“مذكرة بيضاء”.. سلاح السلطات الفرنسية لإغلاق المساجد
هوية بريس – متابعات
تستخدم فرنسا سلطات تمنح المسؤولين تفويضاً كبيراً لإغلاق المساجد في البلاد، دون أن يكون هنالك تحقق مُناسب يستدعي إغلاقها، إضافة إلى اتباع إجراءات توصف بـ”المُبهمة” تمنع في النهاية من إبطال قرارات إغلاقات المساجد، وتستند قرارات الإغلاق على ما يسمى “مذكرة بيضاء” يصعب الطعن فيها.
أحد المساجد التي أغلقتها السلطات الفرنسية مسجد “ألون”، الذي كان يديره كريم داوود لمدة ثلاث سنوات، ويقع في شمال غرب فرنسا، كما عمل كريم لأكثر من عقدين في خدمات الشباب بالمجلس المحلي.
داود، وفق “عربي بوست”، كان أيضاً بين أولئك الذين زاروا كنيسة كاثوليكية قريبة للتعبير عن تضامنهم في أعقاب هجوم مميت شنه متطرف على كنيسة بجنوب فرنسا في 2020.
في أكتوبر 2021، منح مكتب وزارة الداخلية المحلي الرجل البالغ من العمر 46 عاماً وساماً، تقديراً لفترة خدمته الطويلة كموظف حكومي.
لكن بعد أيام، أغلق مكتب وزارة الداخلية المحلي المسجد لستة أشهر، قائلاً إنه يروج “لممارسة متطرفة للإسلام”، و”ينمي شعوراً بالكراهية تجاه فرنسا”، وفقاً لأمر الإغلاق.
إلا أن ممثلي المسجد نفوا هذه المزاعم، وقالوا إن الحكومة قدمت أدلة غير كافية حول أسباب قرار إغلاق المسجد.
يُعد هذا المسجد واحداً من عدد متزايد من المساجد، التي أغلقها المسؤولون باستخدام مجموعة من السلطات، التي يقول نشطاء حقوقيون ومنظمات دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ومسلمون، إنها تمنح المسؤولين تفويضاً مطلقاً لإغلاق أماكن العبادة دون تدقيق مناسب، وبإجراءات مبهمة لا تعطي فرصة لإبطال القضية.
فيونوالا ني أولين، مقررة الأمم المتحدة الخاصة، والمعنية بحماية حقوق الإنسان في أثناء مكافحة الإرهاب، قالت عن الإجراءات القانونية المستخدمة في مثل هذه الحالات، والتي يمكن أن تشمل أدلة بدون تحديد مصدرها: “إنه أمر عبثي”.
أضافت أولين أن التلاعب بالأدلة السرية أمر مثير للقلق في حد ذاته، لكنه ينتهك أيضاً أحكام المعاهدات الدولية”، المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة والمساواة أمام القانون.
من جانبه، رفض قصر الإليزيه التعليق على ما أوردته وكالة رويترز حول إغلاق المساجد بفرنسا، وقالت وزارة الداخلية إن “الحكومة عززت من قدرة السلطات على منع ومكافحة الإرهاب الإسلامي على مدى السنوات الخمس الماضية، وإن جميع الإجراءات القانونية التي تم تبنيها تمت في إطار الاحترام الكامل لسيادة القانون”.
في أكتوبر 2017، وبعد خمسة أشهر من تولي ماكرون الرئاسة، أقر البرلمان الفرنسي قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب، عزز سلطات الشرطة في المراقبة وسهل إغلاق المساجد التي يشتبه في أنها تدعو إلى الكراهية، مع رقابة قضائية محدودة.
حل هذا القانون محل حالة الطوارئ التي كانت مفروضة في أواخر عام 2015، وبموجب قانون 2017، تتمتع وزارة الداخلية بصلاحية إغلاق أماكن العبادة لمدة تصل إلى ستة أشهر إذا كانت هناك شكوك في أنها تستخدم للترويج لخطاب الكراهية أو التحريض على العنف أو إثارة أعمال عنف متطرف أو تبرير أعمال إرهابية.
يمكن للمواقع الدينية الطعن في قرارات الإغلاق أمام المحاكم الإدارية الفرنسية، التي تفصل في النزاعات بين المواطنين والهيئات العامة، وفي المعتاد لا تتطلب القضايا المنظورة أمام المحاكم الإدارية استدعاء شهود.
تُشير وكالة رويترز إلى أنه تم إغلاق مسجد “ألون” عن طريق وضع قضية الحكومة الفرنسية في وثيقة من 20 صفحة تسمى “مذكرة بيضاء”.
أوضحت رويترز أن الوثيقة ليست متاحة للجمهور، ولكنها اطلعت عليها، ولا تحدد الوثيقة متى تم جمعها، وعن طريق من، أو من أين جاءت المعلومات، كما هو الحال مع المذكرات البيضاء في المعتاد.
