مراجعة مدونة الأسرة: القرار الصحيح يبدأ من الحساب الصحيح

16 يناير 2025 14:48

الأزمي: ينبغي أن نجد أثر مقتضيات الدستور في القانون الإطار للتربية والتكوين

هوية بريس- ذ.ادريس الأزمي الإدريسي

في إطار ورش مراجعة مدونة الأسرة، يُرَكِّزُ صَفُّ ما يسمى بالحداثيين بالخصوص على التعدد، لدرجة أن وزير العدل وهو يقدم مقترحه في هذه النقطة بالذات، لم يلق اعتباراً لصفته الحكومية وعبر عن نشوته، واشترط بدون وجه حق ولا صفة شروطا تتجاوز رأي المجلس العلمي الأعلى في الموضوع.

ومع تسجيل هذا التجاوز غير المقبول، هل يشكل حقيقة التعدد مشكلا بمناسبة مراجعة المدونة إلى هذا الحد كي يتم التركيز عليها بهذه القوة والتعبير عن مقترحه بهذه النشوة؟ وهل هناك في المقابل يُسْرٌ وَتَضَخُّمٌ في نسبة الزواج، وعُسْرٌ وضُعْفٌ في نسبة الطلاق، كي يتم التضييق على الزواج وتسهيل الطلاق لهذا الحد؟ بحيث نجد أن باقي المقترحات المعلن عنها وبدون استثناء ستفضي في النهاية إلى التضييق على الزواج بشكل غير مسبوق من خلال فرض تكاليف وشروط عند الزواج وبعد الطلاق أو الوفاة، وتسهيل الطلاق من حيث الآجال والمسطرة وغيرها؟

وهنا تقتضي الحداثة العودة للأرقام والإحصائيات قبل الفصل في هذه المقترحات، ليتضح هل المراد بالفعل هو معالجة الإشكاليات العملية التي أفرزها التطبيق القضائي لمدونة الأسرة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مرتبطا بمراد إيديولوجي معين، لأنه وكما هو مقرر: “ما لا يُقاس لا يمكن تدبيره”، و”الحكم على الشيء فرع عن تصوره”.

إذ العقل والمنطق -الذي يؤمن به هؤلاء كما يدعون- يقتضي أن يتم استحضار الإحصائيات في هذا المجال لاتخاذ القرار واعتماد التعديلات التي تعالج المشاكل الحقيقية، وإلا فلماذا تعبئ الدولة كل أجهزتها وإمكانياتها الإدارية والبشرية والمالية لتجري إحصاء عاما وإحصاءات دورية تقول شيئا وتأتي المقترحات لتعالج أشياء أخرى.

فما الذي تقوله الإحصائيات المرتبطة بالأسرة سواء تلك النابعة من الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أو من تقرير المندوبية السامية للتخطيط الصادر في 15 أبريل 2024 حول المؤشرات الاجتماعية في المغرب لسنة 2024، أو في نشرتها السنوية حول وضع المرأة المغربية لعام 2023 الصادرة في اليوم الوطني للمرأة 10 أكتوبر 2023، والتي تستقي بياناتها من وزارة العدل، أو تلك التي وردت في تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول القضاء الأسري.

ففيما يتعلق بالتعدد، استقرت نسبة عقود الزواج المرتبطة بالتعدد في 0,3% من مجموع طلبات الإذن بالزواج منذ 2008 وإلى اليوم، أي ما يعادل ما بين 800 و900 حالة تعدد في السنة.

وفي المقابل، ما الذي تفصح عنه الإحصائيات بخصوص الأصل والهدف الأسمى المرتبط بمدونة الأسرة، والذي ينبغي أن يكون هو تشجيع تكوين الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي، والتي خصها الفصل 32 من الدستور بغاية أساسية ونبيلة وبوأها مكانة “الخلية الأساسية للمجتمع“، وأوجب على الدولة أن تعمل على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، وحدد غاية القانون الذي ينظمها في ضمان وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.

