مذكرة تُعري “انحرافات” المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن تعديل مدونة الأسرة

04 مارس 2024 21:27

هوية بريس – متابعات

قام موقع “pjd.ma” التابع لحزب العدالة والتنمية بنشر النص الكامل للمذكرة الإضافية التي قدمها الحزب في مواجهة ما جاء في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي ” تحللت من كل الضوابط الدستورية والتوجيهات الملكية وصادمت توجهات المجتمع المتمسك بهويته الدينية ومرجعيته الأصيلة الممتدة في أعماق التاريخ”، وذلك ردا على “التيار المتحكم في مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان” والذي هاجم ما جاء في المهرجان الخطابي الأخير لحزب المصباح بشأن مدونة الأسرة.



وفيما يأتي النص الكامل للمذكرة الإضافية التي قدمها “البيجيدي” في مواجهة ما جاء في مذكرة المجلس:

” تقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم 20 دجنبر 2023 إلى الهيئة المكلفة بإعداد تعديل مدونة الأسرة بمذكرة تضمنت مقترحات وتوصيات المجلس بشأن مراجعة هذه المدونة.

وباعتبار أن الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة والتي أعطت الانطلاقة لهذا الورش بتاريخ 26 شتنبر 2023 حددت المنهجية المؤسساتية لمراجعة مدونة الأسرة، إذ جاء فيها “واعتبارا لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع، فقد ارتأينا أن نسند قيادة عملية التعديل، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة. وفي هذا الإطار، ندعو هذه المؤسسات لأن تشرك بشكل وثيق في هذه العملية الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.”؛ وهو ما أعطى للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بمعية المؤسسات الأخرى مكانة خاصة تترتب عنها -باعتبار وضع المجلس الدستوري والمؤسساتي- واجبات والتزامات اتجاه ورش تعديل مدونة الأسرة.

وعلى إثر إعلان الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة بتاريخ 27 دجنبر 2023، إنهاء جلسات الاستماع للتصورات بخصوص تعديل مدونة الأسرة، وتأكيدها أن الباب والمجال سيظلان مفتوحين لكل من يرغب في إضافة آراء أو تحليل أو توصيات أو مقترحات لتزويد الهيئة بها، وأن الهيئة ستشرع في التداول بشأن الاقتراحات والتوصيات والمذكرات المكتوبة التي قدمت لها في مختلف جلسات الاستماع.

وباعتبار أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليس مؤسسة عادية أو جمعية خاصة أو حزبا يحمل توجها إيديولوجيا معينا، وإنما هي مؤسسة دستورية وطنية تتولى بمقتضى الفصل 161 من الدستور “النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.”

وحيث إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان هو عضو في الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة التي تلقت الاقتراحات والتوصيات والمذكرات؛ وطرف في المداولات التي شرعت الهيئة في إجراءها بعد إنهاء عملية الاستماع للتصورات.

واعتبارا لكل ماسبق، وبالنظر أيضا للمكانة والاختصاصات والمرجعية الدستورية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المشار إلى جزء منها أعلاه ولموقعه داخل الهيئة، تابع حزب العدالة والتنمية باهتمام شديد المقترحات والتوصيات التي قدمها المجلس أمام الهيئة المكلفة بإعداد تعديل مدونة الأسرة.

ومن خلال قراءة متأنية لهذه المذكرة والمقترحات والتوصيات، والمبررات المعلنة للدفاع عنها، وبالنظر لما تضمنته مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان من اقتراحات وتوصيات يرى حزب العدالة والتنمية أنها لا تلتزم إطلاقا بالإطار والمرجعية والثوابت الوطنية والدستورية والملكية والمجتمعية لورش إصلاح مدونة الأسرة، فقد ارتأى من منطلق واجبه الديني والوطني أن يواصل مساهمته في هذا الورش الهام والحيوي وأن يتفاعل مع ماجاء من مقترحات وتوصيات في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ أولا- من حيث منهجية بلورة واعتماد المذكرة؛ ثانيا- من حيث موضوع المقترحات والتوصيات؛ ثالثا- بخصوص المقترحات التفصيلية لتعديل مجموعة من المواد في مدونة الأسرة؛ ورابعا- في خلاصة عامة.

أولا- من حيث منهجية بلورة واعتماد المذكرة؛ تجاهل المجلس كونه مؤسسة تعددية ومستقلة يفترض فيها أن تسهر على حماية حقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق أعضائها، حيث تم تمرير التوصيات والمقترحات والمصادقة عليها بشكل لا يراعي التعددية ولا يتقيد بقواعد الديمقراطية والشفافية الذي يفترض أن تؤطر عمل مؤسسة دستورية وطنية:

لقد اكتفت المذكرة بالإشارة إلى “النقـاش التفاعلـي للجمعيـة العامـة المنعقدة بتاريـخ 16 يونيـو 2023″، و “مصادقـة الجمعيـة العموميــة للمجلــس علــى مشــروع المذكــرة بعــد مناقشــتها والتــداول بشــأنها وإغنائهــا خــلال دورتهــا المنعقدة يــوم 20 دجنبــر 2023″؛ وهو نفس اليوم الذي قدم فيه المجلس المذكرة إلى الهيئة، وهو ما يطرح سؤال مدى احترام المجلس لحق أعضاء الجمعية العمومية في الاطلاع المسبق والوافي عليها، وحقهم في مناقشتها مناقشة حقيقية، وفي تعديلها قبل المصادقة عليها، حيث عرضت المذكرة على الجمعية العمومية في نفس اليوم الذي قدمت فيه إلى الهيئة.

كما أن المجلس تجاهل أنه وبمقتضى الفصل 161 من الدستور يختص بالنظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها وبضمان ممارستها الكاملة والنهوض بها، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال؛ وهو ما يعني أن مرجعية المجلس يجب أن تكون -أولا وقبل كل شيء- مرجعية وطنية، وأن ينفتح على المرجعية الكونية في احترام تام للثوابت والمرجعية الوطنية، إلا أن المذكرة في بابها II المتعلق بالإطار المرجعي، والذي تضمن 20 مرجعية قانونية وطنية ودولية، لم تنص إلا على مرجعيتن وطنيتن اثنتين وردا كما يلي: “الدستور المغربي لسنة 2011″؛ و”مقاصد الشريعة الإسلامية المستندة إلى مبادئ المساواة والعدل والإنصاف”؛ وفي المقابل تضمن هذا الباب 18 مرجعية قانونية دولية مفصلة؛ كما أن المذكرة لم تعتمد الخطابات والتوجيهات الملكية بصفة جلالة الملك أميرا للمؤمنين، ضمن الإطار المرجعي للمذكرة، ولم تأت على الإشارة لهذه الخطابات والتوجيهات إلا مرة واحدة في “الفقرة 8 من الباب I المتعلق بالاعتبارات”، والتي وردت كما يلي: “الرســالة الملكية الســامية إلــى الســيد رئيــس الحكومــة المتعلقــة بمراجعــة مدونــة الأســرة بتاريــخ 26 ســبتمبر 2023”.

ثانيا- من حيث موضوع مقترحات وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبعرضها على الثوابت والمرجعية الوطنية المؤطرة لإصلاح مدونة الأسرة، والمقتضيات الدستورية المؤطرة لعمل المجلس، يتضح أن كل هذه المقترحات والتوصيات -وبدون استثناء- محكومة بهاجس واحد وهدف واحد وتتبع خيطا ناظما واحد وهو المساواة الميكانيكية الكاملة بين الرجل والمرأة، وفق ما يسميه المجلس الملائمة مع المرجعية الكونية وفي إطار حرصه على التنفيذ الكامل دون قيد أو شرط أو تحفظ للتوصيات الأممية. ولتحقيق كل هذا، سلك المجلس مسلكا كانت نتائجه في النهاية كالآتي:

1) جعل أحكام مدونة الأسرة متحللة من أي قيد أو ضابط ينتسب للمرجعية الإسلامية، من خلال التجاهل التام من طرف المجلس لطبيعة مدونة الأسرة باعتبارها نصا قانونيا قائما بمقتضى مرجعية الدولة وأحكام الدستور على الشريعة الإسلامية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على المبادئ الموجهة للمذكرة وعلى تشخيصها للاختلالات التي كشف عنها تطبيقها، وبالتالي على المقترحات والتوصيات التي قدمها المجلس، والتي لا تحترم خصوصية المجتمع المغربي المسلم، ولا تلامس الإشكالات الحقيقية التي تعاني منها المرأة المغربية، وتسقط في فخ ترديد بعض الحلول المستوردة من سياقات ثقافية وحضارية لا علاقة لها بحقيقة المجتمع المغربي، وتتعارض مع النصوص الشرعية القطعية بشكل صريح، وتسعى إلى جعل الحرام حلالا والحلال حراما.

