مسيرة الدار البيضاء إيقاظ للفتنة وقرع لطبول الحرب
هوية بريس – مصطفى الحسناوي
للذين يستهويهم النموذج المصري٬ نحذرهم أن مصر في طريقها لعرقنة وسورنة أكيدة٬ فالقمع والاستبداد والظلم والديكتاتورية٬ خلطة لايتولد عنها إلا الانفجار والخراب والدمار.
نظام البعث في العراق وسوريا٬ دخل في صدام مع هوية الشعب في البلدين٬ نصب نفسه الآمر الناهي٬ صادر الحريات وأطلق يد التسلط والتحكم تعيث في الأرض فسادا.
القذافي نصب نفسه إلها٬ وبورقيبة كذلك٬ ثم خلفه بن علي الذي اشتغل بجد واجتهاد على علمنة المجتمع وتجفيف منابع ومظاهر الالتزام والتدين.
النظام المصري على عهدي عبد الناصر ومبارك أذاق الملتزمين الويلات سجنا وتعذيبا.
النتيجة ردود فعل هوجاء تأكل الأخضر واليابس٬ محرقة نيرونية٬ شعارها: “علي وعلى أعدائي”. قتال بشع شرس في العراق وسوريا٬ وتطرف في تونس وليبيا لم تعرف المنطقة مثيلا له٬ ردا على سياسة التجفيف لعقود٬ التي انهارت في دقائق٬ وأصبحت تونس من أكثر المصدرين لأنواع التطرف والغلو غير المسبوق.
في مصر كان التصويت بكثافة للإسلاميين٬ ردا على حملات القمع والتعذيب والتشويه للحركة الإسلامية٬ التي طالتها لعقود. صحيح أن الفساد ممثلا في الدولة العميقة مؤازرا بالمرتزقين والاستئصاليين٬ استعاد المبادرة٬ واستطاع إحكام قبضته الحديدية على مفاصل الحياة من جديد باستعمال أسلحة الاعتقال والتصفية والترهيب والمنع٬ لكن الجولة لم تنته بعد٬ الحراك الشعبي والثورات تشتغل بطريقة الموجات الارتدادية، إن لم تتعامل معها بحكمة، ستنفجر في وجهك في الموجة الموالية، في أي لحظة.
التصرفات الاستفزازية للنظام المصري سيجني ثمارها علقما ودمارا وخرابا٬ يدفع بأتباع الإخوان وغيرهم من بسطاء أبناء الشعب للارتماء في أحضان فرع تنظيم الدولة بسيناء٬ وغيره من التنظيمات المسلحة التي نشطت عقب انقلاب السيسي على الإرادة والاختيار الشعبي٬ كأجناد مصر والعقاب الثوري٬ اللتان ظهرتا بعد الحملة السيسية الشرسة ضد الإسلاميين، الغريب أن جماعات وأفراد ممن كانوا أجروا مراجعات لنبذ العنف٬ أجروا مراجعات في الاتجاه المضاد ثانية للعودة إلى العنف٬ كجماعة الجهاد وكما هو الحال بالنسبة للجماعة الليبية٬ التي أعلنت عن تخليها عن العمل المسلح٬ لكن انفلات الأوضاع في البلاد جعلها ترجع له بقوة. لتصبح البلاد مقسمة بين الجماعات الإسلامية المسلحة. فجر ليبيا وأنصار الشريعة وفرع تنظيم الدولة والقاعدة وغيرها.
الملاحظ أن الجماعات الإسلامية لاتسعى لذلك ولاتطلبه٬ لكنها الأقوى والأصدق والأصبر حين يفرض عليها هذا الأمر، وتعم البلدان الفوضى والقلاقل٬ وسواء كانت تلك الفوضى من تخطيط الأنظمة الحاكمة وحلفائها العلمانيين٬ أو من تخطيط أجنبي يريد أن يزج بالمنطقة في أتون حرب أهلية، فإن الخاسر الأكبر في كل البلدان المضطربة الآن٬ هي الأنظمة الحاكمة والتوجهات الحداثية العلمانية٬ التي لاتستطيع تقديم أي قطرة دم أو تضحية في سبيل قضيتها.