أولا– انخفضت عقود الزواج بنسبة تفوق % 18 بين 2008 و2022، بحيث تراجعت هذه العقود من 307.000 عقد زواج سنة 2008 إلى 251.000 سنة 2022، وذلك بالرغم من التزايد السكاني وتوسع الفئة العمرية الشابة؛

ثانيا– تضاعفت نسبة العزوبية الدائمة، التي تعني أن يصل الفرد إلى سن 55 عامًا دون أن يتزوج مطلقًا، من 5,9% سنة 2014 إلى 9,4% سنة 2024. وارتفعت هذه النسبة في صفوف النساء إلى 11,1% سنة 2024، وعند الرجال إلى 7,6% في نفس السنة. وسجلت 10,3% في المناطق الحضرية، و7,6% في المناطق القروية؛

ثالثا– ارتفعت عقود الطلاق بنسبة بلغت %60 بين 2008 و2022، حيث ارتفعت من 55.000 حالة طلاق سنة 2008 إلى 88.000 سنة 2022، وتفاقمت حالات التفكك الأسري الناجم عن الطلاق مقارنة بالزواج، حيث وفي مقابل كل 100 طلب للإذن بتوثيق الزواج يتم رفع ما يقارب من 50 دعوى طلاق أو تطليق، خلال الفترة من 2017 إلى 2021؛

رابعا– ارتفعت نسبة الطلاق من 2,2% سنة 2014 إلى 3,3% سنة 2024، وارتفعت هذه النسبة عند النساء من 3,3% إلى 4,6% خلال نفس الفترة.

كل هذا يعني تحولات اجتماعية وديموغرافية كبيرة نتيجة الانخفاض الواسع في نسب الزواج والارتفاع المخيف في نسب الطلاق خلال السنوات الأخيرة. وهو ما عبرت عنه الإحصاءات الرسمية ويمكن تلخيصه في النتائج المخيفة والأرقام الصادمة التالية:

أولا– ارتفعت نسبة الأسر التي ترأسها نساء من 16,2% سنة 2014 إلى 19,2% سنة 2024؛

ثانيا– توجه الهرم السكاني ببلادنا نحو الانقلاب بحكم انخفاض نسبة الشباب وتسارع الشيخوخة، حيث انخفضت نسبة الشباب دون 15 سنة من 28,2% سنة 2014 إلى 26,5% سنة 2024، ونسبة السكان في سن النشاط، بين 15 و59 سنة، من 62,4% سنة 2014 إلى %59,7 سنة 2024. وفي المقابل، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق من 9,4% سنة 2014 إلى 13,8% سنة 2024؛

ثالثا– تباطأ وانخفض النمو السكاني إلى نمو سنوي متوسط قدره 0,85% بين 2014 و2024، مقابل 1,25% بين سنتي 2004 و2024، وذلك بفعل تواصل انخفاض معدل الخصوبة؛

رابعا– انخفض المؤشر التركيبي للخصوبة من 2,5 طفلا لكل امرأة سنة 2004 إلى 2,2 سنة 2014، ثم إلى 1,97 سنة 2024، ليصبح أقل من عتبة تعويض االأجيال وهو 2,1 طفل لكل امرأة.

فهل يجوز حداثة وعقلا ومنطقا ومصلحة تجاهل هذه الإحصائيات المخيفة والصادمة في مجال الزواج والطلاق، وتدهور نسبة النمو السكاني لدرجة أن المغرب صار تحت عتبة التجدد السكاني وتعويض الأجيال، والتركيز بشكل مرضي على أمور تمثل نسبة ضعيفة جدا، تخضع للاستثناء والترخيص، وذلك عوض اتخاذ ما يلزم لتيسير الزواج وتقنين الطلاق؟

ثم أين هؤلاء ولماذا لا يبذلوا جهدهم ليدافعوا ويترافعوا ويقدموا البرامج من أجل معالجة آفة الأمية مثلا والتي بلغت نسبتها سنة 2024 وفق الإحصاء الأخير 32,4% لدى النساء و17,2% لدى الرجال، وذلك نتيجة ظروف العيش والهدر المدرسي وغيره…

فأين هذه النسب وغيرها من النسب التي تعني وضعية النساء من نسبة 0,3%؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M