مع العلم أن تعديل مدونة الأسرة في إطار المرجعية الإسلامية، ليس اختيارا اجتهاديا، وإنما هو الإطار المرجعي الإلزامي الذي تنطلق منه مدونة الأسرة في حد ذاتها، فمقتضيات المدونة تغطي أحكام الزواج والطلاق والولاية والنفقة والحضانة والإرث والوصية وغيرها كما هي مقررة في الشريعة الإسلامية، ولذلك فلا حاجة للتذكير بأن أي تعديل أو تغيير يتعلق بنصوص المدونة ينبغي أن يتم في إطار المرجعية الإسلامية، ولا يقبل نهائيا من مؤسسة دستورية أن تسمح لنفسها باقتراح بعض الأمور التي لا تراعي الأحكام القطعية للشريعة الإسلامية وتتعامل مع مقتضيات الدستور وفق هواها، ولا تلتزم بالتوجيهات الملكية.

2) جعل أحكام مدونة الأسرة في حالة تعارض صريح مع مقتضيات الدستور والتي عرفت في الفصل 32 منه الأسرة بشكل دقيق كما يلي: “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.”؛ وحددت الغاية الدستورية من القانون المنظم لها حيث نص على أن: ” تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.”، وعليه فإن أي تشريع يعني الأسرة يجب أن ينضبط للتعريف الدستوري للأسرة وأن يسعى إلى تحقيق الغاية التي حددها الدستور للقانون المنظم لها.

كما أن المذكرة تجاهلت الدستور في التعاطي مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والتي تبقى مقيدة بثوابت المملكة وبأحكام الدستور، حيث نص الفصل 19 منه على ما يلي: “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.”، والتزام المغرب في ديباجة الدستور ب”جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.”؛ هذه الهوية الوطنية التي “تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها”، وفقا لديباجة الدستور.

لقد تعامل المجلس بقبول ميكانيكي للتوصيات والتعليقات المرتبطة بآليات المعاهدات الدولية، دون مراعاة الممارسة الاتفاقية المغربية التي تتحفظ على جميع التوصيات المخالفة للشريعة الإسلامية في المحافل الدولية، وضدا على الأجوبة الرسمية المغربية على التوصيات الموجهة إليه في مجلس حقوق الإنسان بجنيف في نونبر 2022 بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل، والتي صدرت في مارس 2023، وهي أجوبة تكشف عن ممارسة اتفاقية تنتصر لثوابت المغرب ومرجعيته الدستورية، حيث تتوزع بين توصيات مقبولة باعتبارها مفعلة أو في طور الإعمال، وتوصيات مقبولة جزئيا من خلال الالتزام بدراستها، دون أن يلتزم بتعديل قوانينه المتعلقة بها، وتوصيات مرفوضة كليا وعلل المغرب رفضه بقوله: “وفي جميع الأحوال، تجدد المملكة المغربية تأكيدها على تعارض الأجزاء المرفوضة في هذه التوصيات المركبة، جزئيا أو كليا، تبعا للحالة، مع الثوابت الجامعة للأمة المغربية، ومرتكزات الممارسة الاتفاقية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان.”

إلا أن مقترحات المجلس الوطني لحقوق الإنسان تعطي الأولوية للمرجعية الدولية، وعند الخلاف والتعارض بين هذه الأخيرة والمرجعية الإسلامية أو أحكام الدستور ، لا يتوانى المجلس في أن يجعل الأولى تسمو وتكون حاكمة على المرجعية الإسلامية، ضدا على السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني، ودون اعتبار لمكانته الدستورية ولمرتكزات الممارسة الاتفاقية للمغرب والتي كانت وما تزال تحتفظ لبلدنا بحق التحفظ والتمايز وعدم الاستنساخ الحرفي لما يصدر من توجهات تعكس خصوصيات وأنماط حضارية لشعوب أخرى، وهو ما يجعل مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تخرق بشكل جسيم الدستور.

3) التجاوز الفج وغير المقبول للخطابات والتوجيهات الملكية السامية المتواترة والمؤطرة لورش مراجعة مدونة الأسرة، باعتبار جلالته أمير المؤمنين ولاسيما تلك الواردة في خطاب العرش لسنة 2022؛ وفي خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية الحالية؛ وفي الرسالة الملكية السامية الموجهة للسيد رئيس الحكومة في 26 شتنبر 2023، والتي أطرت كلها بشكل واضح ودقيق مرجعية وموضوع التعديلات المرتقبة عند مراجعة مدونة الأسرة.

إذ أن المرجعية والمنهجية المؤطرة لتعديل المدونة من طرف جلالة الملك راعت بأن مدونة الأسرة باعتبارها نصا تأسيسيا غير قابل للمراجعة إلا في الجوانب القانونية والقضائية بما لا يخل بمرجعيتها التشريعية القائمة على الشريعة الإسلامية، وفي نفس الوقت مواكبة التطور المؤسساتي الذي عرفه المغرب بعد استقلال السلطة القضائية والنيابة العامة.

وهو ما يعني أننا أمام تعديلات محصورة فيما هو مسطري وقانوني وقضائي ارتباطا بسوء التطبيق لأسباب سوسيولوجية، ولا تسمح لأي كان باستغلال موقعه لتمرير مقترحات تمس بأحكام الشريعة الإسلامية في المدونة وتعطل مفعولها القانوني والاجتماعي.

وللتذكير فقد أكد جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2022 بالخصوص على ما يلي: “وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها، ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء.
والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها.

فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال. لذا، نشدد على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية.

كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.”

4) التجاوز السافر لهوية وقيم وقناعات وخصوصيات المجتمع المغربي المسلم، وحشر المذكرة لمواضيع واقتراحات عديدة لم يطالب بها المجتمع المغربي أصلا، الذي عرف بإعلائه من شأن الأسرة وانتصاره لتقيدها بالنصوص والأحكام الشرعية، وهو ما يجعل هذه المذكرة تطرح في بيئة غير بيئتها الطبيعية والحقيقية، وتستجيب لمطالب وانتظارات لم يعبر عنها المجتمع المغربي ولم يطالب بها، وتقترح نموذجا للأسرة بعيدا كل البعد عن الأسرة المغربية، ضاربة عرض الحائط كل المرجعيات والمرتكزات التي يجب أن تقيد وتؤطر مؤسسة من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتستحضر مكانته الدستورية والمؤسساتية.

ثالثا- بخصوص المقترحات التفصيليةالتي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتعديل مجموعة من المواد في مدونة الأسرة، يتبين ويبرز بشكل جلي حجم الخروقات والتجاوزات التي سبق ذكرها؛ ويظهر بشكل واضح وصريح ما يهدف إليه المجلس من المساواة الميكانيكية الكاملة بين الرجل والمرأة في كل شيء، وذلك في المواد التالية:

1- تعريف الأسرة:

تعتبر مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن “مدونة الأسرة لـــم تتطـــرق لمفهـــوم الأســـرة التـــي يفتـــرض أن تطبـــق عليهـــا مضاميـــن هـــذا النـــص”، وتعتبر “أن مقتضياتهـــا تطرقـــت بشـــكل غيـــر مباشـــر لأشـــكال مـــن الأســـر، ورتبـــت علاقـــات قانونيـــة عليهـــا”، وبالقراءة المتفحصة لمضامين مقترح المجلس المتعلق بتعريف الأسرة، نسجل الملاحظات التالية:

– إن مدونة الأسرة لم تهمل تعريف مفهوم الأسرة، كما تدعي المذكرة، وعرفته من خلال نصها على أهم شرط لقيامها وهو الزواج بين المرأة والرجل، ووضعت أيضا مقاصده الشرعية فجاء التعريف على الشكل التالي في المادة الرابعة من المدونة: “الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة”.

– إن الإقحام التعسفي لمفهوم “الأشكال الأخرى من الأسر” انطلاقا من قراءات متعسفة لبعض مقتضيات المدونة التي تطرقت إلى: (الخطبة والزواج غير الموثق وكفالة الأطفال المهملين والولادات خارج مؤسسة الزواج..) وهي مصطلحات واردة في المدونة ولا تسعف في الحديث عن “الأشكال الأخرى من الأسر”، وهو إقحام متعسف لأشكال من توثيق الزواج للتأسيس لمفهوم “الأشكال المتعددة للأسرة”، والتطبيع مع مفهوم جرى توليده في سياقات ثقافية غربية أساسا لتبرير الخروج الواضح عن مؤسسة الأسرة الفطرية والشرعية وتقنين أشكال جديدة من العلاقات الشاذة بين الرجال والرجال والنساء والنساء وغيرها، وهو ما سمح في النهاية بإضفاء الشرعية القانونية في بعض الدول الغربية على هذا النوع من العلاقات، تحت شعار مضلل وهو:”الزواج للجميع” (Mariage pour tous) كما في الحالة الفرنسية.

– إن محاولة جعل المعالجات القانونية التي قامت بها مدونة الأسرة لإشكالية النسب في الباب الثاني من القسم الأول المتعلق بالبنوة والنسب “باب النسب ووسائل إثباته” كحالة الخطبة وفي حالة الإقرار وغيرها أنها شكل جديد من الأسرة، والحال أنها تتعلق بنسب الطفل ولا يمكن اعتبارها شكل من أشكال الأسرة.