في المغرب حدث الاستثناء، لم تتجه الأمور باتجاه الفوضى والانفلات، نتيجة تعامل حكيم من جميع الأطراف، وتنازلات من الحركة الإسلامية والنظام الحاكم، فرض الاستقرار فرضا علي حساب مطالب الشعب، قبل الشعب هذا الاتفاق غير المعلن، باعتباره أخف الضررين.
جهات ما كأنها أحنت رأسها للعاصفة، بدأت في جس نبض الشارع منذ مدة، بعد أن قدرت أو قدر لها من جهات خارجية، أن التوقيت مناسب، وفي عملية استنساخ بليدة لما يحدث في مصر وللتوجهات القطرية، بدأ تجميع حطب المحرقة والدفع به إلى الشارع، وقرع طبول حرب أهلية، إن بدأت في المغرب فلن نعلم شيئا عن نهايتها. فقد نعلن الحرب متى أردنا، لكننا لن نوقفها إلا متي استطعنا وليس متى أردنا، والاستطاعة حينها لن تكون بأيدينا. سندخل نفقا مظلما لاندري المختبئين والمتربصين فيه، ستنفتح أبواب جحيم وقانا الله شره وأوصده دوننا، قد يعتقد قارعوا طبول الحرب أن ثمن العدوان رخيص، لكنني أقول لهم أن الأمن أقل كلفة من الحرب، وأن العدل أقل كلفة من الظلم.
وأختم معلقا على قضية استقطاب مجموعة من الجهال والبسطاء لمسيرة البيضاء٬ واستغفالهم واستحمارهم واستغلالهم في معركة ليست معركتهم، ورفعهم لشعارات لايفهمونها، وصور أشخاص لا يعرفونهم.
علق البعض ساخرا على هذه المشاهد، لكنني أتوقف عندها منبها لخطورتها من أوجه عدة، إذ بقدر ما يظهر ضعف من وراء هذه المسيرة، ومحدودية مشروعه كما وكيفا، واستعانته بالشمكارة والمقرقبين والعجائز والأرامل والمطلقات والضائعين والجهال٬ بقدر مايدق ناقوس خطر رهيب، يشير إلي أن من يقف وراء المسيرة مستعد للزج بالبسطاء في معارك يكونون وقودها، والتغرير بهم واستغلال بساطتهم وحاجتهم، وبقدر ما يدل على أن الفقر والجهل يدفع الناس لبيع أجسادهم ورهن عقولهم لمن يدفع لهم قوت يوم واحد، وهو سلاح ذو حدين.
إن تلك المشاهد الساخرة التي تابعناها على مواقع التواصل الاجتماعي، هي مشاهد مضحكة فعلا من جهة جهل المتظاهرين وجهل من أخرجهم ودفع بهم، لكنها مشاهد مبكية أيضا من جهة استعداد البعض لإشعال الحرب في البلاد. وقودها أبناء الشعب البسطاء، ودفعهم لرفع شعارات لايفهمونها مقابل 100 درهم، أو خروف في أحسن الأحوال، بل ورفع شعارات خطيرة من قبيل “لا لأسلمة المجتمع”.
وبالرغم من كل ماقلت فرسالتي للقائمين على المسيرة، الداعين لها، ممن قرعوا على آذاننا طبول الحرب يوم الأحد الماضي، وهددونا بعلمنة المجتمع، بتلك الحشود الجاهلة المدفوعة، أقول أن المعارك التي يخوضها جيش مهما كانت عدته وعتاده، إن لم يكن مقتنعا بمعركته مدركا لأهدافه، هي معركة خاسرة، مايلبث الجنود حين تستعر نار الحرب أن ينحازوا إلى المعسكر الآخر رغبا أو رهبا، أو في أحسن الأحوال يتخلوا عن بزتهم العسكرية ويفروا هاربين، رأينا ذلك في ليبيا واليمن وسوريا والعراق. فلاتعولوا في معارككم على من سيتخلى عنكم حين تتضح له الصورة أو الذي سيهرب في أول محنة، أو من يقاتل لأجل المصلحة، لأن معركتكم حينها ستكون خاسرة.
لا أعلم صراحة ذلك القابع خلف الستار الذي يلعب بنار التأجيج ويصب زيت الفتنة عليها، غير أني أوجه نصيحة لإخوتي المغاربة. لاتكونوا حطب معركة يتم تسييرها من خلف ستار بعيدا، وقانا الله وإياكم الفتن ماظهر منها وما بطن.