مدونة الأسرة.. يحسبونه هينا و هو عند الله عظيم
هوية بريس – د.خالد الصمدي
لا يمكن فهم أهمية وخطورة ورش تعديل مدونة الأسرة الا بالرجوع الى سياق إرساء النظام الجديد للأسرة على عصر الرسالة والذي تم بناؤه بالتدريج على مدى زمني طويل بعد ما وجد الإسلام العلاقات داخل المجتمع قائمة على المشاعية الجنسية واختلاط الانساب ونسب الولد للفراش بالفراسة والقيافة، وحصر الميراث في الذكور وترسيخ دونية المرأة بل ووأدها في المهد، فجاء بنظام يستهدف إعادة ترتيب هذه البنية المنهارة من خلال إعادة تنظيم العلاقات داخل المجتمع بتشريع الاستئذان والحجاب مراعاة للحرمات، وضبط العلاقة بين الرجال والنساء وحصرها في الزواج الشرعي الذي ينبني عليه التحمل المشترك لأعباء الأسرة والأبناء، كما يستهدف إعادة ترتيب علاقة النسب والمصاهرة من خلال اشتراط زواج المسلم بالمسلمة ومنع الزواج من المشركات، مع الانفتاح المشروط والمنظم على أهل الكتاب، وما سيرتبط بها بعد ذلك من حقوق الإرث في نظام دقيق لا ينفصل عن كل ماسبق ويقوم بدوره على درجة تحمل أعباء الأسرة بعد وفاة معيلها المباشر ضمانا لاستمرارها، مع ضمان الاحتفاط ما أمكن بالثروة واستثمارها في دائرة المجتمع المسلم بمنع التوارث بين المختلفين في الدين والمعتقد إلا ما كان من الوصية، وغير ذلك من بنيات هذا النظام الذي تم إحاطته بتشريعات دقيقة سواء من حيث البناء والتأسيس، كبيان الحقوق والواجبات وترسيخ قيم المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف، أو تلك التي تضمن له الاستمرار والاستقرار كطرق علاج الخلافات الطارئة كالنشوز والشقاق، وترتيب العلاقات ما بعد الانفصال والطلاق، أو من حيث العقوبات التي تصونه من كل صور الاختراق التي تؤدي به إلى الانهيار كعقوبة الزنى والقذف وغيرها.
وقد أدت كل هذه التوجيهات والإجراءات والتشريعات إلى إحلال هذا النظام المتكامل بالتدريج في المجتمع المسلم حتى استقرت الأسرة فنظمت الأنساب وحفظت الكرامات وتم ترتيب المسؤوليات وحماية الحقوق والواجبات، واستمر هذا النظام إلى يومنا هذا مصانا بأحكام وتوجيهات القرآن وسنة النبي العدنان رغم كل الصعوبات والاهتزازات التي تواجهها الأسرة فتعالج بالتربية والتوعية بخصوصية هذا النظام وأهميته والتعريف وبأصوله التأسيسية وحدود الاجتهاد في تنزيله في ضوء التحولات والمستجدات والمتطلبات، مع بيان خطورة كل اختراق يهدده كالدعوة إلى المشاعية الجنسية تحت مسميات مختلفة، والدعوة إلى إعادة النظر في شروط وأركان الزواج ونظام الإرث ، وغيرها من الدعوات التي ستعود بهذا النظام إلى نقطة الصفر، إلى وضعية الجاهلية الأولى.