– إن الغرض من هذا الإقحام التعسفي يتضح جليا من خلال الفقرة التالية كما وردت في المذكرة: “ضعـــف قـــدرة نـــص المدونـــة علـــى تأطيـــر بعـــض الأشـــكال الجديـــدة مـــن الأســـر التـــي أفرزتهـــا التحـــولات الاجتماعيـة والاقتصاديـة التـي عرفهـا المغـرب، علـى غـرار الأسـر التـي تقودهـا النسـاء أو تلـك المكونـة مـــن أحـــد الزوجيـــن أو المكونـــة مـــن زوجيـــن بـــدون أبنـــاء”، حيث إن هذه الأمثلة التي توردها هذه الفقرة هي التي تحتاج إلى تعريف وليس مؤسسة الأسرة، فما معنى: “الأسـر التـي تقودهـا النسـاء”؟ وما معنى “الأسرة المكونـة مـــن أحـــد الزوجيـــن”؟ وما معنى “الأسرة المكونـــة مـــن زوجيـــن بـــدون أبنـــاء”؟

وفي هذا الإطار، اقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان إضافة فقرة جديدة إلى مقتضيات المادة 1 من مدونة الأسرة لتصبح كالتالي: “الأسرة هي الخليـة الأساسـية للمجتمـع، وتتكـون مـن أشخـاص تجمـع بينهـم علاقة الزوجيـة أو القرابــة أو الاتزام. تخضـع جميـع العلاقـات بين أفـراد الأسرة لأحكام هـذا القانـون مـع مراعـاة مقتضيـات المادة الثانيـة مـن المدونة.” . وبالعودة إلى ما يقترحه المجلس كتعريف للأسرة المغربية، نجد أنه:

– تعريف يتعارض بشكل واضح مع التعريف الإسلامي للأسرة، حيث اعتبر تعريف المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن الأسرة تؤسس على رابطة الزوجية أو القرابة أو الالتزام. وهو مقترح غريب يخالف بشكل صريح المرجعية الإسلامية التي خصت الأسرة بقدسية ومكانة متميزة من خلال ما نص عليه القرآن الكريم، وهو أيضا تعريف غريب يعاكس فطرة الله التي فطر الناس عليها، والتي جعلت الزواج يقع بين الرجل والمرأة فقط، ويصطدم مع المجتمع المغربي ونظرته للزواج الشرعي باعتباره أحد المداخل الأساسية للإحصان والعفاف والرقي بالفرد والمجتمع، وهو ما جعل المجتمع المغربي يتعامل مع لحظات إبرام الزواج بشكل استثنائي لا يكاد يجد له مثيلا في باقي المناسبات.

– تعريف يتعارض بشكل صارخ مع التعريف الدستوري للأسرة، ويمارس من خلاله المجلس تعسفا وشططا غير مقبول وهو يسمح لنفسه بتجاوز مقتضيات الفصل 32 من الدستور، الذي حسم ودقق تعريف الأسرة كما يلي: “الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع”. كما أن المدونة عرفت الزواج بأنه ميثاق تراض بين رجل وامرأة وهو منسجم مع تعريف الأسرة الشرعي الذي لا يمكن تصور قيامه دون زواج.

– تعريف لا يشير إلى المرأة والرجل باعتبارهما أطراف العلاقة الزوجية المرتبطان بعقد شرعي، والاكتفاء بما سماه “علاقة الزوجية أو القرابة أو الالتزام” وهو ما يثير التساؤل والاستغراب ويجعل مفهوم الأسرة المقترح في هذا التعريف قابلا لحشوه بجميع الأشكال الموجودة حاليا في المجتمعات الغربية وهي أشكال لا علاقة لها بالأسرة في التصور الإسلامي القائمة على أساس الزواج الشرعي.

وهو بالتالي، تعريف يفتح المجال واسعا لتقنين العلاقات الشاذة والسماح بتأسيس أشكال جديدة للأسرة كما هي موجود في الغرب من خلال إقحام فكرة الالتزام كعنصر جديد تضيفه المذكرة، ضدا على الدستور، لتحديد أشكال الأسرة، وهو بذلك تأسيس لوجود نوع من الأسر خارج الزوجية ضدا على كونها ميثاقا غليظا لترابط شرعي بين رجل وامرأة، وعلاقة الالتزام التي جاء بها المقترح قد تكون وفقه بين رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة، دون الحاجة إلى رابط شرعي يؤسس لقيام علاقة الزوجية ويرتب عليها الحقوق والواجبات لجميع أفرادها.

وخلاصة مقترح المجلس الوطني بخصوص تعريف الأسرة، هو فتح الباب واسعا لتحريم الحلال وجعل المحرم حلالا، وهذا ما يعكس بشكل جلي مرجعية مذكرة المجلس الوطني التي تستند بشكل أساسي إلى المرجعية الدولية، وتكتفي فيما يتعلق بالمرجعية الإسلامية بما تسميه المذكرة “مقاصد الشريعة الإسلامية المستندة إلى مبادئ المساواة والعدل والإنصاف”، وبالتالي فإن الشريعة الإسلامية ومقاصدها التي تخالف ما يسعى إليه المجلس لا يمكن الاستناد عليها حتى وإن تعلق الأمر بالنصوص القطعية؛ وهنا يطرح السؤال متى كانت الشريعة الإسلامية ومقاصدها تتعارض مع مبادئ المساواة والعدل والانصاف؟

2- نطاق تطبيق مدونة الأسرة:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص المادة 2 من المدونة، والتي عرفها بنطاق التطبيق، إقحام مبدأ سلطان الإرادة، بنوع من الخلط المتعمد، والدعوة لتوسيع نطاقه في المدونة، عبر منح الأطراف حق اختيار القانون الواجب التطبيق بالنسبة لمن تسري عليهم أحكام المدونة في حالة الزواج المختلط وزواج الأجانب، وإقرار الاختيار بشكل مسبق للقانون الواجب التطبيق، في حين أن عدد من مقتضيات المدونة هي من النظام العام ولا يتصور أن تصبح كالقانون المدني لعدد من الدول يحكمه سلطان الإرادة.

وتطرح هذه المسألة من جهة إشكالية عدم مساواة المغاربة أمام القانون ومنح فئة من دون أخرى حق اختيار القانون الواجب التطبيق، ومن جهة ثانية مسألة المس بسيادة القانون ونفوذه على الجميع على حد سواء.
ثم إن إقحام مبدأ “سلطان الإرادة” وهو مفهوم في القانون المدني مقتبس من مبادئ القانون المدني الروماني يعتبر نوعا من الخلط المتعمد، خاصة مع توسيع نطاقه ليشمل جميع المعاملات في المدونة، في حين أن عددا من مقتضيات المدونة هي من النظام العام بالمفهوم القانوني و لا يتصور أن تصبح كالقانون المدني لعدد من الدول محكومة فقط ب”سلطان الإرادة”، إلى درجة عدم مراعاة وجود طرف أصلي في منظومة الأسرة وهي “حدود الله” وهو مفهوم أصيل في الشريعة الإسلامية لا يمكن تجاوزه بتوسيع إرادة طرفي العلاقة الزوجية إلى درجة مس مقترحات المجلس بقطعيات واضحة في الشريعة الإسلامية، من قبيل: “التوسع في اختيار الزوج سواء كان مسلما أو غير مسلم” أو “توسيع مجال الوصية…”، بل وصل الأمر بالمذكرة إلى تجاوز حتى المرجعية القانونية الوطنية بتخويل أطراف العلاقة الزوجية في حالة الزواج المختلط اختيار القانون المطبق عليهم وغيرها من المقترحات التي تجعل إرادة البشر تسمو على إرادة الخالق الذي وضع للأسرة المسلمة ضوابط وأحكام خاصة بها تختلف عما أنتجه مفهوم “سلطان الإرادة” في التشريع الروماني ومن حذا حذوه، وهو الذي انتهى تفعيله في بعض المجتمعات الغربية إلى تجاوز مفهوم الأسرة نفسه، لينتج ما يسمونه بالأشكال الجديدة للأسرة، وهو ما لا يجوز اقتراحه من طرف مؤسسة وطنية مؤسسة وفق الدستور المغربي الذي يحظر المس بالثوابت الجامعة للأمة المغربية وعلى رأسها الدين الإسلامي.

3- نظام الإرث:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان “تخويـل صاحـب المال سـلطة اختيـار النظـام المطبـق على أموالـه، إمـا الوصيـة أو الميراث”؛ وجعل نظام الإرث الإسلامي اختياريا، إلى جانب نظام الوصية ورفع كل قيد أو ضابط شرعي عن الوصية ينضبط لحدود الله عز وجل، من قبيل كون الوصية تبقى في حدود الثلث، وأن لا وصية لوارث، لتكون بذلك قد اقترحت إلغاء منظومة شرعية جوهرية تهم التصرف في المال باعتباره مال الله، ينتقل لأصحابه وفق قواعد محددة على سبيل التفصيل بالنص القرآني، وبناء على فلسفة ربانية قوامها العدل والإنصاف، وجعل الإنسان يتحدى حدود الله وقواعده التي سنها لتسري على عباده المسلمين.

