مستقبل الإسلاميين: في شروط استئناف الدور في الوطن العربي
هوية بريس – بلال التليدي
ثمة تقييم عام يتقاسمه عدد من الباحثين لحركات الإسلام السياسي، يرى أن هذا الفاعل السياسي الذي تصدر المشهد السياسي كأول قوة معارضة في الأنساق السياسية العربية لأكثر من عقد من الزمن، ثم استفاد من ريح الربيع الديمقراطي ووصل إلى السلطة أو شارك فيها، يعيش أزمة عامة، وأنه لم يعد فاعلا أساسيا يتوقف عليه الاستقرار السياسي أو نجاح التحولات السياسية، وأن الطلب عليه، لم يعد قائما، سواء من قبل بعض الأنظمة التي كانت تفكر في إدماجهم، أو من قبل الشرائح الشعبية التي كانت تنظر إليهم كأمل للتغيير والانتقال الديمقراطي.
في التقييم التفصيلي، تشترك حالات الإسلاميين في سمة مركزية، وهي العودة إلى الحلقة الأولى: حلقة المحنة (الإخوان في مصر) وحلقة الاستئصال السياسي (النهضة في تونس) وحلقة مقدمات الإدماج السياسي (العدالة والتنمية في المغرب).
إسلاميو مصر، تحملوا الأزمة في تاريخهم الطويل ثلاث مرات، بتناسب مع كل عهد. في عهد الملك فاروق بعد قرار حل الإخوان، وعهد جمال عبد الناصر في أكثر من موجة (1954، 1965، 1966) ثم مع حسني مبارك التي أخذت فيه المحنة طابع الحصار السياسي والقانوني، ليجدوا أنفسهم في محنة أكبر في عهد الرئيس عبد الفتاح السياسي.
وإسلاميو تونس، تحملوا محنة الاستئصال مع بورقيبة، ثم مع بن علي، ليجدوا أنفسهم اليوم يعودون إلى الحلقة ذاتها في عهد الرئيس قيس سعيّد، بعد أن كان نظر النهضة الاستراتيجي عند مسار ترتيب الانتقال الديمقراطي بعد ثورة الياسمين، يتجه إلى الإمساك بمراكز السلطة حتى لا يتكرر معها «قدر» الاستئصال.
أما إسلاميو المغرب، الذين ساروا على نسق تصاعدي ابتداء من سنة 1997، منذ أول مشاركة سياسية لهم، إلى غاية وصولهم إلى رئاسة الحكومة سنة 2012، شطبوا تقريبا من المؤسسات التمثيلية، فصار وضعهم الحالي (13 مقعدا نيابيا فقط) أشبه بالوضع الذي كانوا عليه بداية مشاركتهم الأولى، عندما حرموا من تكوين فريق نيابي وانتظروا سنة، لكي يحققوا هذا الهدف.
تتقاسم التجارب الثلاث، سمتين أخريين، أولهما، أن هذه التجارب كلها، تعاني أزمة انقسام داخلي، إما على خلفية الصراع لإزاحة الكاريزما القيادية التاريخية (حالة النهضة) بحجة أن راشد الغنوشي أضحى يمثل حالة استبداد تنظيمي داخلي يمنع التنظيم من تأمين تماسكه الداخلي، وتجسير شروط الارتقاء السياسي والتنظيمي، وضمان أعلى شروط الجاهزية والسياسية، وإما على خلفية خلاف على الخط السياسي وتقييم المرحلة الحكومية السابقة (حالة المغرب) وإما على خلفية صراع الأجيال، بحكم إمساك القيادات التاريخية بمراكز القوة في التنظيم، وجعل منظومة الولاء سابقة على قيم المبادرة والإبداع (حالة مصر).
أما السمة الأخرى، فتتمثل في وجود حالة من القطيعة الصريحة أو الضمنية بين النظم السياسية وبين الكاريزمات الحركية، بالشكل الذي جعل جزءا من أجيال الحركة الإسلامية تعتقد بعدم وجود أفق للانبعاث من جديد من دون أن تحل عقدة المنشار، وتتراجع القيادات التاريخية إلى الوراء.
تبدو هذه السمات التقييمية الثلاث قاتمة، إذ ترسم مستقبلا سوداويا في وجه الإسلاميين، لا يفتح أي أمل للعب سياسي فاعل في النسق السياسي العربي
بعض قيادات الإخوان الشابة، تتصور وجود إمكانية لاستئناف الدور حتى في عهد السيسي الموسوم بانسداد النسق، وأن الصراع مع السلطة، تعمق وازداد حدة بفعل أحقاد شخصية وسوء فهم متعذر على الحل بين السلطة وبين القيادات التاريخية الماسكة بالتنظيم.
وبعض قيادات النهضة، يعتقدون أن ذهاب راشد الغنوشي من رئاسة النهضة، كان سيمكّن من تجاوز أجواء المحنة التي تمر منها الحركة، وتفتح أفقا جديدا لها، ولو في الحدود الدنيا.
