مزهار: الصور المخلة بالمقررات الدراسية تخدم أجندة خاصة
هوية بريس – حاوره: عبد الصمد إيشن
1ــ باعتباركم خبيرا تربويا، ما تعليقكم على الصور غير الأخلاقية التي نشرت بمقررات دراسية مغربية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أشكركم على توجيه هذه الأسئلة المهمة والتي تهم الشأن التربوي ومنظومة التربية والتكوين.
عندما ننظر لمنظومة التربية والتكوين بالمغرب نجد أنها تتأطر بمجموعة من المرجعيات، المنظومات التربوية المتعاقبة بالمغرب سواء التي اعتمدت المقاربة بالأهداف أو التي تبنت المقاربة بالكفايات كانت تركز على أهمية ترسيخ القيم في إطار الثلاثية المعروفة في التدريس: المهارات والمعارف والقيم. بطبيعة الحال أدمجت في المقرر الدراسي، ويتم التنصيص على الموقع الهام للقيم في البرامج والمناهج الدراسية في كل الوثائق والمرجعيات التربوية.
والمغرب شهد في بداية اعتماده على المقاربة البيداغوجية الكفائية، على اختيار أساسي وهو اعتماد التربية على القيم والتربية على الاختيار. وبالعودة للميثاق الوطني للتربية والتكوين كوثيقة مرجعية نجد أن هناك التركيز على مجموعة من الثوابت، قيم العقيدة الإسلامية وقيم الهوية الحضارية وقيم المواطنة وقيم حقوق الإنسان. وهذا الترتيب في الثوابت يؤكد على أولوية قيم العقيدة الإسلامية والهوية الحضارية. وانسجاما مع هذه المبادئ تأتي المناهج لكي تصرف هذه الغايات الكبرى وتعمل على تحويلها لكتب مدرسية قابلة للتدريس ولأنشطة تربوية داخل الفصل الدراسي.
بالرجوع إلى واقعة الصور، عندما نتحدث عن الصورة ووظائفها البيداغوجية، يحدد الخبراء ثماني وظائف أساسية للصور والرسوم التي تحتويها الكتب المدرسية، فهي تلعب دور التحفيز وإثارة الدافعية خاصة عندما تكون صور ملونة قريبة من مستوى المتعلم، ودور التزيين وعملية النقل الديداكتيكي، أي هناك مجموعة من المعارف والفاهيم والقيم التي يمكن تفسيرها ونقلها ديداكتيكيا عبر الصورة، خاصة بالنسبة للسلك الابتدائي. أيضا دورها على المساعدة والتكرار وتقريبها لإذهان المتعلمين، ووظيفة التوضيح والاحتفاظ بالمعلومة. ودور التواصل كذلك.
وبالتالي كما قلنا أن المنهاج يتبنى قيم العقيدة الإسلامية فإن الأصل في الصورة أن يتم انتقاؤها بناء على هذه المبادئي التي أسس لها الميثاق الوطني للتربية والتكوين والقانون الإطار والتقرير الأخير للهيئة الوطنية للتقويم.
إذن اختيار الصورة يجب أن يتوافق مع هذه المنظومة القيمية. للأسف أننا ننجد أنه هناك مجموعة من الانزلاقات والانحرافات لأنها لا تعبر عن الوثائق الرسمية وإنما هي اختيارات لأفراد، يمكن أن نقول، لهم أجندات خاصة، ويتجاوزون المواثيق الرسمية للدولة من الدستور والقوانين ودفاتير التحملات في التأليف، فيضغطون على المؤلفين من أجل تضمين هذه الصورة ويغرونهم تارة أخرى بالجانب المادي، هناك مجموعة من الكتب المدرسية التي يتم طبعها خارج المغرب.
وهذه الانزلاقات تخلق لدى المتعلم مجموعة من التوترات الذهنية وصراع على المستوى القيمي لأنه يتلقى في مواد أخرى كالتربية الإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات مجموعة من القيم النبيلة المستمدة من الدين الاسلامي، وفي نفس الوقت عندما ينتقل إلى مادة أخرى يتلقى قيم أخرى مناقضة، وهذا يخلق لديه نوع من الفصام والتناقض، فيصبح بين نارين، أيهما يصدق، هل المادة التي تدعوه للعفة أم التي تدعوه للإباحية والانحلال !؟
هذا الأمر يحتاج إلى وقفة وبطبيعة الحال تتحمل فيه وزارة التربية الوطنية مسؤوليتها، والمؤلفون ورجال المراقبة، ومن هنا ندعو إلى حذف كل الصور والرسائل التي تحمل مضمونا يخالف منظومة القيم المرجعية في المغرب. وأن نحفظ لأطفالنا براءتهم وفطرتهم، وهذا دور المدرسة في غرس القيم والتربية. لا تخريج جيل يكلف حتى الدولة من الناحية المادية إذا كان منحرفا.
2ــ استقبلت إحدى المؤسسات التعليمية بالشمال ممثلا سينيمائيا بهندام مثير لا يليق بالجو التربوي بالمدرسة، ما تأثير هذه الوقائع على الرسالة التربوية للمدرسة المغربية؟
دعني أقول وظائف المدرسة في ظل الرؤية الاستراتيجية التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين 2015-2030، يمكنها تلخيصها في خمس وظائف رئيسية: الوظيفة الأولى التعليم والتعلم والتثقيف وتنمية المعارف والثانية وظيفة التنشئة الاجتماعية، أي الطفل في المدرسة لا يأخذ المعارف جامدة بل يأخذ معها مجموعة من القيم الدينية والاجتماعية والبيئية والجمالية والاقتصادية..، فإذا كانت كل هذه الوظائف بحمولة قيمية فإن من واجب المؤسسات التعليمية أن تحترم هذه القيم وتنضبط لها في “القانون الداخلي” وأن يتماشى مع هذه الاختيارات.