ثم إن المذكرة وحتى وهي تقترح اختيار الشخص العمل بنظام الإرث الإسلامي، فإنها تضيف عليه التعديلات الجوهرية التالية والتي تفرغ نظام الإرث وفق النظام الإسلامي من محتواه، ويتعلق الأمر بما يلي:

– تدقيـق مفهـوم التركـة باسـتخراج نصيـب الزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة مـن الأمـوال المكتسبة بعـد الـزواج، وذلـك قبـل توزيـع التركـة؛
– اسـتثناء بيـت الزوجيـة والأمـوال المخصصة لفائـدة الأسرة مـن نطـاق التركـة، واعتبارهـا حقـا للزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة؛
– توسـيع نطـاق الـرد لفائـدة البنـات في حالـة عـدم وجـود أخ لهـم، بـأن تسـتحق البنـت في حالـة انفرادهـا نصـف التركـة، وفي حالـة تعددهـا ثـلثي التركـة، وذلـك بالفـرض، وبـاقي التركـة بالـرد، بعـد أخـذ أصحـاب الفـروض نصيبهـم؛
– توسـيع نطـاق الورثـة ليشـمل ذوي الأرحام إسـوة بعـدد مـن التشـريعات المقارنة، وذلـك في حالـة عـدم وجـود الورثـة بالفـرض والورثـة بالتعصيـب؛
– تجريـم الحرمـان مـن الإرث، واعتبـار الحرمـان من الإرث في حـق امـرأة بسبـب جنسـها ظـرف تشـديد؛
– حذف اختلاف الدين من موانع الميراث؛
– إلغاء ما سمته المذكرة تمـييزا بين الأطفـال بحسـب الوضعيـة العائليـة للأبويـن؛ وإقرار التوارث بين الطفل وبين أبيـه البيولـوجي، في حالة البنـوة غير الشـرعية.

كما أن من أغرب الإشكاليات التي أثيرت من طرف المذكرة ومن أعجب التبريرات التي قدمتها لتغيير نظام الإرث كما هو مقرر الآن في مدونة الأسرة هي كون “المقتضيـات المتعلقة بكتـاب الميراث تعـتبر مخالفـة للقانون العـام بالنسـبة لعـدد مـن بلـدان الإقامـة لمغاربـة العالـم، حيـث يتـم استبعـاد تطبيـق مدونـة الأسـرة لكونهـا تـميز بين الجنـسين، وبين الأطفـال بحسـب الوضعيـة العائليـة للأبويـن، وبحسـب الأنصبـة، وبسبـب الديـن.”

وهذا أمر يؤكد طبيعة الخلفية التي حكمت مذكرة ومرجعيتها وولائها وكيفية تعاملها ودفاعها عن السيادة القانونية للمغرب، حيث اقترحت تغيير نظام الإرث في مدونة الأسرة كي يصبح منسجما مع التشريعات الغربية ومع النظام العام في الدول الغربية، وتتجاهل أن مدونة الأسرة ونظام الإرث في الإسلام هو من النظام العام في المغرب والمطلوب من مؤسسة دستورية وطنية أن تحافظ عليه وتدافع عنه، لا أن تطلب تغييره وإخضاع أسس وثوابت النظام العام في المغرب لتكون منسجمة مع النظام العام في الدول الغربية، وكأن المغرب ليس بلدا مستقلا وذو سيادة كاملة.

كما أن كل هذه المقترحات مردودة ومرفوضة لأنها تخالف نصوصا شرعية قطعية وتعكس جهلا بنظام الإرث الإسلامي، وذلك للحيثيات التالية:

– إن التشريع المتعلق بنظام الإرث هو تشريع إلزامي، ولا يمكن ان يصبح اختياريا، بصريح النص القرآني القطعي، كما يمثل هذا نموذجا لمخالفة صريحة لتوجيهات جلالة الملك الذي نبه على عدم معارضة ما جاء بنصوص قرآنية قطعية، ومن ذلك قوله تعالى ” “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء: الآية 11)

وقد سبق وعبر المغرب على هذا الأساس عن رفضه للتوصية الداعية للمساواة في الإرث وذلك في إطار الاستعراض الدوري الشامل لنونبر 2022 حيث أعلن مجلس حقوق الإنسان بجنيف في فاتح مارس عن وثيقة أجوبة المغرب وموقفه من مجموع التوصيات المقدمة، وتضمنت هذه الوثيقة تفسيرا للتوصيات المرفوضة وضمنها توصية الإرث جاء فيه “وفي جميع الأحوال، تجدد المملكة المغربية تأكيدها على تعارض الأجزاء المرفوضة في هذه التوصيات المركبة، جزئيا أو كليا، تبعا للحالة، مع الثوابت الجامعة للأمة المغربية، ومرتكزات الممارسة الاتفاقية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان.”

– إن اسـتخراج نصيـب الزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة مـن الأمـوال المكتسبة بعـد الـزواج، وقبـل توزيـع التركـة؛ واسـتثناء بيـت الزوجيـة والأمـوال المخصصة لفائـدة الأسرة مـن نطـاق التركـة، واعتبارهـا حقـا للزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة؛ يحمل معارضة صريحة وحرمانا للورثة من حقوقهم المكفولة بنص قرآني قطعي صريح، ويفتح المجال للمنازعة بين أفراد الأسرة الذين استقلوا عن الأسرة مع باقي أفراد الأسرة المتبقين، كما يطرح السؤال على من له سلطة تحديد الأموال المكتسبة للأسرة؟ وما العمل في حالة مسكن الزوجية ذي القيمة المالية الكبيرة؟ وهي أسئلة تكشف عن استغلال مذكرة المجلس لبعض الإشكاليات الناتجة عن الممارسة من أجل تحطيم منظومة الإرث وزرع الشقاق والفتنة والصراع في جسم الأسرة، لضرب المرجعية الإسلامية لنظام الإرث، ذلك أن مثل هذه القيود لم تقترحها المذكرة على نظام الوصية عندما يختاره المتوفي، بل اقترحت رفع القيود الشرعية الموجودة أصلا على نظام الوصية.

– إن تخويل ما أسمته المذكرة “صاحب المال” سلطة اختيار النظام المطبق على أمواله، يعكس تناقضا مع التصور الإسلامي القائم على أن المال مال الله، كما أن مال التركة بعد وفاة المعني لم يعد لصاحب المال وليس له سلطة عليه.

إن ادعاء المذكرة ب”غياب جزاء قانوني عن الحرمان من الإرث” غير صحيح لأن القانون الجنائي نظم ذلك في الفصل 526-1 الذي تمت إضافته بمقتضى الفصل 5 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، حيث تم تجريم حالة تبديد أو تفويت الأموال من طرف أحد الزوجين بسـوء نيـة وبقصـد الإضـرار بالـزوج الآخـر أو الأبناء أو التحايل على مقتضيـات مدونـة الأسـرة المتعلقـة بالنفقـةأو السكن وبالمسـتحقات المترتبـة عـن إنهـاء العلاقـة الزوجيـة أو الأبنـاء أو باقتسـام الممتلـكات.

4- نظام الوصية:

بخصوص نظام الوصية، والذي اقترح المجلس كما سبق ذكره أن يكون نظاما اختياريا مخولا لصاحب المال إلى جانب نظام الإرث، فإنه يقترح بالإضافة إلى ذلك حذف كل القيود الشرعية المفروضة على نظام الوصية من خلال:
– رفـع القيـود المفروضة على الوصيـة بأن تصح لفائـدة الورثـة، وبـأن تتجـاوز حـدود الثلـث، دون الحاجـة الى موافقـة الورثـة؛

– تمديـد نطـاق الاستفادة مـن الوصيـة الواجبـة لتشـمل أولا البنـت مـن الذكـور والإناث مهمـا نزلـوا؛
– التنصيـص على اسـتفادة المتكفل بهـم مـن مقتضيـات الوصيـة الواجبـة في حالـة عـدم اسـتفادتهم مـن الوصيـة الإرادية أو التنزيـل.

إن جوهر ما يسجل على مقترح المجلس هو جعل الوصية تحل محل الإرث، واعتبار ذلك يندرج ضمن مجال الاختيار الذي يملك كل إنسان خلال حياته أن يحدد النظام المطبق على أمواله بعد وفاته، وهو الإعلان الصريح في التحلل من الأحكام الشرعية والنصوص القرآنية القطعية الدلالة، وهو حرب على منظومة شرعية متكاملة، هذه الحرب التي تنطلق من فهم قاصر لِلْمِلْكِيَّة في المرجعية الإسلامية القائمة على حق التصرف لا على التملك الدائم، وأن المال هو مال الله عز وجل وهو الذي حدد قواعد توزيعه بناء على منظومة متكاملة تنبني على العدل والإنصاف. كما أن المذكرة تتجاوز كل ذلك باقتراحها أن تتجاوز الوصية حدود الثلث وتكون كذلك للوارث، وجعلها تشمل الورثة كذلك، ضدا على النصوص الشرعية المؤطرة للوصية.

ويعد هذا المقترح الذي يتعارض مع المرجعية الإسلامية بشكل صريح ويدعو إلى عدم التقيد بالأحكام الشرعية القطعية الدلالة، ويخالف الدستور الذي حسم في المرجعية الحاكمة والمؤطرة، وكذا المحددات التي جاءت في الخطابات الملكية، ولا يحترم المجتمع المغربي ومنظومة قيمه، ـ يعدـ دليلا كافيا وواضحا على سعي المذكرة لاستبعاد جميع الأحكام الشرعية والنصوص القرآنية، وجعل مدونة الأسرة مؤطرة بالمنظومة الغربية التي تسعى إلى تفكيك الأسرة وتحطيمها وجعلها مجرد علاقات التزام بين أطراف كما سمتها المذكرة منذ بدايتها، وتحتكم في أحسن الأحوال لقواعد قانون الالتزام والعقود ويُملك فيها الإنسان حق الاختيار المطلق ويتحلل من أي التزام أو إلزام شرعي.

