مدونة الأسرة.. كتيبة لادينية في “مهمة مقدسة”
هوية بريس – عابد عبد المنعم
شهد شهر رمضان، من هذه السنة، حملة تحريض على الثوابت الدينية والمسلمات الشرعية بالمغرب، قادها تيار، لم يعد -في خضم النقاش حول مدونة الأسرة- يُخْف موقفه من الدين: أصوله وفروعه، ثوابته ومحكماته.
وبخلاف حملات أخرى سابقة، فحملة مدونة الأسرة اليوم لم يقدها أفراد من هنا وهناك، لا أبدا، بل قادتها تكتلاتٌ ومنابر وجمعيات وأحزاب، كتبت وحاضرت وطالبت وصرحت ورفعت، بما اختصره عزيز غالي قائلا: “الشريعة عقبة أمام مدونة أسرة مدنية”.
ولتحقيق هذه الغاية؛ فمن هؤلاء من وظَّف القرآن ليضرب به السنة، فيلغي بذلك حجيتها، ومنهم من صرح بأن المذاهب الفقهية اجتهادات بشرية ولى عليها الزمن ولم تعد تصلح لواقعنا الحديث، فليس لنا حاجة لا بمالك ولا الشافعي ولا أحمد ولا حتى أبا حنيفة، ومنهم من تساءل هل النبي محمد ﷺ حقيقة أم خيال؟ ومنهم من توجه رأسا إلى القرآن الكريم، وقال بأن اعتماده مصدرا للتشريع سيتسبب في التخلّف!!!
وتثمينا لهذه الجهود، لا بارك الله فيها، قام من سبق ووصف رسائل نبينا محمد ﷺ بالإرهابية مثنيا على زملائه قائلا “ما يثلج الصدر هو أن التيار الحداثي الديمقراطي قام بعمل عميق في المذكرات والأرضيات، وأشكال الترافع التي تقدَّم بها إلى هيئة مراجعة المدونة”.
إنهم يعتبرون أنفسهم غزاة ومجاهدين، لهم مهمة مقدسة وهي فتح أرض بالمغرب الأقصى تلو أخرى، وتبديل دين الناس من الإسلام إلى الشك أو اللاأدرية أو الإلحاد، ولك أن تبرر هذا بما شئت من العبارات، قل عنه ديمقراطية أو حداثة أو ليبرالية أو انفتاحا أو حتى اجتهادا.. لا يهم.. المهم الآن هو تحقيق النكاية في العدو وتغيير شريعته وتبديلها..
صدقني إنهم يعتبرون هذه المعركة مقدسة، من تخلى عنها من رفاق الحداثة ولم يخرج من “رونضته”، فهو مغموس في النفاق، يقدم خوفه من سلطة الجمهور على نصرة القضية..
ولتحقيق هذه المهمة؛ فكل المبررات القديمة قد تم التخلي عنها، كما لم تعد هناك حاجة للدفع في وجه العلماء والدعاة غير الرسميين، بأن من له حق الكلام في الدين هي المؤسسة الدينية الرسمية وعلماء المجلس العلمي الأعلى، لا لا أبدا، الكل بات اليوم تحت مرمى القصف، والكل بات يوصف بالرجعية والتخلف والنكوص والوراء، ابتداء من بنحمزة ووصولا إلى آخر داعية في المغرب العميق، حتى وإن كان أمازيغيا مالكيا قحّا..
بل حتى النظام السياسي في المغرب، بات بالنسبة لهم ضد التقدمية والحداثة، لأنه -وفق قولهم- يحد من سرعة تنزيل المطالب التي يرفعونها والمشاريع التي يسعون لتنزيلها..
لقد أعلن القوم، وبصوت مرتفع أيضا، أنهم قد خرجوا من طور النفاق إلى مرحلة العلانية والجهر بالدعوة، شعارهم إما العلمانية وإما القصف، ومن لم يرض بها فالتهم جاهزة والمصير محتوم.
ألم تسمعوا إلى ذاك الوزير وهو يخاطبهم داخل مؤسسة دستورية، كأنه منذر جيش، يحثهم على النفير العام، مناديا المعسكر الحداثي داخل قبة البرلمان “ستأتيكم مدونة الأسرة.. وإذا لم نسرعها نحن الذين لدينا توجه حداثي ستأتي جهة أخرى وترجعنا للوراء؟”..
إنها حرب مقدسة تخوضها كتيبة لادينية، مهمتها الإجهاز على ما تبقى معمولا به من الدين في القوانين، وإعادة تشكيل المجتمع المغربي وصياغته حتى يقبل بالمنظومة الغربية في التشريع والسلوك، ويصير حلقة في منظومتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والقيمية.
فبعد كل هذا؛ هل نحن واعون بخطورة المرحلة وحساسيتها!!