مساهمات في النقاش المجتمعي والحيوي حول مستقبل التنمية بجهة درعة تافيلالت بعد إلغاء دورة يوليوز 2020
هوية بريس – الحبيب شوباني / رئيس جهة درعة تافيلالت
تقديم:
ستظل دورة يوليوز 2020 بالنسبة لمجلس جهة درعة تافيلالت دورة تاريخية بجميع المقاييس؛ سواء تعلق الأمر بتوقيت انعقادها، أو بما جرى فيها من وقائع وأحداث، أو ما سينتج عنها من تداعيات وآثار قصيرة المدى (فيما تبقى من الولاية الحالية) ، وكذا بعيدة المدى ( ذات صلة بمجمل تطورات المشهد السياسي بالجهة وعلاقات الفاعلين الظرفيين فيه) ، خصوصا في علاقة المجتمع وبنظرته وتقييمه ل”نخبته السياسية الجهوية”، وهو الذي بات يتابع عن كثب هذه الأحداث بمختلف تشكلاته المدنية والادارية والمناطقية والقبَلية وغيرها، ويحدد منها موقفه في صمت أو بتعبيرات غاضبة تعكس بعضها فضاءات التواصل الاجتماعي .
وبيان ذلك فيما يلي:
1- لقد انعقدت هذه الدورة في زمن كورونا، والبلاد تصارع تداعياته الاقتصادية والاجتماعية ، حيث لا مجال للعبث بأي فرصة تنموية تمكن من الانخراط في جهود مواجهة الجائحة وتخفيف وطأتها على عباد الله حيثما كانوا في سهل أو جبل.
2- لقد انعقدت هذه الدورة وفي جدول أعمالها شراكات قاربت 1.2 مليار درهم بين الجهة والحكومة ( حوالي 120 مليار ) موجهة لفك العزلة وإحداث فرص شغل كثيرة وتنشيط الدورة الاقتصادية بالجهة.
3- لقد انعقدت هذه الدورة بعد إطلاق رئيس المجلس مبادرة ” طي صفحة الماضي ” مع بداية الشوط الأول للجائحة، دعا فيها الجميع إلى تحمل مسؤولية الظرفية الصعبة والانخراط في التعبئة الوطنية الشعبية والمؤسساتية لمواجهة الوباء ، على أساس ميثاق شرف يوقعه رؤساء الفرق. وترك ماضي ما قبل كورونا للتاريخ، ولمن شاء أن يقرأه كما يشاء وقت ما يشاء. لكن المبادرة كانت صيحة في واد ونفخة في رماد !
4- لقد انعقدت الدورة وقانون الطوارئ الصحية ما زال ساري المفعول. وقامت الجهة بما يلزم بالتنسيق مع السلطات العمومية لمنع تحول “دورة يوليوز ” إلى ” بؤرة يوليوز ” في الجهة، علما بأن أعضاء المجلس قدموا إلى هذه الدورة من مراكش والدار البيضاء وغيرها من المدن جوا وبرا.
كل هذه السياقات والتحديات والاعتبارات لم تمنع ” المعارضة ” من ممارسة “هوايات” ما قبل كورونا في زمن كورونا..! وهو ما سنعود إليه بالتفصيل في مقالات مفصلة.
هذا الوضع السوريالي surréaliste يستدعي منا التعرض لفهم طبيعة المعارضة والأدوار التي باتت تضطلع بها أو الموكولة إليها في مجلس الجهة، ونحن على مشارف إغلاق قوس الولاية التأسيسية من تجربة الجهوية المتقدمة. سنتعرض لذلك برؤية تحليلية – بعيدة عن لغة المهاترات السياسوية – لتقاسم النظر مع كل الغيورين على تنمية الجهة، بشأن تجربة ساهمت في تسريع وتيرة الفرز والتمايز بين أصناف الفاعلين في المجلس، وجعلت المشهد ، وإن بدا متعثرا ، يخدم التنمية في المدى المتوسط والبعيد، بعد أن أصبح المواطن والمواطنة لاعبين رئيسيين يتابعان مختلف التطورات ويقيمان أداء اللاعبين في حلبة الجهة، ويصدران أحكامهما بعيدا عن أي ضغط أو تأثير، بفضل التواصل الرقمي الذي دشن عهد تحطيم أصنام السياسة التقليدية للأبد.
■ *المقالة الأولى : الانزلاق الخطير للمعارضة من ” معارضة الأغلبية ” إلى ” معارضة القانون ومصالح ساكنة الجهة”4 ؟* ■
في جميع المؤسسات المنتخبة حيث توجد معارضات شرسة ومحترمة، تتركز وظائف المعارضة على ثلاثة محاور أساسية، تشكل المادة الرئيسية لحصيلة عملها في مواجهة الاغلبية ومواجهة الجمهور الذي يفترض أنها تمثله وتدافع عن مصالحه.