5- تدبير واقتسام الأموال المكتسبة:

في هذا الباب، تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة لمراعـاة العمـل المنزلي لكل واحـد مـن الـزوجين ومـا قدمـه مـن مجهـودات ومـا تحّمّلـه مـن أعبـاء لتنميـة أمـوال الأسرة؛ وتعديـل المادة 65 من المدونة لإضافـة مطبـوع خـاص يتعلـق بالأنظمة المالية للزوجين، وإضافة بند الى نموذج عقد الزواج، يتعلق باختيار الزوجين للنظام المالي، وإضافــة نمــوذج يتضمــن الأنظمــة المالية الموجــودة وحقــوق والتزامــات الطرفيــن بحســب كل نــوع نظــام مالــي يتــم اختيــاره ضمانــا للمو افقــة المستنيرة.

كما تقترح تعديـل المادة 322 مـن المدونة حول الحقـوق المتعلقة بالتركـة، بإضافـة نصيـب أحـد الـزوجين مـن الأموال المكتسـبة بعـد الـزواج لتصبـح كالتـالي: “تتعلـق بالتركـة حقـوق خمسـة تخـرج على الترتيـب الآتي: 1 -الحقـوق المتعلقة بـعين التركـة، 2-نفقـات تجـهيز الميت بالمعروف، 3-ديـون الميت، بمـا فيهـا نصيـب الـزوج مـن الأموال المكتسـبة بعـد الـزواج، 4-الوصيـة الصحيحـة النافـذة، 5- المواريث بحسـب ترتيبهـا في هـذه المدونة”.

إن هذه المقترحات التي تعني من جهة الدعوة الى اعتبار العمل المنزلي مساهمة في تكوين الأموال المكتسبة مع ما يطرحه هذا المقترح من إشكاليات حول طبيعة ومكانة العلاقة الزوجية وطرق تحديد وتقييم هذا العمل وسيطرح بالتبع السؤال عن إضافة عمل الرجل خارج المنزل وما يقدمه من خدمات للمنزل، ومن جهة أخرى، اعتماد نظام تعاقدي تجاري محكوم بمنطق المنازعة في تدبير واقتسام الأموال المكتسبة أو جعلها ضمن ديون الميت واتخاد كل الاحتياطات مسبقا لذلك، وهي توجهات خطيرة تخرج الأسرة من قدسيتها ومكانتها وتدخلها في متاهات وحسابات مادية وتجارية لا نهاية لها، فضلا عن كونها تمثل:

– تراجعا عن حقوق أقرها الإسلام للمرأة وإلغاء وتجاوزا لاستقلالية الذمة المالية للمرأة، مصداقا لقوله تعالى: “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ” (النساء: من الآية 32).
– تحويلا لمؤسسة الزواج إلى شركة تجارية تعاقدية تبدأ بفتح بيان محاسباتي لها عند التأسيس، وبيان محاسباتي ختامي بعد الانفصال أو الموت، وإدماج علاقة مشغل وأجير داخل بيت الزوجية، خلافا لمؤسسة الزواج القائمة على الشرع والتراحم والمعاشرة بالحسنى والمكارمة والفضل.

– إن مقترح إضافـة نصيـب أحـد الـزوجين مـن الأموال المكتسـبة بعـد الـزواج ضمن ديون الميت قبل قسمة التركة أو تنفيذ الوصية، يعكس غياب فهم قانوني سليم للديون، فهذه الأخيرة عليها أن تكون محققة والميت غير موجود للرد ومناقشة ذلك، مما سيفتح باب المنازعة بين الأمهات أو الأباء الورثة مع أبنائهم وباقي الورثة، ويعطل توزيع التركة ويجمدها إلى حين البت فيها، مما يجعلنا إزاء مقترح عبثي يدخل الأسرة في منطق الشركات التجارية المفلسة المتنازع عليها ولا علاقة له بمكانة وواقع الأسرة المغربية.

– سبق للمغرب في مارس 2021 أن أجاب على هذه المسألة عندما طرحت من طرف لجنة سيداو المنبثقة عن اتفاقية القضاء عن كل أشكال التمييز ضد المرأة (النقطة 194) حيث تم التأكيد على أن المغرب وضع نظاما يقوم على جواز عقد اتفاق على التوزيع والاستثمار وذلك في وثيقة مستقلة تلحق بعقد الزواج، وإشعار العدول للزوجين عند عقد الزواج بهذا الحق، وأنه في غياب اتفاق يتم الرجوع للقواعد العامة للإثبات. مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات لتنمية أموال الأسرة. واعتماد العرف الساري في المغرب لضمان استحقاق الزوجة لجزء من الثروة المكتسبة خلال فترة قيام الزوجية.

– كما أن قرارات محكمة النقض في الموضوع أسست لإطار اجتهادي واضح، يحفظ حقوق كل طرف، وفقا للأدلة المقدمة، ومن عناصر هذا الإطار أن “عدم وجود اتفاق مسبق بين الزوجين لتدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية لا يمنع أحدهما من إثبات ما قدمه من مجهود أو ما تحمله من عبء لتنمية أموال الأسرة، والمطالبة بنصيبه”.

– فضلا عن أن هذا المقترح سيفتح المجال لرفع دعاوى الطلاق رغبة في اقتسام الثروة وذلك دون انتظار الوفاة والحصول على النصيب المخول في إطار الإرث، بما يمثل تهديدا للاستقرار الأسري وللغاية الدستورية من القانون المنظم للأسرة.

6- منع تعدد الزوجات:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان منع تعدد الزوجات، وهو مقترح عجز المجلس عن تقديم مبرر سليم ومقنع مرتبط بالمرجعية الإسلامية والدستورية للبلاد بإستثناء إحالتها على ما دعت إليه اتفاقية سيداو المتعلقة بالتمييز ضد المرأة، وذلك:

– رغم أن النص القرآني صريح في إباحته مع شرط العدل وأن الاجتهاد بتقييده وتضييق اللجوء إليه وجعله بيد القضاء، وهو ما عملت به المدونة الحالية بما جعله لا يتجاوز 0,6% من عدد طلبات الإذن بتوثيق الزواج، وهي نفس النسبة الضعيفة التي كانت مسجلة بما في ذلك قبل دخول المدونة حيز التنفيذ في 2004.
– رغم أن هذا المقترح يشكل دعوة صريحة لتحريم ما أحل الله وتدخلا في أحكام شرعية قطعية الدلالة، والخضوع لمرجعية الاتفاقيات الدولية، المتوافقة مع التوجه الغربي الذي ينسجم مع كون النموذج الحضاري الغربي الذي يمنع التعدد لكنه يجيز ويبيح تعدد العلاقات الجنسية خارج الزواج.
– سبق للمغرب أن قدم جوابا واضحا تحت رقم 192 إلى لجنة سيداو في مارس 2021 وكان جوابا صريحا في رفض إلغاء هذا الاستثناء حيث أكد على أنه تم تقييده بشروط كثيرة، وأن للمرأة أن تشترط في العقد على زوجها عدم التزوج عليها باعتبار ذلك حقا لها.

7- حذف مانع اختلاف الدين في الزواج:

يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان حذف مانع اختلاف الدين في الزواج والذي برره بكونه يقيد “حرية الأطراف في الزواج وتمييز بين الجنسين ويتعارض مع اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة” وأنه أصبح شكليا في الواقع، وأن يطرح مشكل تنازع القوانين في بلدان الإقامة، وهو مقترح:
– يعارض صراحة النص القرآني، حيث قال تعالى “وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا” (البقرة: 221) وقوله تعالى “فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ولا هُمْ يَحِلُّوْنَ لَهنَّ” (الممتحنة: 10)، وأن الزواج بالكتابية مباح بنص القرآن الكريم لقوله تعالى “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ” (المائدة: 5)، وأما غير أهل الكتاب فإن الزواج بهم غير مباح لكلا الجنسين.
– وبخصوص إشكالية تنازع القوانين بالنسبة للمغاربة المقيمين بدول المهجر وخاصة الأوربية، فهذه حجة مردودة، وستمثل سابقة خطيرة لمصلحة استباحة المجال التشريعي الوطني لفائدة التشريعات الغربية وذلك في مجال سيادي، تسقط معه سيادة الأمة وحقها في صياغة تشريعاتها باستقلالية، وسيصبح هذا مدخلا لفرض الدعاية لتشريعات تهم نظام الأسرة ومنه زواج الشواذ وغيره.

– إن علاقات المغرب في هذا المجال مؤطرة باتفاقيات ثنائية دولية تحكم قواعد الإسناد وتذييل الأحكام الأجنبية لإكسابها الصبغة التنفيذية المطلوبة، وسبق له في إطار التقارب التشريعي والقانوني الموقع في إطار ” الوضع المتقدم” ل13/10/ 2008 أن أقر حقه في جعل هذا التقارب مؤطرا باحترام خصوصية وسيادة المغرب.

