“مدونة الرفاق” في المغرب!
هوية بريس – نبيل غزال
لازالت ردود الأفعال تتوالى حيال التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، وفي هذا الصدد يعمل الفصيل الذي يرفض المرجعية الوطنية جاهدا كي يسوق للمرجعية الغربية الدخيلة ومفهومها للفرد والأسرة.
وفي هذا الصدد عقد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عضو لجنة مراجعة المدونة، المفروض فيه -اعتبارا لمنصبه- الحياد، (عقد) لقاء مطولا مع مجموعة من الجمعيات النسائية ذات توجهٍ واحد معروف، أعربوا خلاله بأن النظام السياسي في المغرب ضد التقدمية والحداثة، لأنه -وفق قولهم- يحد من سرعة تنزيل المطالب التي يرفعونها بخصوص المدونة وغيرها.
وقد كشفت إلهام الوالي، عضو المكتب التنفيذي لمنظمة نساء العدالة والتنمية، عن معطيات مثيرة تضمنها لقاء عقد داخل مبنى وزارة العدل بالرباط، وقالت إلهام بأن وهبي له تكتيك سياسي الهدف من ورائه أن تصبح المدونة بمثابة قانون مدني لا علاقة له بالمرجعية الإسلامية.
ونقلت ذات المتحدثة عن الوزير بأنه يطمح للالتزام بالاتفاقيات الغربية دون النظر لمدى توافقها مع ثوابت الدولة والمجتمع، ومن ضمن التعديلات التي يطمح لها الرفيقات والرفاق: تجريم زواج الفتاة دون سن 18 سنة ومنع تعدد الزوجات.
وبمنطق “خوك خوك ليغلبوك” والحمية والحنين لأفكار اليسار، فقد تداعى حزبا “التقدم والاشتراكية” و”الاتحاد الاشتراكي” لتنظيم لقاء من أجل “إصلاح جذري وشامل لمدونة الأسرة”، والجميع يعلم حمولة كلمة “جذري” لدى اليسار.
وقد شارك في اللقاء أكثر من 19 جمعية وهيئة وفعالية يسارية، طالبوا خلاله بكل “جرأة” بمدونة جديدة للأسرة تقطع بالمرة مع المقاربة المحافظة، وذلك من خلال “منع تعدد الزوجات وتجريم تزويج الفتاة دون 18 سنة، واقتسام الممتلكات المكتسبة من قِبل الزوجين أثناء فترة الزواج؛ واعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب؛ وإلغاء التعصيب والسماح للورثة بالحق في الوصية؛ وإلغاء التمييز على أساس الجنس أو المعتقد في الزواج؛ وإلغاء المادة 400 من المدونة الحالية للأسرة..”.
هذا مع مراجعة مجمل التشريعات الوطنية ذات الصلة بالمساواة، وفي مقدمتها القانون الجنائي.
أكيد أن الأحزاب والجمعيات المذكورة آنفا، والتي ترفع هذه المطالب مستحضرة بشكل جيد أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة (الفصل 3 من الدستور)، وأنه لا يحق لها أن تتناول مراجعاتُها الأحكامَ المتعلقة بالدين الإسلامي (الفصل 175 من الدستور)، كما لا يجوز أن يكون من ضمن أهدافها المسطرة المساس بالدين الإسلامي (الفصل 7 من الدستور).
لكن رغم ذلك فهي تدوس على الدستور والقانون والدين والمرجعية والتاريخ والاستقرار، بل هي مستعد كي تذهب أبعد من ذلك بكثير، فقط لخدمة أهدافها الأيديولوجية التي تتعصب لها لدرجة الاستصنام.
وخير دليل على ذلك المطالب المثيرة التي تقدمت بها نسويات، ورفاق ورفيقات، عفوا، رفيقات ورفاق نبيل وإدريس، برفع التجريم عن “الزواج المثلي” و”زواج المسلمة بالكافر”!! والقطيعة بالمرة مع المذهب المالكي في المدونة، خاصة المادة 400 التي تحيل على ضرورة: “الرجوع إلى اجتهادات المذهب المالكي في حالة عدم وجود نص قانوني يؤطر قضية ما، والذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.
وكما لا يحفى على المتابعين فحاملو مثل هذه الأفكار، وإن كانوا لا يمثلون سوى أنفسهم في المجتمع المغربي، فهم لا يتحركون من داخل الأحزاب السياسية ولا المنابر الإعلامية والمنصات الثقافية والفكرية فحسب، بل يسيطرون على عدد غير قليل من المؤسسات المهمة والحساسة، ومن خلالها لا يسعون للتبشير بأفكارهم الماضوية فقط، بل يعملون على تنزيلها بكل الوسائل والسبل المتاحة وغير المتاحة.
وها هي الرفيقة أمينة بوعياش تستغل مؤسسة دستورية، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لتعلن من خلاله رفْضَها تجريم الزنا، وفق الاصطلاح القرآني، أو ما يسمونه -تحايلا- بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وتستنكر وهي تنظر في أعين الجمهور، دون وجَل ولا حياء، استعمال عبارات من قبيل “زعزعة عقيدة مسلم” و”الإخلال العلني بالحياء العام” و”هتك العرض”، في القوانين المغربية.
خلاصة القول أن الرفيقات والرفاق، وإن اختلفت مذاهبهم وتعددت تلاوينهم السياسية، قد توحدوا تحت لواء واحد من أجل الإجهاز عما تبقى معمولا به من المذهب المالكي والشريعة الإسلامية في مدونة أسرة المغاربة..
والمدونة التي يبشر بها الرفاق بالمغرب لا مكان فيها للمذهب المالكي وبخاصة المادة 400، ولا لشيء فيها من شرع الله، وإن كان مسطرا في القرآن الكريم ومقررا في سنة رسوله الأمين ﷺ بكل دقة ووضوح.
أما النكاح فلا يعقل، ونحن نعيش في أوج الحرية والانفتاح، أن يبقى محصورا عندهم بين ذكر وأنثى فقط، فيجب أن يشمل الزواج الذكرين أو الأنثيين، ولما لا الإنسان بالحيوان.. أو أي شيء آخر.. لكن يحرم ويجرم ووو زواج الفتاة قبل (18 سنة)، دون المس -طبعا- بحريتها الفردية في أن تفعل ما تشاء قبل هذا السن (والفاهم يفهم)!!
كما لم يعد مقبولا عندهم الحديث عن حكم زواج المسلمة بالكافر أو العكس، فالمعتقد أمر شخصي لا علاقة له بهذا الرباط المدني..
وفيما يخص الإرث فلم يعد له حاجة البتة بعد تفكيك الأسرة الممتدة، وقطع أواصر الروابط الاجتماعية، فالأموال بالنسبة لهم تحول بعد الوفاة إلى بشر أو حجر أو بهيمة.. بناء على وصية وكفى..
ولا يجب أبدا نسيان اقتسام الأموال بالتساوي إن قرر الطرفان فك الارتباط بينهما..
وخوفا على المال، وما أدراك ما المال، فقد كاد الزواج يختفي في المجتمعات التي سلكت هذا الطريق، واكتفى مواطنوها بالمعاشرة كسائر المخلوقات دون البشر.. بل منهم من هجر الجنس الثاني خوفا من ضياع عرق جبينه أو التلبس بتهمة “الاغتصاب الزوجي”..
إنها المدونة التي يبشر بها الرفاق في المغرب فما أنتم فاعلون..