدونة بما يخدم توجهاتها تمنيت صادقاً لو سخرت جزءاً بسيطا من جهودها في قضايا الماء على سبيل المثال، والحملات التي أطلقت لو أطلقتها لتوعية عموم المغاربة باستعمالات الماء وترشيده خصوصاً مع ما نعيشه من مشاكل حقيقية مع هذه المادة الحيوية لكان تأثيرها أقوى إن كانت فعلاً تخاف على مستقبل هذا المجتمع وتسعى كما تفضلت إلى التمكين للأفراد ورفع كل أشكال التمييز، لكن حين تحدث الضبابية وتقع الغشاوة فلننتظر مثل هذه المشاهد..

وأمام هذا الإصرار على تعديل المدونة والمس بالهيكلة الطبيعية للأسرة المغربية يجب مضاعفة الجهود توعيةً وتدريباً ونضالاً وتربية لضمان تعزيز التماسك الاجتماعي والحفاظ على هيكل الأسرة باعتبارها وحدة أساسية في المجتمع..

نقطة أخيرة، وهي أنه لا يُمكن اليوم إصلاح انحراف بعض الأفراد وتقصير بعض الرجال في واجباتهم وإيقاعهم للظلم أو تبني بعض العقليات لبعض التصورات المخالفة للدستور الحالي بضرب القوانين المؤطرة حالياً لمنظومة الأسرة، بل الواجب تعزيز الالتزام بالقوانين والقيم وتوعية قوية بالمسؤولية، وتشديد العدالة ومعاقبة المخالفين وإصلاح الخلل لا إصلاح المدونة !

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M