– سيؤدي هذا المقترح الى مشكلات كبرى تتعلق بنظام الأسرة من حيث الآثار المترتبة عنها في الإرث، واعتبار دين الأبناء، والولاية، وهي آثار تضع أسس جعل نظام الأسرة قائم على زواج مدني غير معني بكونه شرعي أو غير شرعي، بل يدعو الى محو الأساس الشرعي ضدا على ربط الدستور للزواج بما هو شرعي.

8- المنع الكلي لسماع دعوى ثبوت الزوجية:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الإلغاء الكلي لدعاوي ثبوت الزوجية مع اقتراح إلغاء مسطرة الإذن بتوثيق الزواج في المساطر العادية ومنح ضباط الحالة المدنية صلاحية توثيق الزواج.
إن القول بالمنع الكلي لدعاوي ثبوت الزوجية يشكل غلا ليد القضاء قصد معالجة الوضعيات الاستثنائية التي تطرح عليه والتي يكون فيها المس بحقوق ناشئة، خاصة وأن النص القانوني يجب أن يستحضر الوضعيات الاستثنائية التي تطرح على المجتمع مع إقران معالجتها بالكثير من الشروط والضمانات التي من شأنها عدم التحايل على التطبيق السليم للقانون، والمصلحة الفضلى في حفظ الأنساب وحماية النسل وحقوق الأطفال تقتضي الإبقاء على مسطرة سماع دعوي ثبوت الزوجية.

ويظهر تناقض مقترح المجلس الوطني بشأن الإلغاء الكلي لسماع دعوى ثبوت الزوجية، إذا ما استحضرنا مقترحه بأن يشمل مفهوم الأسرة العلاقة القائمة على الالتزام كما سمتها المذكرة، فحينما يتعلق الأمر بوضعيات خارج الإطار الشرعي يجب أن نوفر لها الحماية والموجبات لجعلها منسجمة مع القانون، وحينما يرغب الأطراف في إضفاء الرسمية على علاقتهم الشرعية والتي حال حائل دون توثيقها يقترح منعهم والتضييق عليهم.

وبخصوص مقترح المجلس بمنح ضباط الحالة المدنية صلاحية توثيق عقود الزواج، وفضلا على مسه الصريح باختصاص مسند للعدول ويخضع لرقابة قضاء التوثيق، ويملك فيه العدلان صلاحية التحقق من أركان وشروط صحة الزواج، فإن القول بمنح صلاحية توثيق الزواج لضباط الحالة المدنية، هو امتداد للتعريف الجديد والغريب الذي يقترحه المجلس للأسرة، بهدف إفقاد عقد الزواج صبغته الشرعية والتي أقرنت توثيق العقود الشرعية بالعدلين، كما أنها تفضي بشكل تلقائي إلى إخراج الزواج باعتباره ميثاقا غليظا له مكانته الخاصة شرعيا وفي نفوس المجتمع إلى كونه عقدا مدنيا بين أطراف يتفقون على شروطه.

وهو مقترح يؤكد وينسجم مع الرغبة التي عملت مذكرة المجلس الوطني على تكريسها والتي تسعى من خلالها إلى حذف كل ما يسهم في إقران الزواج بالمرجعية الإسلامية ويجعله مجرد عقد مدني على غرار بعض الأنظمة الغربية.

9- إثبات النسب:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان جعل إثبات النسب بالخبرة الجينية وإلحاقه غير مشروط مسبقا بإثبات العلاقة الشرعية، وإلغاء التمييز بين البنوة الشرعية وغير الشرعية باعتبارها تتعارض مع التزامات المغرب الدولية، وهو مقترح يعكس:

– التنقيص من مرجعية الشرع ورفض الانطلاق منها والاجتهاد في إطارها، وذلك رغم التنصيص الدستوري على لفظ الشرع في توصيفه للزواج.

– يمثل هذا المقترح بمثابة إرساء نظام جديد للأسرة غير الشرعية التي لا تقوم على علاقة الزواج الشرعي والتطبيع مع العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وهو ما يشكل تيسيرا وتشجيعا لوجود حالات واسعة من الأبناء الناتجين عن علاقات غير شرعية وهو ما يهدد استقرار المجتمع.

– يعارض هذا المقترح معارضة صريحة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم “الولد للفراش وللعاهر الحجر”، وبني عليه موقف عدم إلحاق المولود من علاقة غير شرعية بأبيه المفترض حيث لا ينسب إليه، وذلك في حالة رفض الرجل نسبة الإبن إليه.

– يشكل هذا المقترح مخالفة صريحة لمقاصد الشريعة الإسلامية والتي لا يمكن أن ترتب نفس الآثار على العلاقات الخارجة عن النطاق الشرعي والعلاقات المؤسسة في إطار الزواج الشرعي.

– يفترض القبول بهذا المقترح بشكل تلقائي وابتداء رفع التجريم عن العلاقات الخارجة عن إطار الزواج وبالتبع رفع التجريم عن جريمتي الفساد والخيانة الزوجية، وهو ما يتعارض مع النص القرآني بشكل صريح.

– كما أن هذا المقترح يستغل مشكلا واقعيا مرتبط بتحميل الأم مسؤولية نفقة المولود وإعفاء الأب المفترض من ذلك، لخلق مشكل أكبر يهم قدسية مؤسسة الأسرة القائمة على الزواج الشرعي، والمفروض أن يقع التمييز بين الأمرين، فمن جهة ينبغي إعمال قواعد إثبات المسؤولية المدنية التقصيرية لتحميل الأب المفترض والمتسبب في الحمل غير الشرعي المسؤولية عن نفقة المولود، دون أن يمتد الى إثبات النسب الشرعي الذي يبقى مرتبطا بالزواج الشرعي وما ينتج عنه من حقوق في الإرث، مع تشديد العقوبات في حالة ثبوت عدم صحة الخبرة صيانة للأعراض من الافتراء.

10- بخصوص ما سمته المذكرة “تزويج الأطفال”:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الإلغاء الكلي لزواج الفتيات والفتيان أقل من 18 سنة مع تجريم ذلك وتجريم المشاركة فيه، وهو مقترح سيحرم المواطنين والمواطنات الذين توفر فيهم شرط الرشد وتوفرت لهم القدرة على إنشاء أسرة من هذا الحق، واعتبار لجوئهم للقانون قصد حماية مصالحهم يشكل فعل جرميا وجب العقاب عليه.

وهنا، وجب أولا تأكيد التحفظ بشأن الاستعمال المضلل لمصطلح “تزويج الأطفال” والتي تحاول من خلاله المذكرة إظهار أن الأمر يتعلق بتزويج قسري لأطفال لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون أي حد للتمييز والاختيار، إذ لا يوجد أي تعريف في العالم يعتبر طفلا من يفوق سنه 15 سنة، بل أكثر من ذلك حددت الأمم المتحدة سن الشباب في الفترة العمرية الممتدة من 15 إلى 25 سنة.

ثم إن المذكرة تسقط إصدار أحكام قيمة سريعة وتبسيطية غير مسنودة بأي معطيات علمية موضوعية من قبيل الجزم بأن: “زواج الطفلات يعتبر سببا رئيسيا في تدني مؤشرات التعليم والصحة في أوساط النساء”، والحقيقة أن المعطيات الموضوعية تؤكد أن العكس هو الصحيح، فضعف مؤشرات التعليم والصحة في بعض الأوساط القروية أو الأوساط الحضرية التي تتميز بالهشاشة هو من بين أسباب الزواج المبكر وليس العكس.

ولذلك عوض أن تنصب جهود المجلس على العمل من أجل فعلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والترافع من أجل تطوير السياسات العمومية المتعلقة بالصحة والتعليم، فإنه اختار إصدار أحكام جاهزة نابعة من تصورات نمطية مسبقة ذات خلفية إيديولوجية غربية محضة، مع الإشارة إلى أن نسبة طلبات الإذن بالزواج دون سن 18 سنة لا تمثل سوى 5% من مجموع طلبات الإذن بالزواج، كما يلاحظ أن الطلبات المتعلقة بالفتيات أقل من 16 سنة تكاد تكون منعدمة، إذ أن غالبية الزيجات التي تهم هذه الفئة تتعلق بسن 17 سنة فما فوق وهي نسبة لا تستحق كل هذا الصخب المثار حولها، ولكن هذا الاهتمام المبالغ فيه يندرج ضمن المنهجية القائمة على افتعال قضايا جزئية وغض الطرف عن القضايا الحقيقية للأسرة المغربية.

ثم إن مقترح المجلس بتجريم زواج القاصر يثير ملاحظات عدة:

– الزواج أمر مشروع وشرعي عند المغاربة المسلمين، وبالتالي فإن الدعوة إلى تجريمه بسبب ضرر محتمل وغير مؤكد، أمر لا يستقيم.

– إن تضخم التجريم وتوسيع التدخل الجنائي من خلال تجريم عدد من الممارسات الشرعية والتنصيص على جزاء جنائي لها كالحبس أو الغرامة يتعارض مع الشريعة الإسلامية من جهة ومع حق الإنسان في الزواج من جهة ثانية ولا يستقيم مع السياسة الجنائية من جهة أخرى.