يتعلق الأمر بالوظائف الثلاث الأساسية التالية:
1- ▪︎ *الوظيفة الاقتراحية* ▪︎ : هذه الوظيفة تؤطرها المادة 43 من القانون التنظيمي للجهات ( أنظر المرفق ). بموجب هذه المادة تقاس فعالية المعارضة بالقوة الاقتراحية التي يعكسها جدول أعمال الدورات العادية أو الاستثنائية. والقوة الاقتراحية تكون بدورها نتيجة لحمل انشغالات المجتمع بصدق ، نحو مجال التداول وصناعة القرار التنموي بالتصويت على مقررات تخدم التنمية وتستجيب لانتظارات الساكنة. وهذا الانشغال لا يتأتى إلا بالانغراس في تربة المجتمع والارتباط بمصيره التنموي عبر وجود علاقة عضوية بمؤسسة حزبية وتنظيمات موازية تجعل “المنتخب الجهوي” كائنا سياسيا حقيقيا ومسؤولا محاسَبا أمام الناخبين وأمام الحزب الذي رشحه لتمثيله في هذه المؤسسة الدستورية.
2 -▪︎ *الوظيفة التداولية* ▪︎ : وتتجلى في قدرة المعارضة على التداول وتطوير مبادرات الأغلبية، ولو برفع السقف أحيانا لتحقيق مصالح فئات من المجتمع ، وإحراج الأغلبية ومختلف مؤسسات الدولة للقيام بتدخلات قد تحتاج جهودا مالية استثنائية كما قد تتعلق بتسريع وتيرة التنفيذ. وهذه الوظيفة التداولية تتطلب حدا أدنى من القدرة على تمثل أخلاق الحوار الديمقراطي وتدبير الاختلاف بوسائل متحضرة واحترام القوانين والأعراف التي تدار بها المؤسسات المنتخبة ويتعايش فيها الرأي والرأي المخالف.
3 -▪︎ *الوظيفة التواصلية* ▪︎ : يتعلق الأمر هنا بوظيفة جوهرية في عمل كل معارضة مسؤولة ومنظمة وقادرة على التواصل المنتظم والمؤسساتي مع مختلف فئات المجتمع، وكذا مختلف مؤسسات الدولة ، ومع الأغلبية كذلك، من أجل امتلاك القدرة على جمع المعطيات وفهم الملفات وتبني القضايا ذات الأولوية التي تشغل بال الرأي العام بتحويلها – بشكل قانوني محترف ومهني- إلى مادة للترافع المؤسساتي، على أساس كونها ملفات تخدم المجتمع ومُعدَّة بشكل جيد، وليس مجرد عناوين فضفاضة بلا مضمون جدي ومسؤول.
تأسيسا على هذه المقدمة ، يمكن فهم الأسباب العميقة لتدهور أداء المعارضة وتضرر صورتها لدى الرأي العام الجهوي بشكل كارثي.
إن الأمر يتعلق هنا بحصيلة صِفْرية ( نسبة للصفر ) لا تشرف الممارسة المعارِضَة في مجلس درعة تافيلالت خلال حوالي خمس سنوات من ممارسة هذه الوظيفة ( *هناك معلومة صادمة : خلال 21 دورة عقدها المجلس خلال خمس سنوات، اقترح رئيس المجلس وأغلبيته ما مجموعه 1085 نقطة في جدول الأعمال تتعلق بمقررات تنموية، مقابل 0 مقترح من المعارضة!!!* ) . لقد ضيعت المعارضة على نفسها وعلى تجربة الجهوية وعلى الجهة وساكنتها كثيرا من الفرص لتقديم معارضة مسؤولة ومقتدرة لا تنفك حركتها تدور وجودا وعدما مع خدمة التنمية بالجهة.
بسبب هذا الانحراف عن الوظائف المشرفة للمعارضة كما بسطناها أعلاه ، حصل انزلاق تدريجي وعملي من ” معارضة للأغلبية” ، كما هي تقاليد الديمقراطيات العريقة، إلى “معارضة للقانون ولمصالح الساكنة” كما تجسد بوضوح في دورة يوليوز 2020..إن الجميع بات يدرك اليوم هذه الحقيقة .. وكما أنه لا يمكن إنكارها من طرف المسؤولين عنها.. لا يمكن كذلك عدم الإقرار بأن هذه الحقيقة القاسية تفسر جانبا كبيرا من حالة الارتباك ومراكمة الأخطاء القاتلة والهروب إلى الأمام في رحلة انتحار سياسي جماعي على طريقة أسماك السَّلَمون..بدل التوقف لمراجعة السير و”تصحيح المسار “..!
في المقالات المقبلة بحول الله..سنقف عند حصيلة “إنجازات المعارضة”.. كما سنناقش مبادرات المجتمع المدني ذات الصلة بالسياق..وسنوضح وجهة نظرنا وموقفنا من كل ذلك.
ترقبوا المقالة الثانية: المعارضة ترتكب 11 خرقا متعمدا لقانون الطوارئ الصحية في دورة يوليوز 2020 ..وتعرقل اعتماد اتفاقيات بالملايير لصالح ساكنة الجهة واقتصادها.
(في الصورة يبدو السيد سعيد شباعتو مقاطعا للسيد المدير الجهوي للتجهيز ومعرقلا لأشغال الدورة أثناء تقديم السيد المدير لاتفاقية الشراكة بين الجهة والحكومة لتأهيل البنية الطرقية ب 11 جماعة قروية بمناطق آيت حديدو بإقليم ميدلت. في نفس الدورة تم تصويت المعارضة ضد هذه الاتفاقية المتعلقة ببناء حوالي 270 كلم من الطرق و 7 قناطر مهمة بغلاف يقارب 70 مليار).