أما قيادات المغرب، فعدد وازن منهم، يعتبر أن إصرار بن كيران على العودة إلى لعب دور سياسي من موقع القيادة، مع إعفائه من الملك من رئاسة الحكومة، يقرأ من جانب النخب الحاكمة على أساس أنه تحدي للسلطة، وأن الحزب بهذا الاختيار الذي أمضاه في مؤتمره الاستثنائي، قد سد الطريق أمام دور محوري يمكن أن يقوم به في المستقبل القريب، وأن ما يؤشر على ذلك أن الانتخابات التشريعية الجزئية التي حدثت في عهد عبد الإله بن كيران منذ تقلده الأمانة العامة لمرة ثانية، قد فشل بها الحزب.
تبدو هذه السمات التقييمية الثلاث قاتمة، إذ ترسم مستقبلا سوداويا في وجه الإسلاميين، لا يفتح أي أمل للعب سياسي فاعل في النسق السياسي العربي في المدى القصير والمتوسط، وتبدو السمات الذاتية المرتبطة بأزمة التنظيمات الداخلية، وهيمنة الكاريزمات القيادية، واشتداد أزمة الأجيال داخلها، معضلة كبيرة، يصعب حلها في المدى القصير، فجزء من قيادات الإسلاميين في الحالات الثلاث، تربط الخروج من الأزمة بأدوارها، وتعتبر أن مرحلة القيادة الشابة ليست آنية، وأن المرحلة تقتضي فترة انتقالية، تؤمن دورا جديدا للقيادات التاريخية، مع مشاركة شبابية تؤثث المشهد، وتضمن قدرا من التواصل والتماسك الداخلي، لكن، السمات الموضوعية تطرح إشكالا أكبر، مرتبطا بالمناخ الدولي والإقليمي، والحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأقطار العربية التي يشتغل ضمنها الإسلاميون، فالفترات السابقة التي لعب فيها الإسلاميون أدوارا محورية في النسق السياسي سواء في المعارضة أو حتى في مربع السلطة، كانت محكومة بمناخ دولي، يدعم فكرة الديمقراطية والتحولات السياسية في الوطن العربي، أو يدعم فكرة أن يقوم الإسلاميون المعتدلون بدور مركزي في قيادة التحولات وذلك بسبب هامشية وعزلة وهشاشة التنظيمات العلمانية والليبرالية، كما عرفت المعادلة الداخلية أزمات اقتصادية كانت لها تداعيات اجتماعية حادة، سرعان ما أحدثت تحولات في الحركة الاجتماعية لجهة حراك سياسي ضاغط على الأنظمة ومهدد لأمنها واستقرارها، وهو ما ساعد الإسلاميين على تصدر المشهد السياسي مع الربيع الديمقراطي، بحكم أنهم كانوا يشكلون النخب الطاهرة التي لم تتلوث بالمشاركة في تدبير السلطة.
تحليل هذه السمات، يفترض التوقف عند ثلاث محددات مؤثرة في مستقبل الإسلاميين، الأول، مرتبط بتغير السياق الدولي والإقليمي، لجهة أن تكون الديمقراطية والتحولات السياسية جزءا حاكما لاتجاهات السياسات الدولية، وألا يتضخم مطلب الاستقرار على ما سواه فيصير تأمين المصالح الغربية، يشترط ضرورة إبعاد ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان عن أجندة الضغط.
وأما المحدد الثاني، فمرتبط بتجدد الأزمات الاقتصادية، وتأثيرها على السلم الاجتماعي، بما يبرر الطلب على النخب القادرة على لعب دور الوساطة، وإحياء معادلة الإصلاح في إطار من الاستقرار.
وأمام المحدد الثالث، فيرتبط بجهد الحركات الإسلامية الذاتي في الجواب عن أزماتها الذاتية وحل مشكلة القيادة وتعايش الأجيال.
لحد الآن، المؤشرات الواعدة تظهر وبشكل غير متناسب داخل الأنساق السياسية العربية على مستوى المحدد الأول، أي الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، في حين يبقى المحددان الأول والثالث خادمين لتواري الإسلاميين عن المشهد السياسي، فلا الإسلاميون اشتغلوا على ذواتهم لتدبير الأزمة وإيجاد مخرج لها، وللتكيف مع المرحلة الجديدة، ولا الديمقراطية، صار لها وزن في إدارة اتجاهات السياسات الدولية.
القراءة الواعية للواقع ينبغي أن يصحيها قراءة شرعية مؤصلة من الكتاب والسنة ومن ذلك العلم ان الله تكفل بتمام نوره كما قال تعالى ” والله متم نوره ولو كره الكافرون” فالإسلام باق و مستمر في النمو و الانتشار رغم المكر الكبار وان لم تقم الحركات الإسلامية بواجب البلاغ والدعوة والتربية فسيقيض الله لدينه من يقوم به كما قال تعالى “وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم” ونحن نرى دعاة شبابا تأثيرهم في الدعوة والإصلاح فاق تأثير حركات كبيرة و منظمة اقصد أمثال ياسين العمري و إياد قنيبي واحمد السيد جزاهم الله خيرا