– إن هذا الاستثناء ينسجم مع عدد من التشريعات المقارنة سواء في الدول العربية والإسلامية أو في الدول الغربية أو الأجنبية، حيث أن جل الأنظمة القانونية حددت الحد الأنى في سن 18 سنة ومنحت الاستثناء للقضاء أو لجهة تابعة له للإذن بزواج من هم دون ذلك، كما أن المنع لا يمثل نموذجا في العالم ونجد مثلا أمريكا هناك فقط 7 ولايات التي قيدت الحد الأدنى لسن الزواج، و43 ليس هناك قيد، وهولندا وضعت كحد أدنى للزواج سن 16 سنة.

– إن تحديد سن أدنى للزواج سبق وكان موضوع توافق تم على مستوى لجنة العدل وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين بتاريخ 16 يناير 2013 لتعديل المادة 20 من مدونة الأسرة ويقوم على أنه “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، على أن لا يقل سن المأذون له عن سن 16 سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي، وفي جميع الأحوال ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج، وأن مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل للطعن”.
– كما أنه يظهر تناقض المجلس الصارخ لكونه ينهل في مقترحاته من مرجعية غربية تدعو إلى حق الفتيات والفتيان أقل من 18 سنة في الممارسة الجنسية وإلى اتخاذ سياسيات عمومية داعمة لذلك، غير أنه حينما يتعلق الأمر باختيار إرادي وواع وتتوفر فيه شروط وموجبات يقترح التضييق على ذلك الاختيار ومنعه، بل أكثر من ذلك في نفس الوقت الذي تتبنى فيه رئيسة المجلس رفع التجريم عن العلاقات خارج إطار الزواج (المطالبة بإلغاء الفصل 490) دون اشتراط سن معين لذلك، تدعو المذكرة إلى تجريم اللجوء إلى الزواج في هذه الحالة، أي أن المجلس يقترح تيسير وحماية وتحصين الممارسة الجنسية الحرام خارج إطار الشرع، غير أنه يقترح التضييق والتجريم إذا ما تعلق الأمر بالحلال وبالشرع.

11- الطلاق والتطليق:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حذف ما يعتبره التمييز بين الطلاق والتطليق والإبقاء فقط على التطليق القضائي (التطليـق باتفـاق الزوجيـن، أو التطليـق بنـاء علـى طلـب أحـد الزوجيـن للأسـباب التاليـة: الشـقاق، الضـرر، الغيبـة، عـدم الإنفاق)؛ والإلغاء الكلي لمساطر الطلاق الذي يوقعه الرجل والإبقاء على التطليق القضائي، اعتبارا منه أن حق الرجل في مباشرة الطلاق الذي أسنده الشرع له يمس بالمساواة بين الرجل والمرأة، وهو المقترح الذي يشكل تعارضا صريحا مع النص القرآني ويمس بحقوق شرعية مسندة بمقتضى النص القرآني.

كما تقترح المذكرة، حـذف مصطلـح المتعة وحفـظ حـق المتضـرر مـن إنهـاء العلاقة الزوجيـة مـن الزوجيـن فـي الحصـول علـى تعويـض يحـدد فـي إطـار قواعـد المسؤولية المدنيـة.

والملاحظ أن مقترحات المجلس الوطني لحقوق الإنسان بهذا الخصوص، وإذا ما استثنينا مقترحه بمأسســة الوســاطة الأســرية واعتبارهــا مرحلــة إلزاميــة قبــل المرحلــة القضائيــة، والتي سبق للحزب وأن اقترحها وهي مسألة إيجابية ولها أن تسهم في الحد من الطلاق والتطليق، فإن باقي المقترحات مخالفة بشكل صريح للنص القرآني، ولا تستحضر الغاية الدستورية التي استحضرها الفصل 32 من الدستور في كون التشريعات يجب أن تهدف إلى المحافظة على الأسرة وضمان استقرارها، لا أن تنحو منحى تفكيكها، فضلا على أنها تنم على عدم استيعاب الخطابات الملكية والتي وقفت على الإشكالات التي تهم التطبيقات القضائية التي تعاملت مع مدونة الأسرة باعتبارها مدونة المرأة ولم تأخذ بعين الاعتبار كونها مدونة للأسرة برمتها ويجب أن يكون الهدف هو ضمان استقرار الأسر لا تفككها لاسيما والكلفة الباهظة لذلك التفكك على المجتمع والدولة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.

كما يمثل هذا المقترح تراجعا على التوافق الذي تم في 2004 بعد أن كان المطلب الأصلي هو جعل الطلاق بيد القضاء بشكل حصري وهو ما عادت المذكرة لطرحه من جديد، وهنا ينبغي التأكيد على ما يلي:

– حذف الطلاق تحت زعم التمييز بين الزوجين هو خلاف للنص القرآني الصريح في قوله تعالى” وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (لبقرة:231).

– حذف مستحقات الزوجة بعد الطلاق وصداقها والمهر الذي يقدم عند الزواج مخالف لقوله تعالى “وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا” (النساء:4)؛ وهو أيضا خلاف للنص القرآني الصريح، فهو حق أقره العلي القدير للمرأة ففي قوله تعالى “وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (البقرة: 237).

– على خلاف ما جاء في المذكرة فإن الطلاق ما يزال قائما بموازاة التطليق للشقاق أو الاتفاقي ففي سنة 2021 كان العدد هو 65 ألف مقابل 26 ألف حالة طلاق، ولهذا اقتراح هذا التعديل فيه تعسف وظلم.

– إن المشكل المطروح حقيقة هو ارتفاع الطلاق والتطليق حيث تضاعف في 15 سنة الأخيرة من 56 الف حالة الى 92 الف حالة، وهو ما سيزيد هذا المقترح من ارتفاعه.

– المطلوب هو البحث في مدى نجاعة مساطر التطليق للشقاق، وقدرتها على الإسهام في الحد من التفكك الأسري وضمان استمرار الأسرة واستقرارها، وقصور فعالية نظام الصلح قبل الطلاق وتدبير مرحلة ما بعد إنهاء العلاقة الزوجية، ورغم قول المذكرة “أن ارتفاع معدلات التطليق والطلاق يؤكد فشل مؤسسة الصلح” فإن الواقع لا يعرف وجود هذه المؤسسة بل مجرد إجراء تحول مع الزمن إلى عملية شكلية.

والغريب أن المذكرة تمتنع عن ذكر مصطلح الصلح في المقترحات وتحيل على مفهوم الوساطة ذي الحمولة المدنية التحكيمية، وهو التوجه الذي حكم هذه المذكرة ويدفع في جعل الطلاق عملا مدنيا تعاقديا وأن التعويض في حالة الضرر ينبغي أن يؤديه إما الزوج أو الزوجة وفقا لفلسفة المساواة الميكانيكية الغربية والتي لا تراعي وجود مكتسبات تفضيلية إيجابية لفائدة المرأة. ولذا، فإن هذا المقترح سيشكل مدخلا لتيسير الطلاق وضرب تماسك الأسرة.

12- النفقة:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التنصيــص علــى تحمــل الزوجيــن معــا واجــب الإنفاق علــى الأســرة، كل بحســب دخلــه ومجهــوده، مــن تاريــخ العقــد وعــدم ربطــه بالبنــاء؛ والتنصيــص علــى واجــب الــزوج الموسر في الإنفــاق علــى الأسرة فــي حالــة إعســار الــزوج الآخــر، دون اشتراط وجــود أبنــاء؛ وهو الأمر الذي يخالف بشكل صريح النص القرآني الذي حدد القوامة وأسندها للرجال، حيث أن استحضار تطور المجتمع لا يعني إلزام المرأة بواجب لم يلزمها به النص القرآني.

وهو ما يؤكد النظرة المختلة التي تحكم مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمفهوم المساواة الميكانيكية، والتي مع كامل الآسف حتى الأفضلية والميزة التي منحها الإسلام إلى النساء تكريما لهن (النفقة، الصداق، المتعة…) تعتبرها أمور تحقيرية وحاطة بكرامة النساء من خلال فهم أعوج وقاصر لا يستحضر المفهوم الواسع لقيمة العدل والإنصاف التي تميز النص الشرعي في تعاطيه مع النساء.

13- النيابة القانونية:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان اعتبـار النيابـة القانونيـة مشـتركة بيـن الأبويـن سـواء أثنـاء قيـام العلاقـة الزوجيـة أو بعـد انفصالهـا؛ مع إمكانيــة منــح المحكمة للنيابــة القانونيــة لأحــد الأبويــن أو اســقاطها عنــه فــي حــالات محــددة قانونــا، وتخويـل وصـي الأم نفـس صلاحيـات وصـي الأب فـي تتبـع تسـيير النائـب القانونـي لشـؤون الموصى عليـه ورفـع الأمر إلـى القضـاء عنـد الحاجـة.