تزعم المذكرة أن أربعة أشخاص مرتبطون بالمسجد، ومن بينهم داود وقائد آخر للمسجد، أعربوا عن تعاطفهم بين سبتمبر 2020، وأبريل 2021، مع هجومين مختلفين لمتطرفين في فرنسا.
كما تضم المذكرة البيضاء خمسة كتب عُثر عليها في المسجد، وتمت الإشارة إليها باعتبارها “متطرفة”.
يقول داوود، الذي يقوم بتدريس الدراسات الإسلامية في معهد ليل للدراسات السياسية، إن أربعة من هذه الكتب متوفرة على نطاق واسع في المكتبات المتخصصة وعلى الإنترنت. والكتاب الآخر هو “رياض الصالحين”، وهو كتاب من القرن الثالث عشر موجود بالمكتبة الوطنية الفرنسية.
كما زعمت الحكومة في المذكرة البيضاء أن “الدعاة أخبروا المصلين بأن فرنسا بلد فاسد سيعاقبه الله، وأنهم يمجدون الجهاد المسلح، وأن بعض المصلين سُمعوا وهم يدعون إلى العنف، دون تحديد من سمع المصلين يقولون ذلك”.
يرد داود بالقول إن قضية الحكومة تسيء تفسير مصطلح “الجهاد”، الذي “يمكن أن يعني القتال المسلح، لكنه كثيراً ما يستخدم للإشارة إلى الجهاد الأكبر، وهو ما يعني النضال السلمي من أجل تحسين الذات”.
قدّم داود شكوى إلى مكتب المدعي العام، في ديسمبر 2021، زاعماً أنه أياً كان من قدم المعلومات إلى السلطات فهو مذنب بالافتراء لاتهامه زوراً بالترويج للإسلام المتطرف والجهاد المسلح، ونفى داود في الشكوى أي صلة له بالإرهاب.
بدوره، قال القس جريجوار كادور، الذي خدم لأربع سنوات في الكنيسة الكاثوليكية التي تبعد عشر دقائق سيراً على الأقدام من المسجد، إنه لا يستطيع تقبل المزاعم الموجهة إلى قادة المسجد الذين يعرفهم. وقال القس، الذي انتقل إلى أبرشية أخرى العام الماضي “هذه الاتهامات مفاجأة كاملة بالنسبة لي”.
كذلك تحدثت رويترز إلى أكثر من 12 من مرتادي المسجد، وسكان محليين آخرين، وقالوا إن قادة وأئمة المسجد عبروا على ما يبدو عن آراء متسامحة، وإنهم لم يسمعوهم يستخدمون خطاب كراهية.
من جانبها، وصفت حكومة ماكرون إغلاق مسجد “ألون” بأنه مثال رئيسي على حملتها على “التشدد الإسلامي”، وأغلقت السلطات الفرنسية 22 مسجداً خلال الأشهر الـ18 الماضية، وفقاً لوزارة الداخلية، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة على المجموع الكلي خلال السنوات الثلاث الماضية، وفقاً لمسؤول في الوزارة.
أضافت وزارة الداخلية أن السلطات “حققت في نحو 90 من أصل 2500 مكان عبادة للمسلمين في فرنسا، للاشتباه في نشر أيديولوجية انفصالية”، تقول الحكومة إنها تتحدى العلمانية الفرنسية.
فيما يتعلق بمسجد “ألون”، قالت الوزارة إن السلطات قدمت أدلة مفصلة للمحكمة لدعم المزاعم، وإن محاميي المسجد أتيحت لهم الفرصة للطعن في الأمر، لكنهم فشلوا في النهاية.
بدوره، قال مكتب المدعي العام لرويترز، إن هناك تحقيقاً قضائياً يجري حالياً بشأن ما إذا كان قادة أو أعضاء في جمعية مسجد “ألون” “يدعون إلى الإرهاب ويحرضون على الإرهاب”، دون تسمية أفراد، وأشار المكتب إلى أنه لم يتم توجيه أي اتهامات.
يقول داود، الذي كان رئيساً لجمعية المسجد، إنه لا علاقة له بالتطرف العنيف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وقال عن إغلاق المسجد “بالنسبة لي هذا ظلم، إنها خيبة أمل كبيرة فيما يتعلق باندماجنا” في المدينة.
من جانبها، قالت نبيلة عثمان، المحامية التي تمثل قادة المسجد، إن وزارة الداخلية لم “تقدم أدلة كافية لإثبات الاتهامات الخطيرة التي وجهتها في إطار قضيتها لإغلاق المسجد”، مضيفة أن قضية الحكومة استندت إلى مزاعم كاذبة، وأن التحقيق لم يكن شاملاً. وقالت “لم يفشل المحامون، بل فشلت العدالة”.
بموجب الإجراءات الإدارية، مثل تلك المستخدمة في حالة مسجد “ألون”، فإن الإغلاق مؤقت، لكن بعض المساجد لا تفتح أبوابها مجدداً، بحسب نشطاء حقوقيين ووزارة الداخلية.