مشاريع للنسيان
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
يعتبر امتلاك عقلية المشاريع الناجعة ، والإشتغال بها ، من المقومات الرئيسة للدولة الحديثة ، وللمجتمعات المتقدمة ، حيث تنشط حركية البناء والتشييد وإقامة العمران ، بما يعزز مكانة الإنسان المواطن ، عبر تمكينه من كل الخدمات الأساسية ، والإستجابة لكافة حاجياته ومطالبه الضرورية .
فاقتراح المشاريع الجادة والهادفة ، وإنجازها في آجالها المقررة والمعقولة ، بناء على تعاقدات مضبوطة ، مع الحرص على إتمامها وإكمالها بكل تفاصيلها ، وحيثياتها الصغيرة والكبيرة ؛ هذا هو ديدن المجتمعات المتقدمة ، والتي يهمها أن تكون متقدمة ، وهذا بالضبط ، ما لا تفعله المجتمعات المتخلفة ، أوالتي تريد أن تبقى متخلفة ، حين تتحول جل مشاريعها ، أو ما يسمى كذلك ، إلى إعاقات جديدة ، وإلى إشكالات إضافية ؛ ولنا أن نلاحظ ، هذا الكم الهائل من الأحاديث والبلاغات المختلفة ، حول مقترحات مشاريع ، في بلادنا ، وهذا الكم الهائل من الإدعاءات والتقولات ، بامتلاك مشاريع ، وبإنجازها ؛ من طرف جل الهيئات المعنية بإنجاز المشاريع ؛ ولنا أن نلاحظ بعدها ، هذا الصمت المخيف ، الذي يعقب كل هذه الأحاديث ، والذي يتحول مباشرة ، إلى اجتهادات عجيبة ، لتبريرالفشل ، والدفاع عن الإخفاق في الإنجاز، ما يعني أن علاقتنا بفكرة المشاريع ، وبأخلاق المشاريع تتطلب إصلاحا عاجلا ، وتحتاج إلى منطق جديد ، قوامه الصراحة والوضوح ، بما يخدم تقدمنا الذي نتحدث عنه ، والذي ندعيه .
تقتضي المشاريع أولا ، امتلاك عقلية اقتراحية ، وقدرة معقولة على المناقشة الجادة والمواطنة ، بعيدا عن السياسوية المريضة ، المسكونة بالمواقع والمصالح والإدعاءات الأنانية ؛ وتقتضي المشاريع ثانيا ، تقديم دراسات وافية ودقيقة ، حول نوعية المشروع ، وما يتعلق به من تفاصيل ، تتولاها مكاتب دراسات وطنية ، تهمها خدمة هذا البلد ، لا الحصول على شيكات وتفويتات مشبوهة ؛ وتقتضي المشاريع ثالثا ، الحرص على إنجازها وإتمامها وإنهائها ، بكل عناصرها وحيثياتها ، وفي زمنها المحدد ؛ وتقتضي المشاريع رابعا ، ضمان استفادة كل المواطنات والمواطنين ، من خدماتها وامتيازاتها ؛ ثم تقتضي المشاريع في النهاية ، إعلان تفاصيلها أمام المواطنين والمواطنات ، وشكر القائمين عليها ، ومحاسبة المتخاذلين والغشاشين ، والمتلاعبين بالمال العام ؛ هذا هو ديدن المتقدمين ، الذين نقضي جل أوقاتنا في إطرائهم والحديث عن محاسنهم .
ثمة أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة واضحة ، بصدد علاقتنا بفكرة المشاريع ؛ لماذا تخفق جل مشاريعنا التنموية ، والمرتبطة بخدمة قضايا المواطن والمواطنة ؟ ، لماذا يؤول أمرها ، في الغاب الأعم ، إما إلى التأجيل ، أوإلى التوقف ، أو إلى نقص مريع في الإنجاز ، في أحسن الأحوال ؟؟ ، هل نحتاج إلى تقديم أمثلة ؛ تكفي الإشارة إلى النموذج التنموي الأخير، وما رافقه من حماس وكلام وعواطف ؛ هل المشاريع عندنا ، توجد لتتوقف ، أو لتتأجل ، أو لتظهر في أشكال شوهاء ولا تليق ؛ هل هي مشاريع للنسيان ؟؟ ؛ هل يتعلق الأمر بمسألة فصل السلط ، وتنازع الصلاحيات ، أوهو الإختباء ، وراء تنازع الصلاحيات ؟؟
لا وجود لأجوبة واضحة ، عدا التخمين والتـأويل ، ويكفي التأمل في العبارات التالية : ( تعدد المتدخلين ، عدم حضور الرئيس ، عدم اكتمال النصاب القانوني ، الإفتقار إلى السيولة المالية ، تضارب المصالح ، إشكالات إدارية … ) ؛ هذه عينة من الأجوبة التي يتلقاها بعض المواطنين والمواطنات ، للرد على استفساراتهم ، المرتبطة بتوقف أو تأجيل أو عدم إنجاز ، مشروع معين ، ما يفتح المجال لوابل من التخمينات ، والأحاديث الجانبية ، التي لا تزيد الأمر إلا غموضا ؛ مرة أخرى ، هل هي مشاريع للنسيان .