المؤسسة لديها مشروع، أغلب مشاريع المؤسسة المندمجة تركز على محور التربية على القيم. وبالتالي مدير المؤسسة عندما يفكر في تنظيم نشاط موازي ضمن ما يسمى بالحياة المدرسية فالمطلوب أن معايير انتقاء هذا النشاط يجب أن تكون منسجمة مع هذه الاختيارات التي تحدثنا عنها وخاصة منظومة القيم. فلا يعقل أن يلج مؤسسة تعليمية شخص يحمل في ذراعه صليب ويلبس سروالا قصيرا، في الوقت الذي يُمنع فيه التلميذ من قبل الحراس العامون والمدراء من ولوج المدرسة بسبب الهندام غير اللائق. لكن عندما يأتي شخص آخر ونستقبله ونقدمه كقدوة، أكيد سنخلق تناقض وفصام عند التلميذ، ونقدم له نموذج وقدوة نقول عنه أنه فنان وناجح.
وبالتالي هذه مفارقة غريبة يجب التصدي لها ولا يجب أن تكون المؤسسات التعليمية مفتوحة لكل من هب ودب، بل يجب أن تنضبط لمعايير الانتقاء في الحياة المدرسية.
3ــ انتقد مؤخرا تدريس مادة التربية الإسلامية، هل ترون في هذه المادة عكس ما يخدم القيم النبيلة الصالحة لتربية الناشئة وتأهيل المجتمع؟
اعتقد أن التربية الإسلامية كمادة من بين المواد الحاملة للقيم، هدفها الرئيسي هو تلبية حاجيات المتعلم الدينية، مستمدة من الوحي أي الكتاب والسنة، وباعتبارها مادة دراسية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار صيروة التعلم عن التلميذ ومساره النمائي والوجداني والأخلاقي. وهي من بين المواد التي تساهم في بناء الفرد وتنشئته بأبعاده المختلفة، وتسهم في إعداد هذا المتعلم إعدادا كاملا.
عرفت المادة تعديلا سنة 2016 عبر لجنة عكفت على إعادة بناء منهاج هذه المادة لكي يصبح أكثر استجابة لهذه الحاجات التي سبق وذكرتها فاعتمدت مداخل عوض مواد، أي لم تعد متمركزة حول مواد علمية معرفية، قرآن كريم، سيرة نبوية، عبادات، أخلاق، إنما مداخل أي بمثابة قيم مركزية وكفايات، نتحدث هنا عن التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة. وهي تسهم في بناء معايير للاختيار عند المتعلمين. الذي يميز التربية الإسلامية أن الطفل عند اختياره يحتاج إلى موارد للتعامل مع كل ما يواجهه في اليوم من مواقف ومشاكل.
أيضا ما يميز مادة التربية الاسلامية، أي معايير الاختيار عندها مبنية على الشرع عوض أن تكون مبنية على مبادئ أخرى. فالشرع هو المعيار لتحديد الموقف الصحيح، وذلك عبر ترسيخ الحلال والحرام والقبيح والجميل، ومفهوم الصواب والخطأ، انطلاقا مما قاله الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. وهذا ما يجعلها في صدام مع قيم كونية أخرى لا تريد للمتعلم المغربي أن ينطلق من هذه المنطلقات، التي كما ذكرنا في البداية منطلقات دستورية وقانونية تؤكد على أن دين الدولة هو الإسلام.
ولكن في إطار العولمة والتدافع القيمي بين منظومة قيم تدعو إلى التمركز حول الفرد وقيم الاستهلاك واللذة يتم ترويجها عبر هجمة قيمية تروج للشذوذ والجنس والمال كصنم جديد، يصبح معيارا للاختيار عوض المبادئ والأخلاق والقيم. في هذا الإطار لا يمكن أن نتفاجئ من ترويج صور المثلية وأنا ضد هذا المصطلح، أنا أسميه شذوذ.
وهناك أصوات الآن تدعو إلى إباحة الجنس للأطفال ودعوات إلى مراجعة الموقف الدولي من البيدوفيليا والاستغلال الجنسي للأطفال. وهذه المراجعات الدولية للمواقف أكيد تجد صداها في مادة التربية الإسلامية باعتبارها الحصن المنيع الذي يشكل للمتعلم شخصية تتمتع بالمناعة القيمية والتي تجعلها في مستوى مقاومة هذه الهجمة القيمية التي تدعو إلى الشذوذ.
لمادة التربية الإسلامية دور في دفع الفرد على قيم مواطنة صالحة ودفع الفرد لمبادرات إيجابية نافعة، وحمل رسالة العمارة في الأرض. وهي تقاوم هذا التيار الجارف الذي يعمل على تهميشها وتعديل تمثلات الناس لها حتى يكرهوها.
ـــــــــــــ
د. أحمد مزهار: أستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمكناس، ورئيس شبكة القرويين للتنمية والحكامة.