وفضلا على تعارض هذا المقترح مع مقاصد الشريعة الإسلامية بشأن الولاية الشرعية، يسجل على هذا المقترح في الشق المتعلق بالاشتراك في النيابة القانونية أثناء قيام العلاقة الزوجية، أنه يندرج ضمن منطق المجلس في نظرته للمساواة بطريقة ميكانيكية، وهي النظرة التي لا تستحضر قيام العلاقة الزوجية على المكارمة وعلى السكينة والمودة والرحمة، و أنها قائمة على تكامل الأدوار والوظائف بين الزوج والزوجة، وأن ما يمكن للأم القيام به لا يملك الأب القيام به، والعكس كذلك، وأن مثل هذه المقترحات تتغي خلق وضعيات للنزاع والحال أنه على المستوى العملي لا يطرح أي مشكل لدى المغاربة بهذا الخصوص وكون هذا المقترح لا يستجيب لحاجة مجتمعية حقيقية، بقدر ما يشكل استجابة فقط لمنظومة قيمية مخالفة لمنظومة قيم عموم المغاربة.

أما فيما يتعلق بالشق الثاني والذي يهم النيابة القانونية بعد انحلال ميثاق الزوجية وجعلها كذلك مشتركة بين الحاضن والزوج أو الزوجة حسب الحالة، فهذا المقترح سيؤثر بشكل سلبي على المصلحة الفضلى للطفل، واعتبارا لكون الحضانة تسند في غالب الحالات للأم فإن أحد أهم مداخل استمرار العلاقة بين الأب والطفل المحضون هو النيابة القانونية للأب، لكونه من جهة يتولى الانفاق على المحضون ومن جهة ثانية يستمد ذلك من ولايته الشرعية على أبناءه.

14- تعديل المادة 400 من مدونة الأسرة:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تغيير مقتضيات المادة 400 وتدعو إلى اعتمـاد صيغـة قانونيـة واضحـة تؤكـد على “إعمـال آليـة الاجتهـاد البنـاء، مـع مراعـاة مبـادئ العـدل والمساواة والمصلحة الفضـلى للطفـل وعـدم التمـييز وقيـم الديـن الإسلامي الحنيـف بمـا يـتلائم مـع المسـتجدات الحقوقيـة والقــيم الكونــية.”

وهو مقترح مفاده أن المجلس يسعى إلى إعمال آلية اجتهاد حسب مرجعيته، وأنه وحتى في حالة اللجوء إلى الاجتهاد في إطار ما سماه “قيم الدين الإسلامي” فإنه ينبغي إخضاع هذه القيم ومراعاة مدى تلائمها مع المسـتجدات الحقوقيـة والقــيم الكونــية.

وهو ما يفيد عدم فهم أو عدم تسليم المجلس بكون الأحكام الشرعية والمرجعية الإسلامية قائمة على العدل والإنصاف وأنها تتميز بالتكامل والانسجام والاتساق، وأنها في إقرار الحقوق والإنصاف سابقة حتى على منظومة القيم الغربية التي تؤطر وتحدد الاختيارات الكبرى للمذكرة التي يقترحها المجلس.

كما أن الاستناد إلى أحكام المذهب المالكي هو ضمانة لوحدة واستقرار المجتمع وتوحيد للاختيارات المؤطرة للاجتهاد حتى لا يقع التعارض بشأن البت في النوازل التي تعرض على القضاء والتي لا يجد لها مقتضى تشريعي بشأنها.

15- التوصيات المتعلقة بتجويد الصياغة القانونية:

يسجل على مختلف المقترحات والتوصيات الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، انزعاج المجلس ليس فقط من النصوص الشرعية القطعية وسعيه لاستبعادها، ولكن انزعاجه أيضا من المتن والخطاب القرآني، حيث تعتبر المذكرة أن عددا من المصطلحات الواردة بالمدونة والتي في أصلها مستمدة من النص القرآني أو من الشريعة الإسلامية، تعتبرها- أنها حاطة بالكرامة وتشكل مسا بوضعية المرأة أو الطفل.

حيث تنص المذكرة على أنه “رغـم تـبني مدونـة الأسـرة لصياغـة حديثـة بـدل المفاهيم التي تمـس بكرامـة وإنسـانية المرأة، فـإن هـذه المفاهيم التي تمتهـن كرامـة المرأة أو الطفـل تـم تكريسـها أحيانـا مـن خلال بعـض الأحكام القضائيـة، عـن طريـق النقـل الحـرفي لبعـض أقـوال الفقهـاء دون مراعـاة السـياق التـاريخي، ودون حـذف المصطلحات المهينة، مـن قبيـل وصـم الأطفـال المزداديـن خـارج إطـار مؤسسـة الـزواج بأنهـم “أبنـاء زنـا”، ووصـف النسـاء بأنهـن “ناشـز” ، وإخضـاع اسـتحقاق المرأة لنفقتهـا في حالة النزاع لقواعد الحيازة على غرار الحيازة في الأشـياء والمنقولات.”

وأخطر ما في أحكام القيمة هذه هو كونها منبهرة بما أسمته الصياغة الحديثة المعتمدة على المرجعية الكونية، وتصف في المقابل المصطلحات القرآنية بكونها “مصطلحات مهينة” لكرامة المرأة والطفل، وهو وصف لا يراعي ولا يحتاط ويتجاهل أن هذا كلام الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه، وأنه منزه عن أن يمتهن كرامة المرأة والطفل أو أي مخلوق آخر، وهو سبحانه وتعالى وعز وجل الذي كرم بني آدم ورفع قدره

16-إدراج الاغتصاب الزوجي في القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء:

تقترح مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان “إدراج بعـض أوجـه العنـف الـذي تتعـرض لـه المرأة داخـل بيـت الزوجيـة كالاغتصـاب الزوجـي فــي القانــون رقــم 13.103 المتعلــق بمحاربــة العنــف ضــد النســاء واعتبــاره شــكلا مــن أشــكال العنـف الممـارس ضدهـا. ”

وتؤكد المذكرة من خلال مقترحها هذا غرابتها عن المجتمع المغربي، وسعي مثل هذه المقترحات إلى تفكيك الأسر المغربية لا الحفاظ عليها وعلى استقرارها وضمان وحدتها، فإذا كان الزوجان (بغض النظر عن من مارس العنف) في الحالات العادية التي قد يقع في حقه (ا) عنف جسدي (ي)تجد صعوبة في الإثبات، فكيف يمكن الدخول إلى علاقة حميمية بين الزوجين واعتبارها تندرج ضمن حالات الاغتصاب، وهو ما يؤدي إلى خلق حالات نزاع جديدة افتراضية تؤدي إلى تفكيك الأسر.

رابعا- الخلاصة العامة:

بالنظر لكل ما سبق ولمختلف الملاحظات والتجاوزات المسجلة أعلاه، فإن مذكرة المجلس جاءت متجاوزة ومجافية -بشكل صريح وواضح- لكل الحدود والثوابت والمرجعية الوطنية، حيث لم تعر أي اهتمام واعتبار للهوية المغربية التي تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها؛ ولم تلتزم بالمقتضيات الدستورية التي تعرف الأسرة وتحدد نطاق الانفتاح على الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ولم تقم وزنا للخطابات والتوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين، وبأنه لا يمكنه أن يحل ما حرم الله ولا أن يحرم ما أحله الله؛ وتأكيده على ضرورة التشبث بالقيم الوطنية الجامعة، ومكونات الهوية المغربية الأصيلة وأولها القيم الدينية والروحية، وفي مقدمتها قيم الإسلام السني المالكي، القائم على إمارة المؤمنين؛ وحصر جلالته لنطاق التعديلات المرتقبة في إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة.

إن تبني المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المذكرة التي قدمها إلى الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لمقترحات وتوصيات لا تلتزم بالمرجعية الإسلامية، ولا تحترم المرجعية الدستورية، ولاتراعي الخطابات والتوجيهات الملكية، ولا تعبأ بالانتظارات والاختيارات والقناعات العامة للمجتمع المغربي ومكانة الأسرة لديه، يطرح إشكالا حقيقيا حول مدى تقيد هذه المؤسسة بالضوابط الدستورية والوطنية المحددة لاشتغالها، لاسيما وأن الأمر لا يتعلق بجمعية عادية تتبنى وجهة نظر تستند لمنظومة قيم غربية قائمة على الحرية المطلقة للأفراد، وتؤمن بالتحلل المطلق من المسؤولية وتستهدف منظومة الأسرة، وتعتبر أن الأحكام الشرعية تتعارض مع هذه القيم الغربية، بل إن الأمر يتعلق بمؤسسة دستورية وطنية يفترض فيها أن تنضبط لهوية المغاربة وتتفاعل مع انتظاراتهم وتعكس اختياراتهم، وتلتزم قبل ذلك بثوابتهم وبمرجعيتهم الإسلامية والدستورية والوطنية وبإمارة المؤمنين.

وهو ما يجعلنا وبكل موضوعية، وانطلاقا من المرجعية التي اعتمدتها المذكرة والمقترحات والتوصيات التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمام مذكرة خارج الإطار والنص الدستوري، وخارج الثوابت الوطنية الجامعة والراسخة للأمة المغربية، وتعتمد وتنتصر دون قيد أو شرط وبطريقة ميكانيكية للمرجعية والتوصيات الكونية، حتى وإن خالفت أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، وكذا مرتكزات الممارسة الاتفاقية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، والتي ترفض وتتحفظ على جميع التوصيات المخالفة للشريعة الإسلامية وللثوابت الجامعة لبلدنا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M